التعاون الجمهوري ـ الديمقراطي: ثنائية بايدن ـ ماكونيل لا تكفي

23 ديسمبر 2020
تعاون بايدن وماكونيل عقوداً في قوانين ومشاريع بالكونغرس (فرانس برس)
+ الخط -

العلاقة بين الحزبين على مفترق طرق بعد انتخاب بايدن

الضغط الجمهوري في حزمة الإغاثة سيكون مؤثراً لنوعية العلاقة

حصل الجمهوريون على 13 مقعداً جديداً في مجلس النواب

تعرّضت العلاقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة لشرخٍ عميق في السنوات الماضية، عنوانه الوحيد: عهد دونالد ترامب. وربما كانت السنوات الأربع الماضية الأسوأ في علاقة الحزبين منذ فضيحة "ووترغيت" عام 1972، حين حاول الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون التجسس على أعضاء الحزب الديمقراطي، في مبنى "ووترغيت" في العاصمة واشنطن. وكان يُمكن أن تتطور الخلافات أكثر لو قيّض لترامب الفوز بولاية ثانية، بفعل هجومه المستمرّ على أركان الحزب الديمقراطي، خصوصاً رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وشخصيات ديمقراطية عدة، لعلّ أبرزها الرئيس الأسبق باراك أوباما والمرشحة الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. اليوم باتت العلاقة بين الحزبين على مفترق طرق بعد انتخاب الديمقراطي جو بايدن رئيساً، المعروف بكونه خبيراً في العلاقات بين الحزبين. وهي خبرة اكتسبها منذ انتخابه سيناتوراً لولاية ديلاوير، في عام 1973، ومروره في مختلف لجان الكونغرس.


بنى بايدن على تمرير حزمة الإغاثة تصوّراً لعلاقة تعاونية مع الجمهوريين

وكسب بايدن طيلة سنواته الـ47 في النظام الرسمي الأميركي، صديقان جمهوريان، الأول سيناتور أريزونا الراحل جون ماكين، والثاني زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي يعوّل كثر على علاقتهما لإرساء تفاهمات جديدة بين الحزبين. إلا أن مثل هذه التفاهمات لا تزال في طور التشكّل، سواء مع استمرار الحملة الانتخابية لانتخاب عضوين عن مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا في جولة الإعادة في 5 يناير/ كانون الثاني المقبل، أو لجهة وضع الشروط المتبادلة، قبل انطلاق عهد بايدن رسمياً في 20 يناير المقبل.

شرح دانيال ستراوس، في مقالٍ له في "غارديان"، العلاقة بين الرجلين، متطرقاً إلى نسجهما علاقة متينة إبان عملهما المشترك في مجلس الشيوخ، إلى حدّ تمرير 318 قراراً بفعل جهودهما، على الرغم من كون بايدن لطيفاً بصورة مفرطة وماكونيل أكثر تحفظاً. وفي معركة الديون الأميركية عام 2011، كلّفت إدارة أوباما بايدن، الذي كان نائباً للرئيس في حينه، بالعمل مع مجلس الشيوخ، خصوصاً ميتشل. ومع أن رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ ظلّ وفياً لترامب حتى النهاية، إلا أنه تقبّل قرار المجمع الانتخابي في 14 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، الذي أكد رسمياً فوز بايدن، فألقى خطاباً للتهنئة، قبل أن يتصل به بايدن شاكراً، ومعتبراً أنه "بينما نختلف حول الكثير من الأشياء، إلا أن هناك أشياء يمكننا العمل معاً عليها. واتفقنا على الالتقاء عاجلاً وليس آجلاً". وحول قدرتهما على التحاور مستقبلاً، اعتبر السيناتور الأسبق عن ولاية أريزونا، جون كيل، أن "العلاقة بين ماكونيل وبايدن مهنية، ما مكنهما، والأهم مكّن طاقمهما، من التفاوض بحسن نية". وأعاد ستراوس التذكير بكون ماكونيل السيناتور الجمهوري الوحيد الذي حضر جنازة بو بايدن، نجل الرئيس المنتخب، في عام 2015.

لكن العلاقة الشخصية بين بايدن وماكونيل لا تعني حتمية التعاون بين الحزبين. وبحسب الكاتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" جيرالد أف سايب، فإن "بايدن يتعّرض لانتقادات عدة، لكونه متفائلاً بقوة بشأن فرصه في التعاون مع الجمهوريين". ورأى الكاتب أن الرئيس المنتخب استند إلى تمرير حزمة الإغاثة، نهاية الأسبوع الماضي، التي شهدت تعاوناً كبيراً بين الحزبين في الكونغرس، لمواجهة فيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية. لكن بايدن تجاهل نقطة مهمة، وفق الكاتب، وهي أن هذا الإنجاز لم يتحقق إلا بعد موافقة الديمقراطيين على خفض حجم الإنفاق من جهة، والتخلّي عن منح حكومات الولايات والحكومات المحلية المزيد من المساعدات من جهة أخرى.

