الترشح لبرلمان سعيّد.. شروط تعجيزية أمام التونسيين

26 سبتمبر 2022
تبدأ اليوم رسمياً مرحلة جمع التزكيات اللازمة للترشح للانتخابات (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

بدأت تونس رسمياً مرحلة الانتخابات التشريعية، أمس الأحد، بمنع الإشهار السياسي ونشر سبر الآراء المتعلق بنتائج الانتخابات، وسط مقاطعة غير مسبوقة من أهم الأحزاب التي شكلت البرلمانات السابقة بعد الثورة.

وتبدأ اليوم الإثنين رسمياً مرحلة جمع التزكيات اللازمة للترشح للانتخابات التي فرضها القانون الانتخابي الجديد. ويُفرض على كل مرشح للبرلمان المقبل جمع 400 تزكية، تكون مناصفة بين النساء والرجال، ومصحوبة بالتعريف بالإمضاء، ويكون ربعها من الشباب تحت 35 سنة.

وأكد رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، في تصريح صحافي، أنه انطلاقاً من اليوم الإثنين 26 سبتمبر/أيلول 2022، سيتم تخصيص 278 عوناً مكلفاً بالتعريف بالإمضاء الخاص بالتزكيات للترشح للتشريعية، في كل معتمديات الجمهورية، أي بمعدل عون بكل معتمدية، إلى جانب مكاتب التعريف بالإمضاء في الدوائر البلدية.

وأعلن بوعسكر أن "مجلس الهيئة قرر تمكين المرشحين في الدوائر الانتخابية في الخارج من جمع التزكيات عن بعد من خلال المنصة الإلكترونية"، مؤكداً أن "هذه المنصة ستكون قادرة على جمع التزكيات، نظراً لصعوبة التعريف بالإمضاء بالنسبة للمواطنين بالخارج".

مخاوف من العزوف عن التقدّم للانتخابات

وتثير هذه الشروط وغيرها مخاوف من عزوف غالبية التونسيين عن التقدّم لهذه الانتخابات، وقد وصفت بالتعجيزية والمجحفة؛ حتى إن منظمة "البوصلة" المتخصصة في الانتخابات اعتبرت أن "القانون الانتخابي يؤسس لمجلس رجالي من أصحاب الأموال والولاءات والقبلية".

ونشرت المنظمة، الأسبوع الماضي، ورقة دراسية خاصة بالانتخابات اعتبرت فيها أن "شروط الترشح للانتخابات التشريعية، وخصوصاً شرط الـ400 تزكية، تعجيزية على المستويين التقني العملي، وعلى مستوى حصر التزكيات في ناخبات وناخبي دائرة بعينها، في حين أن تمثيليّة النائب وطنيّة"، مشيرة إلى أنه "كان من الأجدى عدم ربط التزكيات بالتقسيم الترابي".

وأشارت إلى أن "تجميع هذه التزكيات سيجعل من الترشح حكراً إما على الدوائر الماليّة القانونيّة، أو الموازية، أو على دوائر الوجاهة القبليّة أو العشائريّة أو العائليّة". وأضافت أن إلغاء التمويل العمومي والحفاظ فقط على إمكانية التمويل الذاتي والخاص "سيُميلان الكفة لصالح الشبكات الماليّة والعشائريّة، على عكس ما أريد منه بتخفيض تكلفة الانتخابات".

وتسببت هذه الشروط في ضغط إضافي على هيئة الانتخابات نفسها، واعتبر الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري أن من بين شروط الترشح شروط عادية مثل بطاقة عدد 3 (الخاصة بالسوابق العدلية) أو شهادة الإبراء من البلدية والجباية، وكلها مسائل عادية، ولكن ما سيقلق ربما هو جمع الـ400 تزكية، وخصوصاً في الخارج".

وأوضح التليلي، لـ"العربي الجديد"، أن العدد صعب تحصيله، خصوصاً في الخارج حيث هناك 46 دولة و5 قارات، وهناك بُعد جغرافي وعملية الحصول على تزكيات واشتراط التعريف بالإمضاء عند الهيئة أو البلدية عملية صعبة للغاية، ولكن الهيئة تعمل على تسهيلها من خلال القرارات الترتيبية".

