الحرب على أوكرانيا... افتراق سعودي أميركي

17 ابريل 2022
تبنت الرياض سياسات أكثر انفتاحاً على موسكو (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -

اختلفت درجات الموقف العربي من الغزو الروسي لأوكرانيا. ويمكن تحديد خمسة مستويات رسمية متباينة، بين التأييد والرفض والحياد والنأي بالنفس والإدانة عبر الأمم المتحدة.

وفي وقت أيد النظام السوري حرب روسيا على أوكرانيا، رفضتها الكويت وليبيا ولبنان، بينما نأت بنفسها فلسطين والجزائر والعراق، واكتفت جيبوتي والصومال وجزر القمر واليمن بالإدانة عبر القرار الأممي الذي يأسف لـ"العدوان الروسي".

أما الغالبية العظمى فقد لزمت الحياد السلبي، رغم أنه صدر عن بعضها دعوات ومبادرات لوقف الحرب والتضامن مع الشعب الأوكراني، وأبرزها مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات، وسلطنة عمان، والمغرب، وتونس.


نقلت الحرب على أوكرانيا خلافات واشنطن مع الرياض وأبوظبي إلى العلن

في المقابل، ميزت قطر نفسها، من خلال منح منصة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمخاطبة منتدى الدوحة، الذي عقد في 26 الشهر الماضي، وتحدث خلاله أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، معتبراً أن "عسكرة الحلول" تنامت في الحرب على أوكرانيا لتصل إلى واحدة من أصعب ذرواتها في العقود الأربعة الأخيرة. وأكد تضامن بلاده مع الملايين من الأبرياء واللاجئين من ضحايا هذه الحرب غير العادلة.

وكانت بداية تسجيل المواقف من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس/آذار الماضي، عندما اعتمدت بالأغلبية (141 من 193 دولة) قراراً "يأسف للعدوان" الروسي على أوكرانيا، ويدعو موسكو لسحب قواتها فوراً. وعارضته كل من روسيا، وسورية، وإريتريا، وبيلاروسيا، وكوريا الشمالية، فيما وافقت عليه من الدول العربية مصر، والسعودية، والإمارات، والأردن، والكويت، وقطر، والبحرين، واليمن، وليبيا، وتونس، وجزر القمر، وموريتانيا، والصومال، وسلطنة عمان، ولبنان.

هناك نظام عربي واحد فقط موال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو نظام بشار الأسد في سورية، بينما تعطي بقية الدول العربية الأولوية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهي ليست في وارد التحول إلى صف روسيا.

دول عربية لا تريد عزل روسيا

لكن هذا الأمر لا يعني أن الدول العربية معادية لروسيا، فهي ترى فيها قوة عالمية كبيرة ذات صلة بالمنطقة. وفي الأيام الأولى لغزو أوكرانيا، كان من الواضح أن الدول العربية تريد إبقاء خياراتها مفتوحة قدر الإمكان، وليس عزل موسكو إذا لم تكن بحاجة إلى ذلك، وهذا لا يجعلها مؤيدة لروسيا فعلاً.

هناك أسباب عربية مشتركة وأخرى ذاتية، أو كلتاهما معاً، لكل دولة لم تتخذ موقفاً صريحاً ضد روسيا. وتلتقي الغالبية عند الأسباب المشتركة، وهي اقتصادية في المقام الأول، وهذا ينطبق بوضوح على مصر التي تستورد النسبة الأكبر من استهلاكها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وهي تفترق بسبب خلافات ثنائية مع الولايات المتحدة، كما هو حال السعودية والإمارات.

بالنسبة لمن فضّل عدم الانخراط فإنه لا يريد كسب عداوة روسيا، ويمكنه إقناع الولايات المتحدة بذلك، مثل المغرب، الذي يعتبر نفسه بعيداً عن النزاع. ورغم أنه متعاطف مع أوكرانيا ويؤيد الموقف الأميركي وحلف شمال الأطلسي، فإنه يرى أن إعلان ذلك لا يغير كثيراً من مجريات الحرب.

