"الحشد العشائري"... انتهاكات واستقواء في المدن العراقية المحررة

29 ابريل 2023
فصائل "الحشد العشائري" تنتمي إلى الحشد الشعبي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تُسجل المدن العراقية، الشمالية والغربية، على نحو متواصل، انتهاكات يتورط بها مسلحون من "الحشد العشائري"، وهم المقاتلون المحليون من أبناء تلك المناطق ونسيجها المذهبي والاجتماعي.

وتتجاوز الانتهاكات مسألة الهيمنة على مقدرات تلك المدن، من عقود إعمار وتأهيل، إلى السيطرة على المناصب المحلية فيها، مثل القائممقام ومدير الناحية ومسؤول البلدية، بالإضافة إلى عمليات استقواء تطاول أبناء تلك المناطق، وهي بالعادة تكون مبنية إما على أسس عائلية وعشائرية، أو بدوافع التنافس والحصول على المكاسب المالية.

ويتمتع الحشد العشائري المسلح بعلاقة متينة بفصائل "الحشد الشعبي"، الموجودة أيضاً في المناطق نفسها، ويرتبط معها بعلاقات أمنية وسياسية واجتماعية. وسجلت أخيراً لقاءات لزعماء الحشد العشائري بقادة "الحشد الشعبي"، بمناسبة عيد الفطر (21 إبريل/ نيسان الحالي)، ناهيك عن كون ذلك الحشد العشائري مسجلاً أصلاً في هيئة الحشد الشعبي، التي يترأسها فالح الفياض، وتتسلم مرتبات شهرية، بصفة أفرادها مقاتلين مسجلين في "الحشد الشعبي".

لم تصدر عن السلطات في بغداد أي قرارات تخص انتهاكات وتجاوزات "الحشد العشائري" بحق الأهالي

وتوجد فصائل "الحشد العشائري" في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى على وجه التحديد. وينتمي أفرادها، وهم من العراقيين السنة، لعشائر تلك المناطق نفسها.

ارتكاب "الحشد العشائري" جرائم قتل

وسجلت مدن حديثة والقائم، غرب الأنبار، والبعاج، جنوب الموصل، خلال الشهر الحالي، ثلاث جرائم قتل مواطنين على يد أفراد ينتمون لـ"الحشد العشائري"، جراء مشاجرات تطورت لاستعمال السلاح، كان آخرها ليلة الثلاثاء الماضي في مدينة حديثة، حيث قتل بائع مثلجات على يد عنصر ينتمي للحشد العشائري بسبب مشادة بين عناصره والبائع.

وسبقتها جريمة قتل شاب في القائم بمحافظة الأنبار على الحدود مع سورية على يد عنصرين في "الحشد العشائري". أما في البعاج، جنوبي الموصل، التي ينشط فيها فصيل "ضياغم شمر"، التابع لعشيرة شمر، فقد قتل رجل على يد واحد من أفراد "الحشد العشائري"، بسبب خلاف يمتد لسنوات عديدة.

ولا تنتهي شكاوى مواطنين من مدن الموصل والبعاج والقيارة وربيعة والشرقاط وتكريت والرمادي وهيت وحديثة والقائم من ممارسات مجموعات من الحشد العشائري، التي تنتمي لعشائر الجبور وشمر وعامر والبو فهد والبو ذياب والجغايفة والعبيد وقبائل أخرى.

في المقابل، لم تصدر عن السلطات في بغداد أي قرارات تخص الانتهاكات والتجاوزات بحق الأهالي، لا سيما أن بعض هذه الممارسات بلغت حد التدخل بين الزوج وزوجته، بحسب ناشطين. وقال أحد النشطاء، لـ"العربي الجديد"، إن "الإبقاء على القوات النظامية فقط، لم يعد مطلباً بقدر ما هو شرط لديمومة حياة مستقرة، بمدن ذاقت المر من قبل على يد داعش".

وأضاف الناشط، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "فصائل الحشد الشعبي والعشائري يشتركون في كونهم يرون أنفسهم أعلى من القانون. يمنون على الناس بعبارة حررناكم من داعش، في كل صغيرة وكبيرة، وقادة الجيش والشرطة لا يريدون الدخول بمواجهة مع أي منهم".

مطالبات بتدخل الحكومة

عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي قال إن "جميع النواب، من المدن المحررة، تصلهم تقارير وشهادات وإفادات وطلبات بالتدخل الحكومي من أجل رفع هيمنة الحشد العشائري وغيره عن المدن المحررة".

وأضاف: "سبق أن وثقت منظمات دولية ومحلية قيام وحدات وجماعات وألوية من الحشد بارتكاب جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك ارتكاب عمليات اختطاف، وإعدامات خارج نطاق القضاء، وغير ذلك من عمليات القتل غير المشروعة والتعذيب وهدم المنازل، ناهيك عن الاستيلاء على البساتين والمزارع العائدة للعراقيين من السكان الأصليين في تلك المناطق".

