أعلنت مجموعة من النشطاء الجزائريين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة (محظورة منذ مارس/ آذار 1992)، وأعضاء في تنسيقية الدفاع عن معتقلي التسعينيات (معتقلين سياسيين حوكموا على ذمة قضايا أمنية)، وضحايا مأساة التسعينيات، أمس الأربعاء، دعمهم المبادرة السياسية التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون لـ"لم الشمل"، قبل شهر.
ووقع 22 ناشطاً جزائرياً بياناً يدعم الخطوة السياسية للرئيس تبون، بهدف تعزيز المصالحة الوطنية الداخلية "في ظل مناخ دولي وإقليمي متوتر".
وجاء في البيان: "لا يمكننا إنكار الجهود المتواصلة لرئيس الجمهورية في بناء جسور الثقة في المجتمع والقرارات العملية في التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد المالي والجريمة المنظمة". واستطرد: "لا ينبغي التشكيك في كل المبادرات الصادرة من السلطة مهما كانت أهميتها، ونسجل بكل اهتمام التصريحات الأخيرة لرئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة، التي تدعو جميع شرائح المجتمع للحفاظ على الوحدة الوطنية، ونرى أن هذه المبادرات تعكس الإرادة السياسية لبناء عهد جديد للدولة الجزائرية".
وظهرت مبادرة "لم الشمل" بشكل غير مباشر في بداية مايو/أيار الماضي، ثاني أيام عيد الفطر، من خلال تعليق نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تتحدث عن تبون باعتباره "رئيساً جامعاً للشمل"، مشيرة إلى أن الجزائر "بحاجة إلى جميع أبنائها للاحتفال معاً بالذكرى الستين للاستقلال" في الخامس من يوليو/تموز.
وتحدّث تبون عن مبادرة "لمّ الشمل" بشكل رسمي للمرة الأولى من تركيا التي زارها بداية الأسبوع الماضي، واعتبر هذه المبادرة ضرورية من أجل "تكوين جبهة داخلية متماسكة".
كما أعلن أمام الجزائريين المقيمين في تركيا عن انعقاد "لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع المقبلة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية.
وبدأ تبون بعد ذلك سلسلة لقاءات سياسية شملت حتى الآن سبعة من قادة الأحزاب وشخصية وطنية وأمين عام منظمة نقابية ورئيس هيئة استشارية للمجتمع المدني. وقبل أسبوعين، أعلن أنه يخطط لعقد اجتماع موسع مع قادة الأحزاب والشخصيات الوطنية.
ولقيت مبادرة تبون دعم الجيش من خلال رئيس الأركان الفريق سعيد شنقريحة، الذي دعا إلى الاستجابة إلى "اليد الممدودة" باعتبارها "تنمّ بحق عن الإرادة السياسية الصادقة للسلطات العليا للبلاد، من أجل لمّ الشمل واستجماع القوى الوطنية".
مبادرة "لم الشمل" تتضمن حواراً مع الأحزاب السياسية وتدابير تسمح بعودة الناشطين المعارضين من الخارج والإفراج عن سجناء الرأي، قد يكون بينهم معتقلو التسعينيات.
وانطلاقاً مما تتضمنه المبادرة، عرض هؤلاء الناشطون إمكانية المساهمة في إنجاح "لم الشمل"، قائلين: "إننا على استعداد للتواصل مع الجميع في الداخل والخارج لتفصيل هذا البيان، ووضع جميع الآليات لتحقيق الوحدة الوطنية، ومناقشة أهم القضايا العالقة، وإيجاد الحلول المناسبة لها".
وأضاف البيان "نعلن بكل وضوح إصرارنا على التمسك بمنهج الاعتدال واحترام المواقف المختلفة لمكونات المجتمع الجزائري، وننبذ في الوقت ذاته المواقف المتطرفة والاتهامات الجزافية للأشخاص والهيئات، ونعتبر أن الدولة الجزائرية ملكاً للجميع".
واعتبر النشطاء أن إعلان موقفهم من المبادرة السياسية "مسؤولية يفرضها الحرص على إنهاء ملفات عالقة".
وأكدوا في البيان أن "الأحداث المريرة التي مرت بها الجزائر في العقود القريبة الماضية تجعلنا نقف أمام المسؤولية التاريخية لبلدنا لنوضح موقفنا من الأحداث الجارية والإجراءات العملية التي ينبغي القيام بها".
ولفت الناشطون إلى "أننا على ثقة كاملة أن الشعب الجزائري سيتفهم الأسباب الحقيقية لمبادرتنا والدوافع الملحة التي تجعلنا نحرص على إنهاء جميع التوترات في بلدنا، وتحقيق الاستقرار الوطني والسلم المدني ومعالجة جميع القضايا العالقة لمخلفات المأساة الوطنية".
ويقصد البيان بالقضايا العالقة من مخلفات "المأساة الوطنية" ملفين أساسيين، يرتبط الأول بملف ما يعرف بمعتقلي التسعينيات، والذين تقدرهم تنسيقية عائلات المساجين في حدود 160 سجيناً، بينهم مدنيون وعسكريون، وهم في الغالب مدانون بأحكام قاسية تصل حتى الإعدام والمؤبّد، حوكموا من قبل محاكم خاصة (غير دستورية)، ألغيت هذه المحاكم لاحقاً، لكن أحكامها بقيت مطبقة، ولم يستفد هؤلاء المساجين من تدابير قانون السلم والمصالحة الوطنية عام 2005.
ويقصد بالسجناء السياسيين أو معتقلي التسعينيات الأشخاص المتهمين بالتورّط في الأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد خلال العشرية السوداء، بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1992.
أما الملف الثاني، فهو ملف الناشطين وكوادر جبهة الإنقاذ المحظورة الموجودين في المنفى الاضطراري في الخارج منذ التسعينيات، على غرار نصر الدين هدام وقمر الدين خربان وغيرهم، والذين تجرى الاتصالات لتمكينهم من العودة إلى البلاد.
وقال مصطفى غزال، أحد الموقعين على البيان، وهو ناشط بارز في تنسيقية معتقلي التسعينيات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "كل مبادرة تسهم في حل مشكلات عالقة منذ أزمة التسعينيات وتساعد على تجاوز بعض المحن وتخفف من المعاناة، وتسهم في توحيد الجزائريين، فإننا ندعمها".
وأوضح: "نحن نتطلع إلى أن تكون مبادرة لم الشمل المعلن عنها خطوة في هذا السياق" .