الجزائر: هل انتهى الحراك؟

30 يونيو 2021
كان الحراك فرصة استثنائية في التاريخ السياسي للجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

كثير من الجزائريين صاروا مقتنعين تماماً أن فرصة التغيير السياسي ضاعت، ليس فقط بسبب نجاح تكتيكات السلطة في إعادة إنتاج نفس توازنات الحكم، وعودة الأحزاب والكيانات الموالية التي كانت خلف النكبة السياسية والاقتصادية التي انتهت إليها البلاد، ولكن أيضاً بسبب عوامل كثيرة أخرى خارج نسق السلطة، أدت دوراً في الإخفاق، وعوامل ذاتية ترتبط بمكونات الحراك نفسها وأهلية المجتمع السياسي للتغيير، وموضوعية تتصل بسلبية النخب السياسية والتشرد السياسي للشارع.

لا خلاف في أن الحراك الشعبي كان فرصة استثنائية ومشهداً غير مسبوق في التاريخ السياسي للجزائر، وأكبر لحظة صادقة عبّرت عن تطلّع قياسي للجزائريين نحو الديمقراطية، وفي لحظة ما كان الحراك يمثل تهديداً وجودياً لنظام الحكم، بعدما اقترب من طرح المسائل الوجودية للسلطة. لكن السلطة نجحت في إعطاب حركيته الشعبية، بفعل طغيان نوازع الاستبداد لدى السلطة حفاظاً على وجودها ومصالح مجموعاتها النافذة من جهة، ومن جهة ثانية لغياب مشروع تغيير متوافق عليه، نتيجة الاستقطاب الحاد الذي حدث حول مراجعة القواعد المؤسِسة للدولة.

الحراك الشعبي ليس فكرة سياسية وهذا واضح، هو إطار عفوي وحركة تغيير شعبية، والحراك في شكله الاحتجاجي وتمظهراته المختلفة التي عُرف بها منذ فبراير/شباط 2019، وصل إلى مداه الأقصى ولم يعد قادراً لا على الاستمرار بفعل القمع العنيف الذي تمارسه السلطة، والتفكيك المستمر لمحركاته من جهة، ولا على إبداع أدوات ضغط لتحقيق منجز، من جهة أخرى. وبالمعطيات السياسية الحالية التي أفرزتها الانتخابات النيابية، يصبح الحراك الشعبي محل تجاوز، ليس فقط بانخراط جزء منه في المسار الانتخابي كبديل وحيد ظاهر، أو لأن الجزء المتبقي (بحكم التزامات شعبية) ستستوعبه الانتخابات المحلية المقبلة، ولكن أيضاً لأن الاستحقاقات الاجتماعية والمشاكل المعيشية باتت طاغية وصرفت قطاعاً واسعاً من الجزائريين عن المطالب السياسية.

بهذه الصورة ينتقل الحراك من إطار لحركة تغيير، إلى فعل مقاومة سلمية مستمرة تحت عناوين وأشكال مختلفة، تحافظ على مطلبية التغيير والديمقراطية إلى أن تنضج عوامل تعزيز هذا المطلب بأدوات التحقيق الممكنة. انتقال الحراك إلى هذا الوضع ليس هزيمة لمسار أو خسارة، ولن يكون انتصاراً للسلطة، لأن السلطة التي تنتصر على تطلعات شعبها للديمقراطية وتتحايل على مطالبه للتغيير، هي سلطة منتهية تاريخياً بالضرورة، حتى ولو مارست أقصى أنواع القمع، فأوغستو بينوشيه في تشيلي وزين العابدين بن علي في تونس وخورخي فيديلا في الأرجنتين انتهوا أيضاً.

بيد أن فلسفة التغيير لا تنتهي لدى قطاع واسع من الطبقات الجزائرية المتوسطة، والمطلب الديمقراطي لا يُحوّل ولا يزول إطلاقاً من لائحة مطالب الجزائريين شعباً ونخباً وأحزاباً مهما طال الزمن السياسي، وكل الانتفاضات الشعبية في الجزائر على مر عقود تؤكد ذلك. ولا ينبغي نسيان أن الحراك أنجز للجزائريين معطيين أساسيين سيجعلان السلطة في حالة قلق دائم ومزمن، إنهاء قطيعة الجزائري مع الشارع بحيث يمكن توقّع عودة الجزائريين إلى الشارع في أي فرصة وتحت أي ظرف ضاغط، وتركيز السلمية كقاعدة مركزية في الاحتجاج المطلبي، وهذا يشكّل في حد ذاته تأميناً لمطلبي التغيير والديمقراطية.