الرد الروسي على أميركا: حرب عقوبات تسبق قمة بوتين وبايدن

18 ابريل 2021
نصحت موسكو السفير الأميركي بالعودة إلى بلاده (Getty)
+ الخط -

في ردّ سريع لم يخل من الخطوات التصعيدية والرسائل بشأن الاستعداد للقيام بالمزيد متى ما استدعت الحاجة، أعلنت موسكو، مساء الجمعة الماضي، عن سلسلة إجراءات رداً على العقوبات الأخيرة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على مسؤولين ومؤسسات روسية، فضلا عن طرد دبلوماسيين من واشنطن.
وواضح أن دخول الكرملين القوي عبر مساعد الرئيس يوري أوشاكوف واستقباله السفير الأميركي جون سوليفان مرتين في ثلاثة أيام، وتسليمه لائحة العقوبات الروسية، يبعث برسالة واضحة بأن موسكو لن تذهب إلى اللقاء الثنائي المحتمل بين بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفق شروط غير متساوية، ما يفسر الرد القوي والسريع على العقوبات، وإمكانية التوسع فيها لاحقاً. ويبدو أن موسكو، التي ما زالت ترحب بعقد القمة الثنائية في بلد ثالث وربما تحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى، تسعى إلى رفع سقف مطالبها، عبر التأكيد أنها لن تقبل أن تذهب للحوار تحت ضغط العقوبات، ما يفتح على حرب إرادات بين الطرفين لا يمكن توقع نتيجتها.

مُنع 8 مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين من دخول روسيا

وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أول من أمس، إن موسكو قررت الرّد بالمثل عبر طرد 10 دبلوماسيين أميركيين، لكنه كشف عن سلسلة إجراءات أخرى ضد البعثات الدبلوماسية الأميركية. وفي تلويح مباشر بطرد مزيد من الدبلوماسيين الأميركيين من روسيا، أشار لافروف إلى أن عدد أفراد البعثات الدبلوماسية في البلدين غير متوازن، ومختل بشدة لصالح الولايات المتحدة. وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الروسية الأميركية، قال لافروف إن أوشاكوف نصح سوليفان بأنه يجب عليه العودة إلى بلاده من أجل إجراء مشاورات "جادة ومفصلة"، علماً أن روسيا استدعت منذ 20 مارس/آذار الماضي سفيرها لدى واشنطن أناتولي أنتونوف للتشاور، ولم تحدد موعداً لعودته.
وبعد دقائق على حديث لافروف، نشرت وزارة الخارجية الروسية بيانين، تضمن أحدهما فقرة بشأن الطلب من السفير الأميركي مغادرة موسكو، إذ اعتبر أنه "من الواضح أن الوضع الحالي المتوتر للغاية يتطلب حاجة موضوعية، وهي وجوب وجود سفيري البلدين في عاصمتيهما من أجل تحليل الأوضاع وإجراء مشاورات". ويعد هذا الطلب غريباً في الأعراف الدبلوماسية. فحسب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بين البلدان، والمقرة في 1961، لا يوجد من ضمن الخيارات طلب وزارة خارجية بلد ما من سفير دولة أخرى العودة إلى بلاده لإجراء مشاورات. ونقلت صحيفة "كوميرسانت" عن دبلوماسي سابق قوله إن البيان يعني عملياً أن موسكو تعلن السفير شخصاً غير مرغوب فيه. وتعليقاً على أنباء بأن السفير الأميركي لا يرغب بالعودة إلى بلاده، أشار الدبلوماسي إلى أنه "عندما يطلبون المغادرة، فمن الأفضل المغادرة"، موضحاً أن "السفير قد يعارض ذلك، لكن بعد ذلك سيتم تهيئة الظروف له، بحيث لن يكون قادراً على العمل بفعالية على أي حال".

