يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبرام صفقة مع النظام السوري لإعادة معتقلين أميركيين اثنين لدى دمشق قبل موعد الانتخابات، التي يتنافس فيها مع الديمقراطي جو بايدن، في الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لكن هذا الأمر يواجه صعوبات، إذ تشير المعلومات إلى مطالب تعجيزية وضعتها دمشق أمام واشنطن لإتمام الصفقة، وهو ما لا يمكن لترامب تحقيقه، خصوصاً بعد رفعه سقف محاصرة النظام السوري من خلال العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية بموجب قانون "قيصر" الذي صادق عليه ترامب وأدخله حيز التنفيذ. كما تم وضع خطوط حمر أمام الراغبين في التطبيع مع النظام، في محاولة لإرغامه على الجلوس إلى طاولة التسوية السياسية وفقاً للرؤية الأميركية والغربية للحل، بناءً على المرجعيات الأممية.
وبعد أيام من زيارة قام بها المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، المقرب من دمشق وحزب الله اللبناني، إلى واشنطن في 15 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، التقى خلالها بعدد من المسؤولين الأميركيين، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس الأول، أن نائب مساعد الرئيس الأميركي، كاش باتل، الذي يعد مسؤولاً بارزاً معنياً بمكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية، زار دمشق خلال العام الحالي لعقد اجتماعات سرّية مع مسؤولين من النظام من أجل الإفراج عن مواطنين أميركيين اثنين، يعتبر أنهما محتجزان لدى سلطات النظام.
وصلت العقوبات على النظام حداً لا يمكن التراجع عنه
ويبدو أن باتل فشل في الإفراج عن الرهينتين، لتُسند مهمة التفاوض للواء عباس إبراهيم، الذي كان له يد في إطلاق سراح ثلاثة محتجزين أميركيين في سورية سابقاً، من بينهم سام غودوين الذي أفرج عنه العام الماضي. وكان إبراهيم زار دمشق، في مايو/أيار 2019، قيل حينها إنها كانت لحل مشكلة المعابر غير الشرعية والتهريب بين سورية ولبنان. إلا أن مصادر صحافية لبنانية كشفت، لـ"العربي الجديد"، أنه تم خلال الزيارة بحث ملف المعتقلين، من دون التطرق إلى التفاصيل.
وفي الأسبوع الماضي، التقى إبراهيم في البيت الأبيض مع مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، لمناقشة قضية الأميركيين المحتجزين في سورية. وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أن إبراهيم التقى أيضاً مديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبل، بحضور والدة الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي قتل على يد تنظيم "داعش" في سورية في 2014. وأشار موقع "كلنا شركاء" المحلي إلى أن النظام السوري أرسل مع إبراهيم شروطه لإطلاق سراح المعتقلين قبل موعد الانتخابات الأميركية، مرتباً إياها حسب الأولوية، وهي إيقاف وتجميد العمل بقانون "قيصر"، ووقف الاعتراض على إقامة دول الخليج علاقات دبلوماسية مع سورية، والطلب من دول الخليج منح النظام مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار، والإفراج عن أموال الحكومة ورجال الأعمال السوريين المحتجزة ووقف ملاحقتهم، بالإضافة إلى الإعلان عن إمكانية ارسال سفير أميركي إلى دمشق.
ومن غير المتوقع أن تقبل إدارة ترامب بهذه الشروط، مهما ستكون نتائجها على حساباته الانتخابية، إذ إن قانون "قيصر" حوّل الموقف الأميركي من النظام من سياسي إلى قانون يتمتع بالنفاذ، في حين وصلت العقوبات الاقتصادية الأميركية، وحتى الأوروبية، على النظام وأتباعه حداً لا يمكن التراجع عنه إلا في حال انخراطه في التسوية السياسية بشكل حقيقي. وكل ذلك يجعل شروط دمشق تعجيزية، على الرغم من كل الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لتحرير معتقليها في سورية من خلال العديد من محاولات التفاوض التي بدأت في 2015.