وعلى عكس هذه المقاربة يأتي الموقف الجزائري، الذي التزم النأي بالنفس، لأن الجزائر غاضبة من الولايات المتحدة، بسبب موقفها من قضية الصحراء، الذي يميل إلى جانب المغرب، كما أنها على علاقة جيدة بروسيا وأوكرانيا.

في المقابل، فإن العراق، الذي تربطه علاقات متينة مع أميركا، لم يملك الجرأة الكافية لإعلان موقف ضد الغزو كي لا يغضب إيران التي تلعب على الحبلين.

ولم يكن أحد يتوقع أن طهران ستقف ضد الغزو، وهي تمتلك قدراً كبيراً من المصالح المتشابكة مع موسكو. وما منعها من تحديد موقف صريح هو عدم إغضاب واشنطن في ظرف خاص، يتم فيه وضع اللمسات الأخيرة على بروتوكول إحياء الاتفاق النووي. ومن شأن تأييد طهران لموسكو أن يدفع واشنطن لتغيير الاتجاه كلياً، ولذلك تحاول إيران أن تُغلب منطق المصالح على العلاقات المتميزة مع روسيا، وبذلك تكون شريكة في الربح فقط.

خلاف واشنطن والرياض وأبوظبي إلى العلن

وجاءت هذه الحرب كي تنقل إلى العلن خلافات واشنطن مع الرياض وأبوظبي. وتجلى ذلك عندما طلبت منهما زيادة إنتاج النفط، من أجل امتصاص صدمة فرض عقوبات على النفط الروسي، التي أدت لارتفاع الأسعار حتى 140 دولاراً للبرميل الواحد. لكنهما رفضتا التجاوب مع الطلب الأميركي بحجة الالتزام باتفاق "أوبك +" مع روسيا.

ومن أجل تغيير موقفهما، زار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الرياض وأبوظبي في 16 الشهر الماضي، لكنه لم يحقق نتائج ملموسة، إذ بقي الموقف من رفع مستوى إنتاج النفط على حاله.

وأثار عدم إصدار البلدين مواقف تدين الغزو الروسي، استياء الولايات المتحدة، التي قررت أن تسحب من احتياطها النفطي الاستراتيجي، بمعدل مليون برميل في اليوم لمدة ستة أشهر، وهو ما يعادل إنتاج السعودية من النفط في أقل من 20 يوماً.

ويستحق الموقف السعودي قراءة خاصة لأسباب كثيرة، منها طبيعة العلاقات بين الرياض وواشنطن التي تعود إلى زمن طويل. وتأثرت هذه العلاقات سلباً خلال ولايتي الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وعرفت انتعاشة خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ثم عادت لتدخل مساراً جديداً من التراجع مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض بداية العام 2021.

رفض بايدن الحديث مع بن سلمان

ويمكن تلخيص سبب الغضب من طرف الرياض بالموقف الذي أبداه بايدن من رفض الحديث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي وصفه خلال حملته الانتخابية بـ"المنبوذ"، ورفض أن تكون هناك قناة مباشرة بينهما. ولذا لم يحصل أي تواصل بينهما، على عكس ما كان عليه الموقف خلال إدارة ترامب، حيث كان صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر مهندس التقارب والرسول بين ترامب وبن سلمان.

رفضت السعودية والإمارات طلباً أميركياً بزيادة إنتاج النفط لامتصاص صدمة فرض عقوبات على النفط الروسي

وبررت أوساط الإدارة الأميركية عدم فتح خط مباشر بين بايدن وبن سلمان بأن سببه بروتوكولي ليس إلا، والرئيس الأميركي يمكن أن يتباحث مع نظيره الملك سلمان، لا مع ولي عهده.

