أوصى البرلمان اللبناني، اليوم الخميس، بمضي حكومة تصريف الأعمال قدماً بمهامها وفق الأصول الدستورية من قبل الرئيس نجيب ميقاتي، وذلك بعد تلاوة ومناقشة رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون التي وجهها، الأحد الماضي، قبيل مغادرته قصر بعبدا، مشدداً على أنّ الأولوية تبقى لانتخاب رئيس للبلاد.
كذلك، حدّد رئيس البرلمان نبيه بري يوم الخميس المقبل موعداً لعقد جلسة خامسة لانتخاب رئيس للجمهورية، معلناً أنّ الجلسات ستكون أسبوعية، وذلك بعدما سقطت دعوته لحوار نيابي موسّع للوصول إلى رئيس توافقي، مع ملاقاته اعتراضاً من قبل "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل)، وحزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع).
وقال بري: "لن يمرّ أسبوع إلا وستكون هناك جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس بدءاً من الأسبوع المقبل"، آملاً أن "لا تتحول القصة إلى مسرحية والجميع يعرف أين هي العقدة، والعقد يجب أن تحلّ وإذا لم يحصل تراجع من هنا وتراجع من هناك فلن نصل إلى حلٍّ".
وتلا بري نصّ الموقف الذي اتخذه مجلس النواب بإجماع الحضور، الذي تركز على أنّ أي موقف يطاول تكليف ميقاتي وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم، من هنا "الحرص على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة"، وذلك في موقفٍ شبيه للبرلمان يوم وجّه عون رسالة شبيهة لسحب التكليف من سعد الحريري عام 2021.
وسُجِّل انسحاب حزب "الكتائب اللبنانية" (يرأسه النائب سامي الجميل) والنواب التغييريين وعدد من النواب المستقلّين من الجلسة، بينما قاطع نواب آخرون ولم يحضروا إلى البرلمان، بينهم النائبان التغييريان نجاة عون صليبا ومارك ضو، معتبرين أنّ الجلسة تدور في خانة تصفية حسابات سياسية ومحاولة جر البلاد إلى صراع طائفي، وأنّ المجلس يعتبر هيئة انتخابية لا اشتراعية ويترتب عليه انتخاب رئيس من دون مناقشة أي عملٍ آخر.
وناقش البرلمان اللبناني، اليوم الخميس، رسالة عون حول استقالة الحكومة، وطلبه سحب التكليف من الرئيس ميقاتي، بحيث تركزت الآراء على أنه لا يمكن سحب التكليف من ميقاتي، كما أنّ الحكومة ستبقى تمارس مهامها لكن بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال وتسيير المرافق العامة، من دون أن تجتمع.
وشهدت الجلسة سجالات حادة خصوصاً بين باسيل والنائبة ستريدا جعجع، على خلفية اقتراح باسيل أن يحوز الرئيس على الموافقة المسيحية على غرار ما يحصل عند انتخاب رئيس البرلمان، فعندها اعتبرت جعجع أنّ الرئيس يكون بهذه الحالة زوجها سمير جعجع، باعتباره صاحب التمثيل الأكبر مسيحياً.
كذلك، حصل سجال بين باسيل وميقاتي على خلفية عملية تشكيل الحكومة، وسط تبادل اتهامات بالتعطيل، بحيث اعتبر باسيل أنّ ميقاتي كان يعلم منذ البداية أنه لن يحوز على ثقة المكوّن المسيحي، و"مع ذلك لم يناقشنا ولم يعتذر"، فكان أن ردّ ميقاتي بأنه "طالما أنها كانت رغبتك لم أقم بذلك".
وقال باسيل بعد الجلسة إنّ "الرسالة كانت تهدف إلى تفادي سابقة دستورية، ها هو يقع بها البلد اليوم، وأتت لتحقيق أمرين؛ إما حثّ المجلس النيابي على انتخاب رئيس، أو اتخاذ الموقف الملائم بموضوع تأليف الحكومة".
وأضاف أنّ "عدم وجود إرادة بتشكيل حكومة ضربة كبيرة للدستور أدت لفراغ رئاسي، فوقه فراغ حكومي، وحصل اعتراف من الجميع اليوم بأنّ الحكومة لم يعد بإمكانها الاجتماع إلا إذا حدث أمر طارئ بموافقة كل المكونات"، معتبراً أنه "إذا حصلت مصيبة معينة، يصبح المكون المعترض متهماً وإذا اجتمعت الحكومة، نكون كرّسنا خرق الدستور".
وقال باسيل أيضاً: "أمرٌ جيدٌ أن يصدر عن المجلس النيابي أنّ هذه الحكومة لا تستطيع أن تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، لكن يبقى المجلس النيابي سلطةً دستوريةً في البلاد، يكون عليه إيجاد الحلول محلّ الحكومة ربما بتشريع، فهل هذا هو الدستور وهل هذا هو التوازن بين السلطات؟"، معتبراً أن "ما يجري ضرب ونحر للدستور".
وأردف: "أمرٌ جيدٌ تعيين جلسة الخميس المقبل وعلينا جميعاً العمل للتوافق على انتخاب رئيس، فلا حل للموضوع الرئاسي إلا بالتوافق، لكن لا نشجع على انتخاب أي رئيس فنحن وضعنا أولوياتنا الرئاسية، ومن ضمنها الصفة التمثيلية المباشرة أو بالتجيير، وهناك أشخاص كثيرون يمكن دعمهم".