وذكّر التليلي بأن "هناك في الخارج من نجح في انتخابات سابقة بحوالي 200 صوت فقط، وبالتالي هناك إشكال في التزكيات، وكذلك اشتراط 200 رجل و200 امرأة و25% أقل من 35 سنة، مع ضرورة ألا يمنح المواطن تزكيته إلا مرة واحدة، وهذا سيقود إلى تسابق في الحصول على التزكيات"، قائلاً عن المخاوف من أن يقود ذلك إلى شراء هذه التزكيات، إن "المرسوم حدّد عقوبات جزائية بخصوص تلقي الإعانات النقدية والعينية تصل إلى 5 سنوات سجن، لأن هناك مخاوف من الانحرافات والمال".

واعتبر الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات أنه "كان بالإمكان الاكتفاء بـ100 أو 200 تزكية، وكانت لتكون مقبولة"، كاشفاً عن أن "مقترح الرئاسة الأول على هيئة الانتخابات كان بالفعل 200 تزكية فقط، ولكنه تغير بعد ذلك".

وتابع أن "الدوائر صغيرة، والعملية صعبة، وقد لا نجد عدداً مهماً من المرشحين، وهذا سيؤثر في عددهم، وسيحد منه، وهناك في المقابل رأي آخر يرى أنه لو كانت العملية أبسط، لكنا سنرى أعداداً كبيرة من المرشحين، ولذلك ربما تم الذهاب في اتجاه تحصيل أكثر جدية في الترشح، ولكن تبقى 400 تزكية صعبة، خصوصاً في الخارج".

قانون انتخابي على مقاس دستور 25 يوليو

من جهته، قال مدير مرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "طالبنا سابقاً بتعديل شروط الترشح للانتخابات بهدف ترشيد الترشحات، ولكن عبر هذا المرسوم، نشعر أن هناك تضييقاً على الترشح، خصوصاً لجهة طلب 400 تزكية معرّفة بالإمضاء في البلدية أو لدى هيئة الانتخابات الفرعية، ووضع شرط التناصف بين الجنسين، وهذا أمر لا مبرر له".

وبيّن أن "التزكية تُعتمد في الترشح للرئاسيات، التي يكون عدد المرشحين لها محدود، وحتى يثبت المرشح جديته، بينما في الانتخابات التشريعية، فالأصل فيه إتاحتها أمام الجميع متى توفرت فيهم الشروط الدنيا في القانون".

ولفت إلى أن "التمويل العمومي كان متاحاً في السابق قبل انطلاق الحملة الانتخابية، ثم بعد تعديل 2017، أصبح التمويل لاحقاً بنظام استرجاع المصاريف بتقديم ما يفيد صرف تلك الأموال، ولكن اليوم مُنع التمويل العمومي، وهذا سيحدّ من الترشحات، وسيصعّب على المواطن العادي الترشح". وشدد الهرابي على أن "هذا سيفتح المجال لمن يمتلك المال والقدرة والإمكانيات، خصوصاً لتأمين نقل المزكين الـ400 إلى مقر البلدية للتعريف بالإمضاء، وهو ما يتطلب مصاريف لا يقدر عليها المواطن العادي".

وفي سياق متّصل، اعتبر أن "عملية سحب الوكالة من النواب التي طرحها القانون الانتخابي الجديد ليست عملية أيضاً، وهي غير ممكنة، باشتراط جمع توقيعات عُشر الناخبين، وأن تكون كذلك معرّفة في عريضة أو للهيئة الفرعية للانتخابات لسحب الثقة من النائب".

وشدد الهرابي على أن "القانون الانتخابي فُصّل على مقاس دستور 25 يوليو/تموز، الذي يتحدث عن الوظيفة التشريعية وليس عن سلطة تشريعية، وعند قراءة المرسوم الانتخابي الذي يستجيب لهذا الدستور، نستنتج أنه سلب من النائب حرية النظر في الشأن العام، ففي دستور 1959 ودستور 2014، يترشح النائب عن جهته، ولكنه يصبح نائباً عن كامل البلاد، يناقش الشأن العام والسياسيات العامة والاتفاقيات الدولية"، مستطرداً: "أما اليوم، فسيصبح نائباً خاضعاً لناخبيه وموظفاً لديهم، يسحبون منه الوكالة متى شعروا أنه لا يستحق البقاء".

وشدد على أن "هذا ليس دور النائب المشرع للقوانين والمدافع عن الحقوق والحريات، وهو ليس مسؤولاً عن التنمية في جهته، وإنما هي الدولة والسلطة التنفيذية".

ولفت إلى أن "هذا القانون الانتخابي لا يمكن أن يكون تعددياً ديمقراطياً، بل هو على مقاس 25 يوليو"، مشيراً إلى أن "مرسوم الغرفة الثانية، المجلس الوطني للجهات والأقاليم، لم يصدر حتى الآن، وهذا غير مفهوم".

المساهمون