التعاون العسكري بين الصومال ومصر... مواجهة نفوذ إثيوبيا

20 اغسطس 2024
الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة، يناير 2024 (الأناضول)
+ الخط -

جاء توقيع بروتوكول التعاون العسكري بين الصومال ومصر في 14 أغسطس/آب الحالي، في وقتٍ وصفه المحللون بشديد الحساسية، نظراً لإعادة تشكّل التوازنات في منطقة القرن الأفريقي، التي تطلبت تعزيز شكل التحالف بين البلدين لحماية مصالحهما المشتركة. ورجح محللون أن توقيت التعاون العسكري بين الصومال ومصر حمل دلالات عدة تمثلت في رغبة مصر للعودة إلى الصومال، والتي توّجت أخيراً بفتح مقر جديد لسفارتها في مقديشو بعد عقود غابت فيها مصر عن المنطقة، إلى جانب تناغم مصالح البلدين في ظل توسع أطماع إثيوبيا. وفي ظل تزايد الاهتمام الدولي بدول القرن الأفريقي، خصوصاً الصومال الذي بات محوراً استراتيجياً في التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة، تساءل محللون عن مدى قدرة مقديشو على تبني مواقف دبلوماسية جادة لموازنة نفوذ الدول المهتمة بالمنطقة.


حسن شيخ: التعاون العسكري بين الصومال ومصر مختلف عن أي تعاون آخر

تجدد علاقات الصومال ومصر

اضطرت مصر وبخطى سريعة لإعادة تموضعها في الصومال بسبب التحولات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، بعد سنوات غاب فيها تأثيرها على الساحة السياسية الصومالية. وحول ذلك، رأى المحلل السياسي في مركز الصومال للدراسات محمد عبدي، أن الدور المصري في الصومال لم يكن ملموساً منذ عقود، لكن ما دفع القاهرة للتقارب مع مقديشو هذه المرة هو الضربة السياسية غير المتوقعة التي تلقتها القاهرة في عام 2020، بعد أن تبنى الصومال موقفاً محايداً من قضية سد النهضة إبان قرار جامعة الدول العربية المساند لموقف مصر والسودان، على حساب دولة المنبع إثيوبيا، وهو ما خالف العرف السياسي التقليدي بين البلدين.

وأشار عبدي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مصر تشعر بأن إثيوبيا سحبت البساط من تحت قدميها، وأنها بحاجة إلى ترتيب حساباتها تجاه الصومال من جديد". وتابع أن التحرك المصري في الوقت الراهن عكس مدى تدارك القاهرة أن ملفاتها ومصالحها في خطر وجودي، في حال استمرت سياستها السابقة تجاه الساحة الصومالية نظراً لظهور لاعبين جدد في المنطقة أكثر انخراطاً في عملية التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع الصومال.

وحول استفادة الصومال من الدور المصري في الوقت الراهن، أشار عبدي إلى أن الملف الأمني في مقدمة اهتمامات الصومال حالياً، فيما لمصر حساباتها الخاصة نظراً للأزمة الراهنة بين القاهرة وأديس أبابا. واعتبر أن القاهرة تدفع ثمن غيابها عن الساحة الصومالية، وأن إعادة دورها الفعلي قد تستغرق وقتاً أطول ومرهونة بحجم دعمها في الملفات السياسية والأمنية في البلاد، إلى جانب طبيعة التحالفات في المنطقة.

واختارت مصر الصومال أولى محطات زيارات وزير خارجيتها الجديد بدر عبد العاطي يوليو/تموز الماضي، في خطوة أظهرت رغبة القاهرة في استعادة دورها في مقديشو. وأكد وزير خارجيتها في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي، عزم مصر تعزيز التعاون مع الصومال في مجالات الأمن والدفاع، أعقبها افتتاح مقر جديد للسفارة المصرية في مقديشو لتوسع مهامها التي كانت مقتصرة على تقديم خدمات التأشيرة فقط. ولتعويض دورها الخجول خلال السنوات الماضية، باشرت القاهرة تغيير قواعد اللعبة في الملف السياسي الصومالي، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في 23 مايو/أيار 2022 من خلال إرسال رئيس وزرائها مصطفى مدبولي للمشاركة في حفل تنصيبه، وهي خطوة اعتبرها محللون ممهّدة لعودة الدور المصري في الصومال.

وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو حسن شيخ، لـ"العربي الجديد"، إن الأطماع الإثيوبية للوصول إلى منفذ في البحر الأحمر بعد توقيع مذكرة التفاهم مع إقليم صوماليلاند (الاتفاق بين إثيوبيا صوماليلاند وهو إقليم جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً، حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند) مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، دفعت الصومال وغيره من البلدان إلى تشكيل تحالفات في المنطقة لمواجهة المساعي الإثيوبية لتغيير قواعد الإدارة في الساحل الجنوبي للبحر الأحمر.

