- الاشتباكات بين الجانبين تصاعدت بشكل كبير، مع استخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وإضرام النيران في المواقع العسكرية الباكستانية، مما ينذر بمزيد من التصعيد بين البلدين.
- العلاقات بين باكستان وأفغانستان تتأزم بسبب عوامل متعددة، منها اتهامات لباكستان بدعم تنظيمات مثل "داعش" ومواقف حكومة طالبان من خط ديورند، مما يشير إلى احتمالية تصاعد الصراع بين البلدين في المستقبل.
صباح الأحد الماضي نفذ سلاح الجو الباكستاني غارات في ولايتي خوست وبكتيكا الأفغانيتين، ومباشرة أمرت وزارة الدفاع الأفغانية قواتها على الحدود باستهداف مواقع الجيش الباكستاني. وفعلاً استهدفت القوات الأفغانية كل المواقع العسكرية الباكستانية على حدود ثلاث ولايات أفغانية جنوبية، وهي بكتيا وبكتيكا وخوست، ما أشعل توتراً جديداً بين باكستان وأفغانستان.
ويومها أكد المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد، أن قوات الحركة استهدفت أكثر من تسعة مواقع عسكرية للجيش الباكستاني، موضحاً في بيان أن باكستان ربما قدّرت الأمور بشكل خاطئ، وأن جنرالات الجيش الباكستاني أخطأوا في التقديرات.
وقال: "اختاروا للحرب شعباً لديه خبرة طويلة في الحرب والدفاع، نحن أساتذة في الحرب، وأطلب من الشعب الباكستاني والأحزاب السياسية الوقوف في وجه أولئك الجنرالات".
ولفت إلى أنه "في حالة الحرب لا شك أن أفغانستان ستدفع الثمن وهي مستعدة لذلك في سبيل الدفاع عن سيادتها، ولكن باكستان ستخسر أكثر وستدخل في حالة لن يكون في وسعها التصدي لها". وتساءل مجاهد إذا كان "الجيش الباكستاني الذي فشل في التصدي لجماعات مسلحة (حركة طالبان الباكستانية) قادراً على أن يحارب الشعب الأفغاني؟".
توتر باكستان وأفغانستان
في سياق الاشتباكات الأفغانية ـ الباكستانية، تكشف مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، وأيضاً ما نُشر من تسجيلات مصورة حول سير المعارك، أن رد "طالبان" لم يقتصر على تسعة مواقع، بل كان أعنف مما صورته البيانات الرسمية، إذ يبدو أن قوات الحركة كانت مستعدة لأي مواجهة، خصوصاً أنها استهدفت المواقع العسكرية الباكستانية على امتداد ثلاث ولايات.
نور آغا أفغان مل: نشرت طالبان القوات الخاصة على التلال والجبال
حول ذلك، يقول نور آغا أفغان مل الزعيم القبلي في منطقة دند بتان الجنوبية، التي شهدت أعنف المواجهات بين القوات الباكستانية والأفغانية، أن "رد طالبان كان قوياً للغاية، إذ استخدم عناصرها الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأضرموا النيران في الكثير من المواقع العسكرية الباكستانية، وشنّوا هجوماً على كل المواقع في وقتٍ متزامن ومن مسافات قريبة جداً، إذ عمدت المروحيات القتالية إلى نشر القوات الخاصة على التلال والجبال التي تطل على الحدود لاستهداف المواقع العسكرية الباكستانية".
ويوضح أن "إعلان وزارة الدفاع الأفغانية حول رد طالبان كان مرفقاً بصورة لوزير الدفاع الملا يعقوب مرتدياً الزي العسكري للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه (في 7 سبتمبر/أيلول 2021)، في إشارة إلى أن حكومة طالبان مستعدة لأي عمل عسكري".
وعلى الرغم من عودة الهدوء على الحدود بعد اشتباكات الأحد الماضي، غير أن عوامل التوتر لا تزال كامنة بين باكستان وأفغانستان، مما ينذر باشتعال الجبهات مستقبلاً. وفي ظل ارتفاع وتيرة أعمال العنف في باكستان ورفض كابول القيام بأي عمل ضد حركة طالبان الباكستانية، خلافاً لما تطلبه إسلام أباد، كان من المتوقع أن تتأزم العلاقة بين البلدين.
