التطبيع مع مجرم

28 يوليو 2024
تظاهرة في إدلب ضد بشار الأسد، 13 مايو 2023 (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تسارع التطبيع الدولي مع نظام بشار الأسد**: الدول تتهافت لإعادة العلاقات مع النظام السوري، بدءاً من الأردن بضوء أخضر أميركي، مما أدى إلى إعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية.
- **تغير الموقف الأميركي والأممي**: الإدارة الأميركية والأمم المتحدة تبنتا مقاربة "خطوة بخطوة" الأردنية، مع طرح صندوق "التعافي المبكر" لدعم النظام.
- **مفارقات التطبيع**: رغم زيادة جرائم النظام، يتم تبرير التطبيع بطول الأزمة، مما يحول الأزمة الإنسانية إلى بازار سياسي بين الدول والنظام السوري.

يسير قطار التطبيع الدولي مع نظام بشار الأسد بخطى متسارعة، وتتهافت الدول تباعاً، وكأنها في سباق لحجز مقعد فيه، قبل أن يفوتها ذلك القطار. ورغم محاولة روسيا (الحليف الأبرز للنظام) تعويمه دولياً منذ سنوات، إلا أن الأردن وبضوء أخضر أميركي كان أول من أعطى الدفعة الأولى لهذا القطار، من خلال فكرة إعطاء محفزات للنظام بالتدريج مقابل تغيير سلوكه تدريجياً. ويبدو أن هذه الفكرة كان ينتظرها المجتمع الدولي بأسره، فأعاد العرب لبشار الأسد مقعد سورية في جامعة الدول العربية، وأعادت العديد من الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، تونس، والأردن، والإمارات، والسعودية، والبحرين وغيرها، وتم تشكيل لجنة عربية مشتركة مع النظام لمتابعة الخطة الأردنية.

أما الإدارة الأميركية التي كانت تعتبر بشار الأسد مجرماً، وسنّت تشريعات لمعاقبة نظامه، فقد غيّرت خطابها تجاه الأسد بعد المبادرة الأردنية، وبدأت تطالب بتغيير سلوكه، وحتى الأمم المتحدة تأثرت بالفكرة فطرح مبعوثها الأممي إلى سورية غير بيدرسن خطة "خطوة بخطوة" التي تقوم على نفس المقاربة الأردنية، وبدأ يروج لها مدخلاً لحل سياسي للقضية السورية. ولم تكتف الأمم المتحدة بهذا الطرح، بل وجدت حلاً سحرياً آخر للالتفاف على العقوبات على الأسد، فطرحت فكرة إنشاء صندوق تحت مسمى التعافي المبكر، يتم من خلاله دعم النظام بغطاء أممي ويساعده على النهوض مجدداً.

بالتزامن مع هذا التسارع في ملف التطبيع مع النظام، بدأت تركيا التي تحتضن المعارضتين العسكرية والسياسية ضد النظام، بتسريع مسار التطبيع معه، وبتوجيه رسائل تطلب ودّه، وتذكّره بأيام العلاقات الممتازة بين البلدين والعلاقات العائلية بين رئيسي البلدين. وفي زحمة التهافت الدولي على نظام الأسد طلبت ثماني دول في الاتحاد الأوروبي من الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، تعيين مبعوث لها إلى سورية، من بينها إيطاليا، إحدى دول مجموعة الدول السبع الكبار التي كانت السباقة في هذا المجال بتعيينها، أول أمس الجمعة، ستيفانو رافانينان سفيراً لدى النظام السوري.

هذا السباق نحو التطبيع مع النظام ينطوي على الكثير من المفارقات، أبرزها أن سبب قطع العلاقات لم يُزَل، بل على العكس زادت جرائم النظام أضعاف ما كانت عليه حين تم قطع العلاقات معه. كما أن تبرير التطبيع بطول مدة الأزمة هو مبرر يقوم على إعادة تأهيل المسبب بالأزمة. كذلك فالتطبيع بصيغته الحالية يقوم على تحويل أزمة إنسانية حقوقية لملايين السوريين إلى بازار سياسي بين دول تدّعي حماية حقوق الإنسان وبين مجرم قام بانتهاكها، وفي حال كانت مصلحة الدول المطبّعة هي من تحكم هذا المسار، فالمفارقة هنا أن النظام لم ولا يستطيع تقديم أي من متطلبات هذه الدول، الأمر الذي يجعل المبرر الوحيد له هو أن هذا النظام مجرم والمجتمع الدولي عاجز عن ردعه.

المساهمون