الجزائر تعلن تخصيص مليار دولار للتنمية في أفريقيا

20 فبراير 2023
بدأت الجزائر منذ عام 2018 تطوير خطة لإعادة الارتباط بعمق أفريقيا (فاضل عبدالرحيم/الأناضول)
+ الخط -

بإعلان الجزائر تخصيص مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، تكون الجزائر قد وضعت نفسها ضمن "الدول المانحة"، لكن ذلك يقود إلى الحديث عن جملة الغايات السياسية والاقتصادية التي تستهدف الجزائر تحقيقها، خصوصاً في ظل صراع إقليمي على التموضع والنفوذ في أفريقيا، ومتغيرات كبيرة تشهدها القارة السمراء.

ومنذ عام 2018، بدأت الجزائر تطوير خطة سياسية واقتصادية لإعادة الارتباط بالعمق الأفريقي، وإعادة فتح وتطوير طرق التجارة وخطوط التنقل بين الجزائر والساحل وعمق القارة السمراء، حيث تم تعزيز مشروع الطريق الصحراوي الجزائر - لاغوس في نيجيريا، وإنشاء منافذ برية وتجارية مع موريتانيا، وتولت الجزائر إنجاز الطريق بين تندوف جنوبي البلاد إلى مدينة زويرات في العمق الموريتاني، وأطلقت لاحقاً خطوط نقل بحري إلى موانئ كلّ من موريتانيا والسنغال. وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون قبل عام عن خطة لمد خطوط السكك الحديدية إلى أقصى جنوب الجزائر، ومنه إلى كلّ من النيجر ومالي.

على مستوى ثانٍ، شجعت السلطات الجزائرية الجمعيات الخيرية والإغاثية على العمل والتمدد في مناطق العمق الأفريقي في بوركينا فاسو، وتشاد، وبنين، وتنزانيا، كما حثت الفرق الصوفية التي لها امتدادات في كثير من الدول الأفريقية، على غرار الطريقة التيجانية التي لها امتداد بالغ في السنغال ونيجيريا، على تفعيل حضورها.

وعززت الجزائر في السياق نفسه حضورها السياسي في الدول الأفريقية، وأعادت افتتاح سفارات لها كانت مغلقة في دول على غرار غينيا، في ما وصفه الرئيس تبون بـ"الخطأ الذي يجب تصحيحه".

وفي السياق نفسه، يندرج قرار تبون، تخصيص مليار دولار أميركي لفائدة مشاريع التنمية في أفريقيا، حيث أعلن رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمان، أمس الأحد، خلال قمة الاتحاد الأفريقي، أن "الجزائر قررت ضخ مبلغ مليار دولار أميركي لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، لا سيما منها تلك التي تكتسي طابعاً اندماجياً، أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة"، لافتاً إلى أن "الوكالة ستباشر إجراءات تنفيذ هذه المبادرة الاستراتيجية، بالتنسيق مع الدول الأفريقية الراغبة في الاستفادة منها".

وثمة ما يربط بين القرار الجديد، وبين تجهيز الجزائر من عامين، وكالة خاصة للتعاون الدولي، كإطار حكومي يتولى إدارة مشاريع التمويل والمساعدات الموجهة. وإذا كانت الوكالة قد نفذت مشاريع محدودة منذ إنشائها في إبريل/نيسان 2020، في مالي والنيجر وموريتانيا، بسبب ظروف أزمة كورونا، فإن السلطات الجزائرية، تعتبر أن الظروف الراهنة تبدو مواتية لإعادة تفعيل هذه الوكالة، واستخدامها بالصورة المطلوبة للنفاذ إلى العمق الأفريقي عبر التمويلات والمشاريع التنموية الصغيرة، خصوصاً في قطاعات الصحة، والتعليم، والنقل، والمياه، وغيرها.