ورأى سايب أن الضغط الجمهوري في حزمة الإغاثة، سيكون مؤثراً لنوعية العلاقة بين الطرفين في السنوات الأربع المقبلة، خصوصاً إذا تمكن الجمهوريون من الفوز بمقعدي ولاية جورجيا، في جولة الإعادة في 5 يناير المقبل، ما من شأنه تأكيد مبدأ "كونغرس منقسم"، بين مجلس نواب بغالبية ديمقراطية، ومجلس شيوخ بأكثرية جمهورية. ودعا للأخذ بعين الاعتبار مسألة محاولة ترامب إقناع ملايين الجمهوريين بعدم شرعية فوز بايدن، وهو أمر سيحاول الجمهوريون التفاعل معه في أي مسألة أو قرار يستلزم تعاوناً مع الديمقراطيين، لكسب المزيد، خصوصاً في ملفات مثل الرعاية الصحية والنمو الاقتصادي والعلاقة التجارية مع العالم ومكافحة فيروس كورونا عبر إجراءات الإغلاق من عدمه. وشدّد سايب على أن بايدن هو الوحيد القادر على إيجاد أرضية مشتركة بين الحزبين في كل هذه الملفات، بما فيها الملفات الخارجية، من أفغانستان والعراق وفلسطين والملف النووي الإيراني، وصولاً إلى العلاقة مع الصين، التي تبدو أولوية لدى بايدن.


يخشى بايدن انقسام الديمقراطيين مستقبلاً

مع ذلك، تبدو العراقيل واضحة، وفقاً لوكالة "أسوشييتد برس"، التي تطرقت إلى طلب بايدن من مجلس الشيوخ "الموافقة الفورية" على تعيين أعضاء الإدارة الجديدة. لكن الجمهوريين رفضوا العمل بالسرعة نفسها، بل عملوا على تحديد شروط النقاش وتحديد ثمن أصواتهم. وربما كان الاختبار الأهم هو رفض الجمهوريين الموافقة على تعيين نيرا تاندين رئيسة لمكتب الإدارة والميزانية، المُشرف على الإنفاق الفيدرالي واللوائح الفيدرالية، بسبب "تطرفها الحزبي"، الذي وصل إلى حدّ نعت ماكونيل بـ"موسكو ميتش". كما تعرّض مرشح بايدن لوزارة الخارجية، أنتوني بلينكن، لانتقادات جمهورية. مع ذلك، لا تبدو الأبواب مغلقة بالكامل، فالجمهوريون يؤيدون تعيين جانيت يلين كأول وزيرة خزانة في التاريخ، التي توافق عليها الحزبان في عام 2014 حين عُينّت رئيسة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي سابقاً).

وتنتظر بايدن مهمة صعبة داخلياً أيضاً، فالأجنحة المتصارعة في الحزب الديمقراطي اتحدت في مواجهة ترامب حصراً، ومن المحتمل أن يبدأ مسلسل انقسامها بعد بدء عهد الرئيس المنتخب، بسبب تعدّد خياراتها السياسية. في المقابل، يفسح ماكونيل المجال للنجوم الصاعدة في الحزب الجمهوري، خصوصاً المحافظين منهم، للتقدم، لعلّ أبرزهم ماركو روبيو. وفي وسع هؤلاء الاعتماد على قاعدة ترامب لتسويق التشدّد الجمهوري في الكونغرس بغرفتيه.

في السياق، رسم رئيس "اللجنة الوطنية الجمهورية" الأسبق ريتشارد بوند خريطة عمل الحزب الجمهوري في الكونغرس، في مقالٍ على موقع قناة "سي أن أن". في البداية دعا أعضاء الحزب لتجاوز خسارة ترامب وتهنئة بايدن ونائبته كامالا هاريس، معدّداً المكاسب الجمهورية. واعتبر أن السيطرة على مجلس الشيوخ ستستمرّ. وأضاف أن الجمهوريين حصلوا على 13 مقعداً جديداً في مجلس النواب، مع وجود سباقين لم يُحسما بعد في نيويورك وأيوا. وهنا رجّح بوند أن تمنح هذه النتائج بيلوسي أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، في ظلّ انقسام ديمقراطي مرتقب، ما يعبّد الطريق أمام فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية بعد عامين. ورأى بوند أن هناك أسباباً تدعو الجمهوريين للتفاؤل في المستقبل القريب، بقدرة الحزب على عرقلة سياسات بايدن الليبرالية في مجلس الشيوخ.