لكن هذا الأمر تعدّه السعودية موقفاً شخصياً من بايدن تجاه بن سلمان، الذي يستعد لاعتلاء العرش، ويقلقه ألا تكون الأجواء صافية بين واشنطن والرياض التي ليست في وارد إدارة الظهر لأميركا والاتجاه نحو الصين كقوة صاعدة. وكان بن سلمان تحدث عن ذلك، أخيراً، مشيراً إلى أن الاستثمارات السعودية في أميركا تصل إلى 800 مليار دولار وفي الصين إلى 100 مليار.

وهناك مقالات كثيرة في الصحافة الأميركية تعزو موقف واشنطن السلبي من ولي العهد السعودي إلى عملية اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، والتي تؤكد تقارير الأجهزة الاستخباراتية الأميركية أن الأوامر صدرت من بن سلمان. ولذلك لا تريد إدارة بايدن أن تمنحه نفس التأييد الذي حصل عليه من إدارة ترامب، حتى لو طوت تركيا صفحة خاشقجي.

انفتاح سعودي على روسيا

ومن بين الخبراء ثمة من يرى أن علاقات بن سلمان مع بوتين، قادت الرياض إلى تبني سياسات أكثر انفتاحاً على موسكو في مجالات اقتصادية وعسكرية. وفي الوقت الذي استمرت فيه الولايات المتحدة بعدم القيام باتصالات مباشرة مع السعودية، تلقى ولي العهد السعودي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الروسي في 3 مارس الماضي، لبحث الأزمة في أوكرانيا وأسواق النفط العالمية.

كما سجل اتصال هاتفي جديد أمس السبت بين بوتين وبن سلمان، جاء بحسب الكرملين بمبادرة من الجانب السعودي وناقش عددا من الملفات الثنائية والدولية الملحة، منها النزاعان في اليمن وأوكرانيا وسط إشادة الطرفين بالعمل المشترك الجاري ضمن إطار تحالف "أوبك+" .

والنقطة الثانية التي دفعت الموقف إلى التأزم هي تغير الموقف الأميركي من الحوثيين. فقد رفعت إدارة بايدن، عند وصولها للبيت الأبيض الحوثيين من لائحة الإرهاب، وسحبت منظومات "باتريوت" من السعودية، وأوقفت تزويدها بالذخائر النوعية والمعلومات الاستخباراتية وفق اتفاقات مع الإدارة السابقة، ما أدى إلى اهتزاز الثقة بالحليف الأميركي.

تغير الموقف الأميركي من الحوثيين أدى إلى تأزم العلاقة بين الرياض وواشنطن

ولتأكيد ذلك بدأت الدراسات في أميركا تتحدث عن تراجع أهمية دول الخليج في الاستراتيجية الأميركية، التي تعطي الأولوية لمواجهة روسيا والصين.

والنقطة الثالثة تتعلق بإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وهناك خلافات عدة في هذا الصدد، منها استبعاد السعودية من المفاوضات، بعد أن كانت أميركا تعهدت بذلك حين عقدت العزم على إحياء الاتفاق، وعدم فرض قيود على برنامج إيران للصواريخ البالستية، وإمكانية رفع العقوبات عن "الحرس الثوري" من عدمه.

انعكاس الخلاف على الوضع الإقليمي

ومن الأسباب التي تفرض التوقف أمامها هي الآثار المترتبة على موقف الرياض مستقبلاً، وانعكاساته على الوضع الإقليمي، خاصة علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة، التي بدأت تحس بأن السعودية والإمارات توجهان رسائل تحذير قوية بأن على واشنطن أن تعيد حساباتها.

وبالنسبة لواشنطن فإن الغزو الروسي لأوكرانيا ليس حالة يعمل فيها "الحياد"، على الأقل ليس إذا أرادت السعودية مواصلة نفس النوع من العلاقات الوثيقة مع أميركا.

وتدرك السعودية أنها إذا أرادت الاستمرار في مشاريعها التحديثية العملاقة، من حيث التطور التقني والتكنولوجيا والاستثمار، فليس هناك بديل في الوقت الحالي عن الولايات المتحدة وأوروبا، فلا روسيا ولا الصين قادرتان على النهوض بمشاريع تطوير كبيرة تطمح لها السعودية.

المساهمون