وتضمن البيان الأول لوزارة الخارجية الروسية لائحة بأسماء ثمانية مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين منعوا من دخول الأراضي الروسية. وضمت القائمة وزيري العدل ميريك غارلاند، والأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس، ومستشارة السياسة الداخلية سوزان رايس، إلى جانب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي، ومديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية أفريل هينز، ورئيس مجلس الأمن القومي السابق جون بولتون. وفي البيان الثاني، شددت الخارجية على ضرورة الرد على الهجوم الأميركي، مشيرة إلى أن "واشنطن لا تريد أن تقتنع بأنه لا مكان لسياسات الإملاء أحادي الجانب في الظروف الجيوسياسية الجديدة". وذكرت أن رهانات واشنطن "قصيرة النظر" لردع موسكو، ويمكن أن تتسبب بمزيد من التدهور في العلاقات الروسية الأميركية.
وأوضحت أنها خفضت عدد تأشيرات الدخول للموظفين الأميركيين المرسلين إلى روسيا للعمل في البعثات الدبلوماسية على أساس قصير المدى إلى 10 فقط، بناء على مبدأ الرد بالمثل، إضافة إلى قرار فرض حظر على توظيف العاملين الإداريين والفنيين في البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة من مواطني روسيا أو أي دول ثالثة، والذين يؤدي بعضهم خدمات تقنية، وهو ما يعني عملياًن حسب مصادر صحيفة "كوميرسانت"، طرد جميع الموظفين الروس العاملين في السفارة والقنصليات الأميركية في روسيا.

هدد لافروف باتخاذ إجراءات مؤلمة للأعمال التجارية الأميركية
 

وفي خطوة لتضييق العمل على الدبلوماسيين الأميركيين، أعاد لافروف وبيان الخارجية التذكير بقواعد العمل الدبلوماسي بين البلدين المقر في 1992، والقاضي بأن يخطر الدبلوماسيون السلطات الروسية في حال قرروا زيارة أماكن تتجاوز 40 كيلومتراً عن مقر عملهم. وكشفت الخارجية الروسية أنها تخطط لإنهاء أنشطة الصناديق والمنظمات غير الحكومية الأميركية، الخاضعة لسيطرة وتمويل وزارة الخارجية أو المؤسسات الحكومية الأخرى للولايات المتحدة، على أراضي روسيا. واعتبرت أن هذه الخطوات ليست إلا جزءاً من "الخيارات المتوفرة" لدى روسيا.
وتضمن البيان إشارة واضحة إلى أن روسيا يمكن أن تطرد نحو 155 دبلوماسياً أميركياً، بناء على مبدأ المعاملة بالمثل. وأوضح أنه بعد تبادل طرد الدبلوماسيين في 2016 و2017 و2018، واحتساب الدبلوماسيين الروس في بعثة الأمم المتحدة ضمن قوام السفارة في واشنطن، فإن للولايات المتحدة 455 دبلوماسياً في روسيا مقابل 300 للجانب الروسي في واشنطن، و155 في نيويورك يعملون ضمن البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة.
ومع إشارة الخارجية الروسية إلى محدودية رد موسكو على العقوبات الاقتصادية الأميركية، فإنها حذرت من وجود إمكانات يمكن استخدامها إذا قررت واشنطن المضي في "دوامة العقوبات". وأوضح لافروف، في تصريحاته مساء الأول من أمس، أن بلاده "لديها فرصة لاتخاذ إجراءات مؤلمة للأعمال التجارية الأميركية"، مستدركاً بالقول أن روسيا سوف تبقي هذا الخيار لاستخدامه حين الحاجة. وأكد بيان الخارجية لاحقاً أن نهج العقوبات "ليس خيارنا. نود تجنب المزيد من التصعيد مع الولايات المتحدة"، مشدداً على أن روسيا مستعدة لـ"حوار هادئ ومهني مع الجانب الأميركي لإيجاد سبل لتطبيع العلاقات الثنائية"، لكنه حمل الجانب الأميركي المسؤولية عن تردي العلاقات، نظراً لتناقض أفعال واشنطن مع أقوالها.
وبعد الكشف عن الرد الروسي، وصف متحدث باسم الخارجية الأميركية هذا الأمر بأنه "تصعيد مؤسف". وقال، حسب وكالة "رويترز"، إنه "ليس من مصلحتنا الدخول في حلقة من التصعيد، لكنّنا نحتفظ بحقّ الردّ على أيّ عمل انتقامي روسي ضدّ الولايات المتحدة".