يجتاح الغضب محمد عبود (20 عاماً) وهو يتابع من خلال هاتفه الصور ومقاطع الفيديو التي وجدها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليرى كيف عمدت قوات نظام بشار الأسد إلى تنظيم عمليات نهب ممنهج للمدن والقرى التي دخلتها، بدءًا من ريف حماه، وصولاً إلى سراقب في إدلب، وحتى ريفي حلب الغربي والجنوبي، والتي تقدر بحوالي مئتي مدينة وقرية سورية.
ويتذكر عبود على الأخص اليوم الذي وجد نفسه مرغماً على ترك معرة النعمان حاملاً ما استطاع من عفش منزل أهله المؤلف من دورين، نازحاً مع عائلته باتجاه مدينة أريحا، بتدخل من المنظمات الإنسانية لإجلاء مئات العائلات عن المدينة. كثر خرجوا بمتاعهم تحت وابل من القصف مع اقتراب النظام وحلفائه من المدينة التي سقطت ظهيرة 28 يناير/ كانون الثاني 2020.
وبعدما سمحت قوات النظام لأهالي معرة النعمان من الموظفين والمقيمين في مناطق سيطرتها بزيارتها، فقط لساعات دون السماح بالإقامة فيها، استطاع عبود الحصول على مقطع مصور لمنزله ومنزل والده عن طريق أحد معارفه، ليرى منزلاً مختلفاً عما تركه قبل أشهر، منزلاً بلا نوافذ ولا أبواب، كان واضحاً أنه تعرّض للنهب.
ويشير عبود إلى أن المعفشين خلعوا حتى الأبواب والنوافذ الحديدية لسرقتها بالكامل. وتظهر الصور كذلك أنهم هدموا الأحجار في محيط النوافذ حفاظاً على الحديد لتسهيل عملية بيعه، ولم تسلم حتى التمديدات الكهربائية داخل الجدران.
كثيرة هي الصور ومقاطع الفيديو التي وصلت لأهالي مدينة معرة النعمان والمدن والقرى السورية المهجرة تظهر فيها منازلهم ومحالهم ممتلكاتهم المنهوبة، وكيف تم الاهتمام بتفكيك الأبواب والنوافذ والأسوار الحديدية وأسلاك الكهرباء. وتبيّن الصور الملتقطة، كيف يتم فرز كل صنف من الأصناف المذكورة، ومن ثم يحمل كل صنف بشاحنات كبيرة. ومؤخراً لجأت قوات النظام والمليشيات لقطع أشجار الزيتون بهدف بيعها حطباً للتدفئة.
ولم تكتف قوات النظام والمليشيات بسرقة المنازل والمحال وتمديدات الإنارة في الشوارع وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة، بل امتدت أيديها إلى المساجد والمدارس ومباني دوائر الدولة لتنهبها. وتظهر صور مسجد سعد بن معاذ في الحي الجنوبي من مدينة معرة النعمان وقد تم تفكيك النوافذ والأبواب فيه، كما حصل في مدرسة عبد الفتاح قزيز في الحي وقد احتلتها إحدى المليشيات.
ويقول مدير المدرسة محمد الصوارني، إن المدرسة المؤلفة من 3 كتل بناء تم ترميمها على مدار العامين الماضيين مرتين، بعد قصف طاولها خلال فترات متقطعة وكان وضعها جيدا، "لكن بعد خروجنا فوجئنا بصورة للمدرسة وقد تحولت إلى معسكر بعد أن سرقت محتوياتها. والصور تُظهر تفكيك الأبواب والنوافذ وسياج الحماية الحديدي للممرات".
وعلاوة على النهب، أحرق الجنود وعناصر المليشيات بعض منازل الناشطين أو ذويهم بعد سرقتها وتفريغ محتوياتها بالكامل.
وفي سراقب لم يكن الأمر مختلفاً كثيراً عن معرة النعمان وغيرها من مدن وقرى "منطقة خفض التصعيد" التي دخلتها قوات النظام والمليشيات، إلا أن الأخيرة ابتكرت أسلوباً جديداً للنهب في سراقب بهدم أسطح المنازل لسحب المعادن منها.
وكانت قوات النظام قد دخلت سراقب في 5 فبراير/ شباط 2020، ومع إتمام السيطرة عليها بدأت حملة النهب، إلا أن فصائل المعارضة وبإسناد من الجيش التركي تمكنت من استعادة المدينة في 27 من الشهر ذاته، ما حال دون تمكّن عناصر النظام والمليشيات من إخراج جميع المنهوبات بعد تجميعها في الساحات والشوارع، كما أظهرت بعض الصور. إلا أن النظام أعاد السيطرة على سراقب في الثاني من مارس/ آذار ليستأنف عناصره نهب المدينة مجدداً.