تطالب الإدارة الأميركية بالإفراج عن تايس وكم ألماز
ونقلت صحيفة "الوطن"، الموالية للنظام، أمس الإثنين، عن "مصدر" وصفته بأنه واسع الاطلاع تأكيده زيارة باتل والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين روجر كارستينس إلى دمشق في أغسطس/آب الماضي، موضحاً أنهما اجتمعا مع رئيس مكتب الأمن الوطني لدى النظام اللواء علي مملوك. وذكرت الصحيفة أن "المسؤولَين الأميركيين فوجئا بالموقف السوري الذي يقوم على مبدأ أنه لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل البحث في ملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرق سورية، وظهور بوادر حقيقية لهذا الانسحاب على الأرض، وأن دمشق رفضت مناقشة العقوبات الأميركية على سورية قبل مناقشة ملف الانسحاب من الأراضي السورية".
وتطلب الإدارة الأميركية بشكل رئيسي الإفراج عن أوستن تايس، الصحافي المستقل والضابط السابق في مشاة البحرية الذي اختفى أثناء تغطيته الصحافية في سورية عام 2012، ومجد كم ألماز، المعالج النفسي السوري الأميركي، الذي اختفى بعد أن أوقف على نقطة تفتيش تابعة للنظام السوري في 2017. وذكرت "وول ستريت جورنال" أن الإدارة الأميركية تعتقد أن نظام الأسد يحتجز ما لا يقل عن أربعة أميركيين آخرين، لكنها لا تعرف الكثير عنهم.
وكان تايس دخل عبر الحدود التركية إلى سورية لتغطية أحداث الثورة ضد النظام في مايو/أيار 2012، ووصل بعد محطات عدة إلى ريف دمشق، وكان في طريقه للوصول إلى لبنان بعد أن أنهى تغطيته في سورية ليقلع منها إلى بلاده، إلا أنه اختفى قبل وصوله إلى الحدود السورية – اللبنانية في 13 أغسطس/آب 2012. إلا أن الصحافي ظهر في نوفمبر/شرين الثاني من العام ذاته بشريط مصور يوحي بأنه بيد متطرفين إسلاميين، إلا أن الاستخبارات الأميركية سرعان ما اكتشفت أن من ظهر في الشريط مع الصحافي ليسوا سوى أشخاص يؤدون دوراً تمثيلياً للإيهام بأن تايس وقع بيد جماعة متطرف. وفي 2015، قال دبلوماسي أوروبي إن مبعوثاً أميركياً استطاع رؤية تايس في دمشق، مؤكداً أنه بخير، إلا أن النظام السوري لا يزال يرفض الاعتراف رسمياً بوجوده.
أما مجد كم الماز، فهو طبيب أميركي من أصل سوري يقيم مع عائلته في الولايات المتحدة، وكان في زيارة إلى لبنان في فبراير/شباط 2017، إلا أنه أخبر عائلته بأن عليه زيارة بعض الأقارب في دمشق. وبعد ساعات من وصوله العاصمة السورية ألقى القبض عليه عند نقطة تفتيش تابعة للأمن السوري، بحسب سائق سيارة أجرة كان يقوم بإيصال الطبيب، ومنذ ذلك الوقت لا تتوفر أي معلومات عن كم ألماز.
ويبدو أن النظام بدأ بإخراج ملفات الرهائن ورفات المقاتلين لديه للتفاوض عليها مع ازدياد الخناق عليه بفعل تعاظم الضغوط الغربية والأميركية. ويتضح ذلك من خلال تسليمه إسرائيل العام الماضي رفات زخاريا باومل الذي قتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان في 1982، بوساطة وجهود من موسكو، التي كان لها يد في تسليم ساعة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين إلى تل أبيب، بعد أن كانت في دمشق. وتشير معلومات "العربي الجديد"، إلى أن القوات الروسية نبشت العديد من المقابر في محيط دمشق، ولا سيما في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، في إطار بحثها عن الجنديين الآخرين اللذين كانا برفقة باومل، وهما يهودا كاتس وتسفي فيلدمان، في حين يجهد النظام والروس لمعرفة مكان دفن الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أعدم في دمشق عام 1965 بهدف تسليمها لإسرائيل، ربما ضمن صفقة قد تدر ربحاً كبيراً على نظام الأسد.