من جهته، قال النائب سامي الجميل إنّ "الهدف من الجلسة خلق إشكال طائفي بين اللبنانيين لأنّ المطلوب أخذ البلد إلى التوترات، وانطلاقاً من هنا، رفضنا هذه الجلسة بالسياسة والدستور، وانسحبنا منها اعتراضاً على عقدها، وسنواصل سعينا لانتخاب رئيس في أسرع وقتٍ ممكن".
ولفت، في مداخلة له قبل انسحاب كتلته النيابية من الجلسة، إلى أنه "يجب ملء الفراغ في البلد وليس تنظيمه، وأي اجتماع للنواب تحت سقف المجلس يجب أن يكون لانتخاب رئيس من دون الشروع في أي عمل آخر".
كذلك، قال النواب التغييريون؛ إبراهيم منيمنة، إلياس جرادي، بولا يعقوبيان، حليمة القعقور، رامي فنج، فراس حمدان، ميشال دويهي، ملحم خلف، وضاح صادق، ياسين ياسين، إنّ "المجلس النيابي تحوّل، منذ منتصف ليلة 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى هيئة انتخابية ملتئمة بشكل دائمٍ لانتخاب رئيس الدولة، ليس إلّا، ولا تحق له مناقشة أي أمرٍ ولا يحق له القيام بأي عمل سواه".
من جانبه، ورداً على مداخلات النواب التي سبقت مناقشة رسالة عون، والذين وضعوا الجلسة في دائرة جر البلاد إلى صراع طائفي، قال بري "إن شاء الله النوايا منيحة (جيّدة)، وسبق أن ناقشنا من قبل رسائل مماثلة وما صار شيء"، سائلاً: "هل يعتقد أحد أنني قد أعدو إلى أمر طائفي؟".
ويقول النائب في كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها بري) محمد خواجة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس البرلمان يطبّق الدستور، وقام بواجباته لناحية الدعوة إلى جلسة ضمن مهلة 3 أيام بعد تسلّمه رسالة رئيس الجمهورية، وهو ملزمٌ بذلك، لكن المفارقة كانت بتوجيه عون رسالة وهو يغادر قصر بعبدا، إذ يفترض أنه يريد جواباً عليها، لكنه لم يعد رئيساً، ولم يعد هناك أي جواب عملياً".
وحول إلغاء دعوة بري للحوار، يقول خواجة: "لا حل إلا بالتوافق، عقدنا 4 جولات انتخابية، يمكن اعتبارها بمثابة بروفا، أثبتت أن لا فريق نيابياً قادر بمفرده، ضمن كتلة أو أكثر، على إيصال مرشحه إلى الرئاسة، ما يفرض الذهاب إلى التوافق".
ويشير خواجة إلى أنه "لو دعا بري خمسين مرة لعقد جلسة، فإنّ المشهد نفسه سيتكرر، لأنّ لا حلّ إلا بالتوافق والحوار، ومن لديه حل آخر فليطرحه".
وفي هذا السياق، ورداً على مطالبة كتل نيابية بعقد جلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس، يكرّر: "لو عقدنا جلسات على مدى 50 عاماً فلن ننتخب رئيساً إلا بالتوافق"، معتبراً أنّ الحضور أو عدمه يعود للنائب والكتلة التي تمثله، والورقة البيضاء كالتصويت تعبير عن موقف، والحديث عن جلسات مفتوحة "سخيف".
ويردف خواجة هنا: "لو سلّمنا جدلاً، رغم استبعادي ذلك، أنّ فريقاً استشعر أنّ فريقاً آخر قادر على حصد الـ65 صوتاً لفوز مرشحه، فهل يؤمن له نصاب غالبية الثلثين أي ما يعادل 86 نائباً من أصل 128 لعقد الجلسة؟ من هنا، فإنّ الحوار ضرورة وإلزام وليس خياراً، وفي النهاية الكل سيعود إلى الحوار فلا خلاص إلا من خلاله".
كذلك، يرى النائب بلال عبد الله (يمثل الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط) أنّ الرئيس بري "ملزم من حيث الشكل بعقد الجلسة اليوم وفق أحكام الدستور، ولو أننا نرى أن لا لزوم لها في المضمون".
كما يلفت إلى أنّ "الرئيس بري حريص على الميثاقية، وعند تمنع كتلتين مسيحيتين أساسيتين في مجلس النواب عن الحضور، فضّل عدم عقد حوار، فالمطلوب ليس حواراً إسلامياً بل وطنياً"، مشدداً في المقابل على أنّ المطلوب الاستمرار في الاجتماع لانتخاب رئيس.
ويؤكد النائب عن الحزب الاشتراكي التمسّك في الوقت الحاضر بالنائب ميشال معوّض مرشحاً لرئاسة الجمهورية، مشيراً إلى أنّ "أي اسم آخر لم يطرح علينا لمناقشته، وهناك أطرافاً يملكون خبرة في الفراغ الرئاسي، لكن البلد اليوم لا يحتمل ذلك وهو يحتضر".