قضت هيئة المحلفين في محكمة مدينة مينيابوليس الثلاثاء بأنّ الشرطي الأبيض داريك شوفين "مذنب" في مقتل المواطن الأسود جورج فلويد قبل حوالي سنة.
الحكم جاء بالإجماع وفي التهم القانونية الثلاث الموجهة ضده، والتي تقضي عقوباتها مجتمعة بالسجن مدة 75 سنة، فيما يبقى للمحكمة أن تحدّد بعد حوالي أسبوعين فترتها النهائية.
كان من المستبعد أن ينال الشرطي هذه العقوبة الصارمة. لكن في ضوء وقائع القضية كانت محاسبته متوقعة.
لقد اعتاد البوليس الأميركي الأبيض على قتل الأميركي الأسود بدون سبب موجب ومن غير أن يدفع الثمن. مساءلته لو حصلت تبقى في الحدود المسلكية المخففة وليس الجرمية. عبثه بحياة الآخر المختلف بلون بشرته جزء من الموروث العنصري عميق الجذور في أميركا. النظام العدلي المنحاز بتركيبته التي تعكس الثقافة السائدة، يحمل بعض رجال الشرطة على الاستفراد بالملونين والتعامل معهم بقسوة من زاوية اعتبارهم عموماً خارجين على القانون وخطراً على الأمن العام. وهذه ممارسة مزمنة تتكرر من غير انقطاع.
وفي كل مرة تقع حادثة من هذا النوع ترتفع أصوات الاحتجاج والمطالبات بالاقتصاص من الشرطي الأبيض مع الإلحاح على تعديل القوانين وإجراء الإصلاحات اللازمة في عمليات اختيار وتدريب وتوجيه أفراد الشرطة، لا سيما وأن الضحية في حالات كثيرة يكون غير مسلّح أو من اليافعين دون العشرين وبما لا يشكل أي خطر موجب للدفاع باستخدام القوة النارية.
ومثل هذه الحالات تكررت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. لكن الاعتراضات سرعان ما تتبخر لتعود حليمة إلى عادتها القديمة. تماماً كما يحصل في حوادث القتل العشوائي. لا الضغوطات نفعت ولا الكونغرس تحرّك لسن القوانين المطلوبة التي تكفل تغيير النهج المتبع في تعاطي البوليس مع السود. الأمر الذي أدى إلى تراكمات بدأت تتفجر في الشارع كما حصل في حركة التظاهرات التي اجتاحت معظم المدن في أعقاب مقتل فلويد، والتي جرى توظيفها في تحريك الشارع المضاد الذي حمله خطاب الرئيس السابق دونالد ترامب إلى رفع درجة التحدي الذي انتهى باجتياح الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي.
على هذه الخلفية كان هناك تخوف من صدور حكم بتبرئة الشرطي شوفين أو بإدانة مخففة، تليه ردة فعل صاخبة قد تتطور إلى مواجهة في الشارع، في ظل وضع سياسي متوتر بما فيه الكفاية. وعزز المخاوف أن الجهات الأمنية سارعت إلى إنزال وحدات من قوات الحرس الوطني إلى كثير من المدن وواشنطن، تحسباً لمثل هذا الاحتمال. وهي خطوة أعادت التذكير بواقعة الهجوم على الكونغرس، خصوصاً أنّ الدوائر الأمنية ما زالت تحذر من عودة العنف و "الإرهاب المحلي" إلى الساحة.
لكن الأمور انتهت بالصورة التي كان يجب أن تنتهي إليها. فوقائع الجريمة كان من المتعذر دحضها. مشاهدة الفيديو كانت كافية لإثبات أن الجريمة وقعت عن عمد وتصميم وأن ركوع الشرطي على رقبة الضحية لمدة حوالي تسع دقائق هو بحد ذاته دليل على توفر شرط النية بالقتل والذي يوجبه القانون. محاسبة الفاعل العنصري كان لا فكاك منها. معها انتقل الوضع من حالة غليان إلى شيء من السكينة.
الأمور انتهت بالصورة التي كان يجب أن تنتهي إليها. فوقائع الجريمة كان من المتعذر دحضها
بهذا المعيار كان هذا اليوم تاريخياً في أميركا. نجح النظام العدلي في هذا الامتحان، خلافاً للمألوف. معه نال رجل الأمن الأبيض عقابه اللازم على قتل الأسود. لكن هذا النجاح ليس بالضرورة نقطة تحوّل. المحاسبة في هذه الحالة لا تعني حُكماً حلول العدالة والمساواة مكان الانحياز العنصري. فهي حصلت بالاضطرار ومن غير إصلاحات ملزمة، فضلاً عن تغيير الثقافة السائدة. والحال أنه بالترافق مع صدور هذا الحكم سقطت فتاة سوداء عمرها 15 سنة برصاص الشرطة في مدينة سينسيناتي بولاية أوهايو. وكأن الأضواء التي تسلطت على قضية فلويد بقيت من دون تأثير على هذا المنحى المفضوح.
التمييز ضد السود والسلاح والقتل العشوائي ثلاثي سرطاني في أميركا.