وترافق ذلك مع ما يروج في الساحة الأفغانية من أن باكستان، بالتنسيق مع دول أخرى في المنطقة، تعمل على تقوية تنظيم "داعش" وجبهة بانشير داخل أفغانستان من أجل الضغط على طالبان والحصول على مكاسب سياسية، خصوصاً إذا تمكن "داعش" من استهداف مصالح روسية أو صينية في أفغانستان، الأمر الذي تتطلع إليه بعض الدول الغربية.
على الضفة الأخرى جاءت تصريحات ومواقف المسؤولين في حكومة "طالبان"، من سياسيين وعسكريين، حيال خط ديورند الفاصل بين الدولتين، وتعاطي الحركة بشكل عام مع قبائل البشتون على الجانب الباكستاني من الحدود وشؤونها الاجتماعية والسياسية، لتغضب إسلام أباد أكثر.
ويشكّل خط ديورند الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان، وهي بطول 2611 كيلومتراً، وقد فرضته بريطانيا على أفغانستان في عام 1893 خلال احتلالها كامل شبه الجزيرة الهندية، لكن الأفغان عبّروا مراراً عن رفضهم الاعتراف بهذا الخط، خصوصاً بعد تأسيس دولة باكستان في عام 1947، غربي هذا الخط.
لم يكن وزير الدفاع الملا يعقوب، وهو أقوى شخصية في حركة طالبان الأفغانية بحكم مواقفه وكونه نجل مؤسس الحركة الملا عمر، وحده من شدّد على أن خط ديورند، الفاصل بين باكستان وأفغانستان لا تعترف بها بلاده، وأنه خط متنازع فيه، بل أكد ذلك الكثير من قادة طالبان، ومنهم نائب وزير الخارجية شير محمد عباس ستانكزاي، الذي اعتبر أن باكستان تعدت على الأراضي الأفغانية وأن أفغانستان لن تقبل الحدود الحالية، ما جعل الخارجية الباكستانية تحتج لدى كابول.
وهدد بعض مسؤولي "طالبان" بتجاوزون خط ديورند، للوصول إلى الحدود الأفغانية السابقة قبل تأسيس باكستان، وهو نهر أتك الفاصل بين إقليم البنجاب وخيبر بختونخوا الباكستانيين، وحيث يلتقي مع نهر إندوس الباكستاني. وهو ما يعني عملياً السيطرة على أجزاء واسعة من الشرق الباكستاني.
كابول والقبائل الباكستانية
كذلك، فإن ملف اهتمام "طالبان" بما يدور في المناطق القبلية الباكستانية بات محط قلق باكستان، بل يُعتبر أخطر من قضية الحدود، لسببين. السبب الأول، لأن ملف القبائل مطروح على مستوى كبار مسؤولي الحركة، إذ إن زعيم طالبان الملا هيبت الله أخوند زاده، أثار القضية عند زيارة الزعيم الديني الباكستاني المولوي فضل الرحمن في يناير/كانون الثاني الماضي.
في حينه، طلب من باكستان أن تسمح للقبائل بالعبور إلى أفغانستان من دون جواز سفر ولا تأشيرة، معتبراً أن القبائل لها ارتباط وثيق يتخطى الحدود، وبالتالي لا بد من منحها هذه الحقوق.
وهذا ما أشار إليه بيان المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد، تعليقاً على الغارات الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية الأحد الماضي، بالقول إن على طرفي الحدود أبناء قبيلة واحدة "يأتون هناك في الصباح ويذهبون في المساء ولا يمكن قطع الطريق عليهم".
أما السبب الثاني، الذي يجعل من الحديث عن حقوق القبائل أمرا خطيرا من وجهة نظر باكستان، فيعود لنموّ الحراك المعارض لباكستان داخل القبائل بقوة. فمنذ أشهر نُصب اعتصام في مدينة تشمن بإقليم بلوشستان، يشارك فيه مئات القبائل، من الرافضين للعمل بنظام التأشيرة وجواز السفر من أجل الذهاب إلى أفغانستان.