أيوب الدليمي: الانتهاكات وحالات الانتقام الشخصي والثأري في المدن المحررة لا تزال مستمرة

ولفت الدهلكي في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "هذه الانتهاكات تراجعت معدلاتها خلال العامين الماضيين بسبب الفضح الإعلامي الذي مارسه ناشطون وسياسيون ونواب من تلك المناطق، لكن الانتهاكات والتجاوزات الثأرية والعشائرية من قبل الحشد لا تزال مستمرة بمعدل أسبوعي".

لا تطبيق للقانون على المتجاوزين

وأكد أنّ "الحكومات العراقية التي كانت موجودة خلال احتلال داعش للمدن العراقية الشمالية والغربية وبعده، لم تتخذ الإجراءات وتطبق القانون على المتجاوزين، في تماهٍ واضح مع هذه الجماعات".

من جهته، أشار الناشط السياسي من محافظة الأنبار أيوب الدليمي إلى أن "الانتهاكات وحالات الانتقام الشخصي والثأري في المدن المحررة لا تزال مستمرة، خصوصاً في محافظتي الأنبار ونينوى، وتحديداً التي تسيطر فيها جماعات الحشد الشعبي والحشد العشائري، بحجة منع المخاطر الإرهابية".

وأضاف أن "التدخل والتجاوز من قبل عناصر من الحشد العشائري وصل إلى حد أنه في بعض الحالات، حين يحصل خلاف بين زوج وزوجته، يلجأ أحد الطرفين إلى الحشد العشائري لاسترداد حقه، وكأن الدولة والمحاكم غائبة تماماً".

وبيَّن الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حالات اعتداء بالضرب والسب والشتم، ناهيك عن الإذلال في نقاط التفتيش والتعذيب النفسي، وأشكال متعددة من المعاملة السيئة".

وأوضح أنه "خلال الفترة التي أعقبت تحرير العراق بالكامل من سيطرة تنظيم داعش، قامت هذه الحشود (العشائري والشعبي) بالانتقام من الأهالي الذين لديهم صلات بالأفراد الذين انتموا أو قاتلوا لصالح التنظيم. ووقعت حالات ظلم وهدم للمنازل بشكل كبير. وكان ذلك بعلم الدولة، من دون أن تتم معاقبة المسيئين، لذلك لا بد من إبعاد هذه الحشود عن المدن، وجعلها تحمي حدود المدن فقط".

نفي قيام "الحشد العشائري" بانتهاكات

لكن القيادي في الحشد العشائري بمحافظة نينوى سعد الشمري نفى وجود أي انتهاكات ضد أهالي مدينة الموصل وأطرافها، مبيناً في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "للحشد العشائري مهام كما هو الحال مع ألوية الحشد الشعبي والقوات الأمنية، وهذه المهام ليست بوادر شخصية كما يدعي البعض، بل إنها من القيادة العسكرية ضد المتجاوزين أو المتهمين بالإرهاب".

وأشار إلى أن "الحشد العشائري ملتزم بأخلاقيات العشائر العراقية الأصيلة، وأن ما تتحدث عنه الصحافة من انتهاكات وتجاوزات على القانون ليس لها أي صلة بالواقع، ومن هناك دليل يدينه فإننا والقانون سنقوم بمحاسبته".

بدوره، أكد الباحث في الشأن العراقي ماهر جوده أن "الانتهاكات التي يمارسها الحشد  العشائري أو الجماعات والفصائل المسلحة أو بعض الألوية التابعة للحشد الشعبي، بدأت منذ الأيام الأولى للمعارك ضد تنظيم داعش، وبعضها من دون قصد، أي أنه حصل بسبب الأخطاء الأمنية وسوء تنظيم هذه القوات والجهل في التعامل مع المواطنين. لكن انتهاكات أخرى حصلت من جرّاء مشاعر الغضب والانتقام الشخصي والعشائري والثأري الذي تسبب به داعش".

وأضاف جوده، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الانتهاكات واحدة من أسباب المطالب الكثيرة والمستمرة من قبل قوى سياسية واجتماعية لإخراج هذه الحشود إلى حدود المدن المحررة، ولا سيما أن هناك حالات استيلاء على الأراضي والمحال التجارية والدخول على خطوط العمل الاقتصادي والزراعي ومنافسة الأهالي بالقوة".

واعتبر أن "أهم فصل من فصول تثبيت الأمن والاستقرار والرخاء، هو إبعاد السلاح عن الأهالي، وعدم إقحام القوى الأمنية والحشود في الشؤون الاجتماعية والشخصية".

المساهمون