يواجه البرلمان العراقي اتهامات بمحاولة الهيمنة على المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وهي إحدى الهيئات المستقلة في البلاد، وساهمت في تغطية بعض الانتهاكات التي رافقت الاحتجاجات العراقية التي اندلعت قبل عامين، فضلا عن متابعتها ملفات أخرى متعلقة بحقوق الإنسان، كحرائق المستشفيات التي تسببت بسقوط ضحايا وجرائم التعذيب في السجون.
هذه الاتهامات جاءت بعد قرار مجلس النواب في يوليو/ تموز الماضي تجميد عمل مجلس المفوضين في المفوضية بسبب انتهاء ولايته، وعدم اختيار مجلس مفوضين جديد، وأعقب ذلك قيام رئاسة البرلمان بتكليف أحد موظفي مجلس النواب بتولي تسيير المهام الإدارية والمالية في المفوضية.
وقال عضو مجلس مفوضية حقوق الإنسان المنتهية ولايته علي البياتي إن "إخفاق البرلمان في تشكيل مجلس مفوضين جديد ليس مبررا لأن يتدخل في عمل المفوضية"، واصفا ذلك بـ"الخرق الواضح للدستور وقرار المحكمة الاتحادية".
وأشار في حديث لصحيفة "الصباح" الرسمية، اليوم السبت، إلى أن "البرلمان يمارس اليوم دورا إداريا في المفوضية من خلال (المخول الإداري) الذي تم تنصيبه من قبله، ومنحه مهام إدارة المفوضية بعيدا عن الدور الرقابي".
وتساءل البياتي: "إذا كان البرلمان هو الذي يدير هذه المؤسسة المختصة بحقوق الإنسان، فمن سيراقبها إذا؟".
ووفقا للمادة 102 من الدستور العراقي، فإن "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" تعد هيئة مستقلة، يقوم البرلمان بمراقبتها، وتنظم أعمالها بقانون خاص.
وتنص تفسيرات دستورية سابقة للمحكمة الاتحادية العليا في العراق على أن الهيئات المستقلة، ومنها المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة، تتمتع باستقلالية تامة من ناحية العمل والإدارة، مع الاحتفاظ بحق البرلمان في مراقبتها.
مسؤول سابق في مفوضية حقوق الإنسان أكد أن قرار ربط المفوضية بالبرلمان يمثل محاولة واضحة للهيمنة على عملها، خاصة مع قرب انتهاء عمل البرلمان، ما يجعلها معلقة عدة أشهر أخرى غير قادرة على الرصد أو ممارسة أي نشاط، موضحا لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن السنوات السابقة شهدت محاولات متكررة من البرلمانات والحكومات المتعاقبة للسيطرة على قرار المفوضية لمنعها من إثارة القضايا المتعلقة بالانتهاكات التي تشهدها البلاد.
وتابع أن "التقارير الدورية التي كانت تصدرها مفوضية حقوق الإنسان بشأن سقوط قتلى ومصابين خلال التظاهرات بنيران قوات الأمن وجهات أخرى، وتغطيتها مكامن خلل أخرى في مجال حقوق الإنسان، دفعت السلطات للتفكير بمحاولة السيطرة عليها"، مبينا أن ربطها بالبرلمان، وإن كان بشكل مؤقت، يلغي صفة "الاستقلالية" عن مفوضية حقوق الإنسان.
وكلفت رئاسة البرلمان العراقي، الشهر الماضي، مدير الشؤون الهندسية في مجلس النوب بلال كنعان بشير بتسيير الشؤون المالية والإدارية في مفوضية حقوق الإنسان لحين تشكيل مجلس مفوضين جديد، من دون تحديد موعد لذلك.
وفي يوليو/ تموز، أنهت رئاسة البرلمان عمل مجلس المفوضين في مفوضية حقوق الإنسان، ومنعتهم من ممارسة أية مهام إدارية أو مالية.
وقال رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان في العراق مصطفى سعدون، في وقت سابق، إن "عمل مفوضية حقوق الإنسان واختيار الأعضاء في مجالس المفوضية، إضافة إلى القرارات التي تصدر بحق المفوضية، تخضع لإرادة سياسية، لا سيما العراقيل التي تؤدي إلى تراجع العمل أو إيقافه، وهو ما يؤثر سلباً على متابعة ملفات حقوق الإنسان، ومراقبة الأداء العملي والإداري الحكومي في دوائر رسمية كثيرة، من ضمنها السجون ودور الإيواء وغيرها". وتابع "لا بد من إيجاد حلّ للتوقف الحالي الذي أصاب المفوضية، واتخاذ إجراءات لعودة عملها، سواء بتمديد مدة عملها مجدداً أو اختيار مفوضين جدد، إضافة إلى منع التدخل السياسي في العمل الحقوقي، لأنه ينتج إهمالاً وكسلاً وتغاضياً عن كل الانتهاكات والجرائم التي ترتكب".