كما برز عامل اقتصادي في خلاف باكستان وأفغانستان، مع بدء تجار القبائل، ممن تأثروا من الإجراءات على الحدود ويديرون مشاريع تجارية مع دول آسيا الوسطى، بنقل أموالهم إلى أفغانستان.
عبد السبحان خان أندر: غضب البشتونيين بدأ منذ الغزو الأميركي عام 2001
وحول هذه التطورات، يشير الزعيم القبلي من وزيرستان، عبد السبحان خان أندر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "غضب القبائل البشتونية المتاخمة على الحدود مع أفغانستان، بدأ ينتشر عندما دخل الجيش الباكستاني إلى مناطقها على خلفية الحرب الأميركية على الإرهاب (في عام 2001)".
ويوضح: "قبل ذلك كنا نعيش في أمن وسلام، ولنا قانوننا الخاص والكل كان يحترم ذلك، كانت لنا مصالح مع باكستان إذ كنا نعيش فيها، وكنا نحترم قانونها، ولكن بلدنا الأم كانت أفغانستان، وكنا نتجول يومياً بين البلدين، لكن عندما أتى الجيش الباكستاني كان همه الأول هو القضاء على النظام القبلي كي يصطاد في الماء العكر، ثم ارتكب جرائم".
ويعتبر أن الجيش الباكستاني "كان مساعداً للقوات الأميركية التي كانت تشن الغارات الجوية على كل منطقة القبائل، والجيش الباكستاني قتل مئات من رموز القبائل وزعمائها وأصبح أبناء القبائل مشردين، ومحرومين من كل الحقوق".
إسلام أباد والقبائل
ويستفيض خان أندر بالقول إن "باكستان لا تتعامل مع القبائل كباقي الباكستانيين، إذ أصدرت قبل شهر قراراً بأنه في حال أراد أي قبلي، أي من سكان شمال غربي باكستان، الدخول إلى إقليم البنجاب، عليه أن يحظى بتصريح من الشرطة وتسجيل مروره هناك، إنه بمثابة تأشيرة. في المقابل، عندما ندخل أفغانستان نجول من قندهار إلى مزار الشريف ومنها إلى بدخشان وكنر، لا أحد يسأل من أين جئنا ولماذا أتينا؟ نحن هناك مكرمون معززون، ببطاقة قبلية تحل مشاكلنا".
ويلفت إلى أنه "في الماضي كان الوضع سيئاً من كل النواحي مقارنة بالوضع في باكستان، لكن الآن الوضع أفضل، فأبناء قبيلتنا في أفغانستان موجودون في الحكومة والقوى الأمنية، ولديهم كل الإمكانات، بينما نحن محرومون من ذلك في باكستان، والجيش يدهم منازلنا، تارة بذريعة الإرهاب وتارة بذريعة التفتيش، ويخطف رجالنا، لذلك تبقى عيوننا صوب أفغانستان، وخير مثال على ذلك اللاجئون من وزيرستان الذين تركوا منازلهم بعد عملية الجيش الباكستاني في عام 2014، وهم لن يعودوا إلى باكستان، لأنهم أحسن حالاً في أفغانستان، بل مواطنون من الدرجة الأولى هناك، ولا أحد يتعامل معهم كلاجئين، بينما في المقابل لا نملك شيئاً في باكستان".
لكن للمحلل السياسي، مهمند محمد فاروق خان، وهو من القبائل، رأي آخر، إذ يقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "معظم القبائل الباكستانية لا تتطلّع إلى أفغانستان، بل هي وفية لباكستان، فضلاً عن أن الوضع في أفغانستان غير مستقر. حالياً هناك أمن نسبي، ولكن إلى متى سيستمر ذلك؟ لا ندري. من هنا، فإن باكستان وأفغانستان دولتان مستقلتان، وكل الإجراءات المعتمدة عادة بين دولتين موجودة.
بالتالي، لا بد من اعتماد التأشيرة وجواز السفر خلال الزيارات، ولا يمكن لنا أن نتصور أن يدخل من أفغانستان من شاء ومتى شاء، تلك الظاهرة إذا استمرت ستكون لها عواقب وخيمة".