واعتبر أن ذلك شكّل خطراً على أمن الدول المشاطئة في البحر الأحمر. وأضاف شيخ أن مصر تابعت الأحداث في الصومال عن كثب، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة دفعتها إلى تفعيل تعاونها معه في المجال الأمني، للحدّ من الخطورة الإثيوبية المحدقة بمصالح البلدين. وأضاف أن التناغم السريع في علاقات الصومال ومصر وتعزيز التعاون، تحديداً تفعيل بروتوكول التعاون العسكري، لخّص مدى حجم المخاطر أمام البلدين، ومخاوفهما من أن تؤثر التحولات السياسية في المنطقة على مصالحهما الاستراتيجية.

واعتبر شيخ أن التعاون العسكري بين الصومال ومصر مختلف عن أي تعاون آخر، بسبب المخاوف المشتركة من تداعيات الطموح الإثيوبي لإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، في تهديد للملاحة في مضيق باب المندب وإمكانية عرقلة خطوط الملاحة المؤدية إلى قناة السويس، بالإضافة إلى العداء التاريخي المشترك تجاه إثيوبيا، إلى جانب رغبة الطرفين في تشكيل تحالف رباعي بين الصومال ومصر وجيبوتي وإريتريا لمحاولة تطويق وردع المساعي الإثيوبية في المنطقة. وأشار إلى أن كل هذه العوامل جعلت التعاون بين البلدين أمراً ضرورياً على أرض الواقع.

وسبق أن طالبت مصر مطلع أغسطس الحالي، بالمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الأمن والاستقرار في الصومال، بعد انتهاء مهمة قوات الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس" في ديسمبر/كانون الأول المقبل، في محاولة لسد الفراغ الأمني الذي قد يسببه انسحاب هذه القوات، وهو ما أثار المخاوف الإثيوبية تجاه هذا القرار. وجاء ذلك في وقت قرر فيه مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في يونيو/ حزيران الماضي إرسال بعثة جديدة لحفظ السلام في الصومال مطلع 2025. ووفق مراقبين، فإن الحكومة الصومالية تسعى إلى موازنة النفوذ الدولي والإقليمي المهتم بالمنطقة، خصوصاً بين تركيا ومصر، ولهذا فإن توقيت زيارة شيخ محمود إلى القاهرة وتوقيع بروتوكول تعاون عسكري بين وزارتي الدفاع في الصومال ومصر تزامن مع بدء وصول السفن التركية إلى سواحل الصومال، لتأمين عمليات التنقيب عن النفط، ومواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهها السواحل الصومالية.


محمد عبدي: تحركت مصر في الصومال لشعورها بخطر وجودي

دور الصومال في القرن الأفريقي

في السياق، رأى النائب الصومالي محمد الأمين، أن الصومال ومنطقة القرن الأفريقي ميدان تنافس على المصالح بين القوى، مما فرض على الصومال تبنّي استراتيجية توازن بين تلك القوى لتحقيق مصالحه الخاصة. وأضاف الأمين لـ"العربي الجديد"، أن السياسة الخارجية الصومالية متجهة نحو منطق التوازن، خصوصاً بعد نجاحها الدبلوماسي التاريخي في الصراع البحري مع كينيا في عام 2016، والأزمة الحالية مع إثيوبيا، وكيف واجهت أديس أبابا رغم ثقلها السياسي في المنطقة.

وأوضح أن كل هذه العوامل وجّهت إشارات إيجابية أن الصومال قادر على مراعاة التوازن مع شركائه في المنطقة. ولفت الأمين إلى أن الصومال وقع أربع اتفاقيات تعاون عسكرية مع أربع دول، هي تركيا ومصر والإمارات وأوغندا، في محاولة لسد الفراغ المحتمل بعد انسحاب قوات "أتميس" في نهاية ديسمبر المقبل، لكن هذا التعاون لن يتسبب في حدوث صدام بين هذه الدول، نظراً لاستعداد الصومال لإدارة طبيعة الدعم الذي سيقدم له كل من كل هذه الأطراف وتوجيهه حسب حاجاته الملحة.

وتطرق الأمين إلى وجود شكوك لدى بعض المتابعين حول قدرة الصومال على موازنة تعاونه مع تركيا ومصر، المختلفتين في طبيعة استراتيجيتهما تجاهه، موضحاً أنه في حين سعت مصر لإقامة قواعد عسكرية في الصومال لخوض صراع محتمل مع إثيوبيا لحماية مصالحها الاستراتيجية، لم ترغب تركيا بأي صدام محتمل في هذه المنطقة، نظراً لاستثماراتها ومصالحها الاستراتيجية، وربما لم تدعم فكرة القاهرة بالحصول على قاعدة عسكرية في الصومال. ومن شأن هذه التطورات وضع المنطقة تحت تهديد التوترات مجدداً، لكن على الصومال تبديد مخاوف تركيا ومراعاة الآخرين الذين لديهم دور مؤثر في المنطقة. وأشار الأمين إلى إمكانية حدوث خلل في إطار التوازن بين هذه الدول مستقبلاً، بسبب اختلالات في نظام الحكم في البلاد، مما قد يؤدي إلى تحول السياسة الخارجية غالباً لصالح جهة إقليمية أو دولية على حساب الآخرين، وهو ما سيؤثر سلباً على استقرار وأمن البلاد.

المساهمون