ففي 20 إبريل، أُعلن رسمياً عن إطلاق الوكالة التي تتولى تنسيق مجالات التعاون مع الدول والمجموعات الدولية، بهدف إعادة رسملة علاقاتها. وبحسب المرسوم الرئاسي المؤسس لهذه الوكالة الجديدة، فإنها "ستضطلع بوضع وتنفيذ السياسة الجزائرية للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وكذلك التعاون الثقافي والديني والتربوي والعلمي مع الدول الصديقة والمجموعات التي يمكن أن تقيم تعاوناً معها في مجالات متعددة، كما تعمل الوكالة على هندسة التدابير التي تسمح بتطوير علاقات التعاون مع الهيئات الأجنبية المماثلة، وإنجاز دراسات اليقظة الاستراتيجية والاستشراف في هذه المجالات".

وعُهد إلى العقيد السابق في جهاز المخابرات شفيق مصباح، برئاسة الوكالة، ثم أحيلت رئاستها إلى الدبلوماسي بوجمعة ديلمي.

أمّا بالنسبة للجانب الرسمي، فإن الجزائر بصدد التحول إلى مرحلة توظيف مقدراتها للمنافسة على موقع نفوذ إقليمي في القارة، يتساوق مع طموحها السياسي والاقتصادي الذي عبّرت عنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ اعتلاء الرئيس تبون للسلطة نهاية عام 2019.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير عبد الحميد عبداوي، خلال إحياء مناسبة عيد الشهيد أمس الأحد، إن "مقدرات وإمكانيات الجزائر تُمكنها من لعب الدور الذي يليق بها ويسمح لها بتجاوز المكائد والعقبات لفرض وجهة نظرها، والجزائر لن تدخر أي جهد في لعب الدور المنوط بها، عبر جميع فضاءات انتماءاتها، الأفريقية، والعربية، والإسلامية، والمتوسطية، لتعزيز التعاون والسلم والأمن والاستقرار".

وإذا كانت السلطات الجزائرية ترفض التصريح بالغايات السياسية لمثل هذا التلويح بقدرتها المانحة وحيازتها فائض أموال يمكن صرفها في مشاريع تنموية في الدول الأفريقية، وتبقي الخيار ضمن أهداف السلم، التنمية، تحسين البنية التحتية، التضامن الأفريقي، فإن الأهداف السياسية المشروعة للجزائر من ذلك تعلن عن نفسها بوضوح.

ويعتبر المحلل السياسي المهتم بالشؤون الأفريقية عمار سيغة، والذي أعد دراسة حديثة عن التحديات الأمنية في المنطقة المحيطة بالجزائر، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن توجه الجزائر نحو دعم وتمويل برامج في دول أفريقية، سيكون لدول الطوق والساحل الأولوية فيه، تنطلق من ثلاث مقاربات أساسية، الأولى كون الجزائر تعتبر أن الرهان على الحل الأمني لتجاوز مشكلات الساحل وأفريقيا، يبقى قاصراً، ما لم يتم تدعيمه بمشاريع التنمية، وتحسين البنية التحتية، والمياه، والصحة، والتعليم لتركيز السكان في مناطقهم، وضمان التكثيف الديمغرافي الذي يمنع تمركز الجماعات الإرهابية، والثانية بهدف اقتصادي، لكون تمويل برامج تنموية يضمن تعزيزاً أكبر للعلاقات التجارية، ويوفر خطوطاً لولوج السلع والبضائع الجزائرية، وفي المقام الثالث، البعد السياسي المرتبط بحرص الجزائر على ربط أكبر لعلاقاتها مع الدول الأفريقية ومراكز القرار فيها، وضمان نفوذ يسمح لها بلعب دور مركزي ومؤثر في قضايا المنطقة وأزماتها، وهندسة الحلول".

وعلى الرغم من هذه التفسيرات، فإن بعض التقديرات تطالب في المقابل السلطات الجزائرية بالحذر في التعامل مع الدول الأفريقية، بسبب هشاشتها السياسية وضعف سلطتها على قرارها السياسي، ما يجعل مواقفها وخياراتها في التعامل مع الأطراف الشريكة غير ثابتة، خاصة وأن هناك سوابق تؤكد ذلك، فمنذ عام 2010، قررت الجزائر لأسباب إنسانية مسح ديون بقيمة 902 مليون دولار، حتى عام 2014، كانت على عاتق عدة دول أفريقية، لكن هذه الدول اتخذت لاحقاً مواقف تتناقض مع السياسات الجزائرية، خاصة في علاقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي قضية النزاع الصحراوي، وغيرها.

المساهمون