ويقول رئيس المجلس المحلي السابق لمدينة سراقب، أسامة الحسين، إن "مقاتلي المعارضة، وبعد سيطرتهم مجدداً على مدينة سراقب، رصدوا لجوء المليشيات إلى فرز المنهوبات بحسب النوع. الأواني المنزلية من معدن الألمنيوم على حدة، والأبواب من الحديد على حدة، والنوافذ كل حسب معدنها، بالإضافة لأدوات الأثاث المنزلي على حدة، وتم تجميعها على شكل تلال داخل الأحياء والساحات تمهيداً لتسليمها إلى المتعهدين أو نقلها إلى الأسواق".
ويضيف الحسين أنه علم بتمرير مسروقات مدينة سراقب بالكامل إلى أحدهم بقيمة 300 ألف دولار.
من معرّة النعمان إلى سراقب وغيرها عمليات النهب المنظمة التي تنتهجها قوات النظام والمليشيات من ريف حماه مروراً بإدلب وحتى ريف حلب، تعرف بـ "التعفيش"، وهو مصطلح مشتق من نهب عفش وأثاث المنازل. ويقول عيسى قسطوني، وهو ناشط يتابع هذه القضية "هذه المسروقات وبعد تحميلها من قبل سيارات التجار والمتعهدين تنقل إلى أسواق مخصصة للأثاث والمفروشات والأدوات الكهربائية في القرى التي تعد حاضنة شعبية للنظام، كسلحب وشطحة والربيعة وعين الكروم ومصياف وسلمية، بالإضافة إلى مدينتي السقيلبية ومحردة في ريف حماه".
وأضاف في تصريح له "كذلك تصل بعض المسروقات إلى منطقة السيدة زينب قرب دمشق، كما أن هناك أسواقاً داخل مدينة اللاذقية وريفها ومحيط مدينة جبلة، وأيضاً داخل الأحياء الموالية للنظام في مدينة حمص، بالإضافة لأسواق في طرطوس وصافيتا، أما المعادن المتضررة وغير القابلة للاستخدام، فيتم تحميلها وبيعها لمعامل مختصة بصهرها وإعادة تدويرها من جديد".
من ناحية قانونية يؤكد المحامي والحقوقي أنور البني، رئيس "المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" أن نهب الأموال والممتلكات العامة والخاصة، يعد جريمة حرب يعاقب عليها القانون، وبالتالي لكلٍ قواعده من حيث الملاحقة للمجرمين وحق الضحايا بالتعويض.
وتأسف البني، في تصريح له، على أنه "حتى الآن لا يوجد جهة محلية أو دولية تحاكم مرتكبي هذه الجرائم، لذلك فإن الشعور بإمكانية الإفلات من العقاب يشجع كثيرين على ارتكاب مزيد من الجرائم". وتابع قائلا "تطبيق العدالة الانتقالية يقضي أن يتم النظر بكافة الجرائم، والدولة هي من تعوض الضحايا المتضررين بمثل هذه الحالات وتحاسب المجرمين، أما تعويض الدولة لحقها بنهب ممتلكاتها ومرافقها فيتم من خلال مصادرة أملاك المجرمين ومحاسبتهم كذلك".
وكانت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تطرقت إلى عمليات النهب الواسعة في إدلب وما حولها موسعاً في تقرير موسع من 100 صفحة نهاية مارس/ آذار الماضي. ووصف التقرير تلك العمليات بأنها تُهدد عودة النازحين وتزرع الأحقاد الدينية، مسجلاً عمليات نهب لقرابة 30 منطقة منذ أبريل/ نيسان 2019 حتى تاريخ صدوره، ما يُشكل جريمة حرب.
وأكَّد التقرير أن عمليات النهب الواسعة التي وقعت لا يمكن أن تتم بمعزل أو دون انتباه قادة جيش النظام السوري والقوات الروسية، مشيراً إلى أنَّ هذا النَّهب هو جزء من الدخل الشهري لقوات النظام السوري والإيراني والروسي. وأكد التقرير أن عمليات النهب تشمل تفكيك النوافذ والأبواب وتجهيزات الصرف الصحي وأسلاك الكهرباء.
وذكر التقرير أن عمليات بيع الممتلكات تحدث بشكل علني في مناطق يسيطر عليها النظام السوري وحليفاه الإيراني والروسي، وتظهر في هذه الأسواق كميات من المفروشات وتجهيزات كهربائية وأدوات زراعية، ومواشٍ.
منزل الناشط عبود بعد "التعفيش": هدم الأحجار في محيط النوافذ حفاظاً على الحديد لتسهيل عملية بيعه: