البرلمان التونسي يصدّق على قانون لإلغاء الإجراءات الرئاسية

30 مارس 2022
الرئيس التونسي جمّد عمل البرلمان التونسي (ياسين محجوب/ فرانس برس)
+ الخط -

صدّق البرلمان التونسي، مساء الأربعاء، بأغلبية 116 صوتاً على "قانون يلغي جميع الأوامر الرئاسية والمراسيم" الصادرة عن الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ 25 يوليو/ تموز 2021.

ويحتاج تمرير القوانين العادية في البرلمان أغلبية لا تقلّ عن ثلث أعضاء البرلمان، أي أكثر من 73 نائباً من جملة 217 عضواً.

وانطلقت الجلسة العامة للبرلمان التونسي عن بعد عبر الإنترنت، مساء اليوم الأربعاء، لمناقشة "إلغاء الإجراءات الاستثنائية" التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز الماضي، واستفرد من خلالها بالحكم، وذلك بمشاركة 121 نائباً من أصل 217.

وعقد البرلمان التونسي جلسته برئاسة النائب الثاني طارق الفتيتي (كتلة الإصلاح الوطني)، حتى تتسنى مشاركة بقية النواب المعارضين لرئاسة راشد الغنوشي للجلسة أو نائبته الأولى سميرة الشواشي عن حزب قلب تونس، وخصوصاً من نواب التيار الديمقراطي وعدد من المنتمين إلى كتلتي تحيا تونس والإصلاح.

مداخلات النواب

وجرت الجلسة عن بعد بحضور 123 نائبا، بحسب ما أعلنه الفتيتي، مشيرا إلى حدوث صعوبات تقنية وتشويش على الجلسة، كما أكد أن عدول تنفيذ واكبوا الجلسة في محضر رسمي.  

وقال الفتيتي "تونس شهدت منذ 25 يوليو منعرجات خطيرة انتهت بعد 8 أشهر إلى أزمة عميقة ومركبة تهدد الدولة بضرب كيانها ومؤسساتها وتهدد المواطن في قوته ومعاشه اليومي، فوضعنا يقترب من الإفلاس والأرقام السيادية تقترب من القاع وشعبنا قد يواجه مجاعة ممكنة ومرتقبة". 

وبين أنه "من هذا المنطلق وإحساسا بالمسؤولية الملقاة عن عواتقنا، نجتمع ونحن غير بعيدين عن ذكرى الشهداء في 9 إبريل (نيسان) المقدسة التي طالب فيها التونسيون ببرلمان وبفصل السلطات".

ودعا الفتيتي إلى "حوار وطني شامل لإخراج البلاد من أزمتها ولتجنيبها الانزلاق والمطبات".

وشكر النائب عن كتلة تحيا تونس وليد جلاد، في مداخلته، "النواب المشاركين لتغليب علوية الدستور على كل مؤسسات الدولة"، مضيفا أن "هذه الجلسة ليست لتنازع الصلاحيات ولا لتقسيم التونسيين وليس لتكريس تجربة ثانية كما حدث في الشقيقة ليبيا، بل إن البرلمان منعقد اليوم بمعنى البند 80 في حد ذاته الذي يؤكد على أن البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم في الحالات الاستثنائية".

وشدد جلاد على أن "هذه الجلسة تطبيق للدستور ولا ولاء إلا لتونس ولدستورها"، مشيرا إلى أن "الدستور يتعارض مع الأوامر الرئاسية، وبالتالي فإن احترام الدستور أولى من المؤسسات لأنه العقد الاجتماعي الذي يوحدنا"، كما أن الدستور "لا يتحدث في أي بند يسمح بتسيير الرئيس البلد بالمراسيم، وبالتالي فإنها ملغاة جميعها". 

وأكد رئيس كتلة النهضة عماد الخميري على "ضرورة وقف العمل بالإجراءات الاستثنائية"، داعيا إلى "حوار وطني شامل لتجنب الانهيار".

كما أكد أن "حكومة نجلاء بودن فاقدة للشرعية وعاجزة وليست لديها رؤية لإخراج تونس من أزمتها".

وبين رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، في كلمته، أن "ذكرى 25 يوليو كانت رمزا لقيام الجمهورية وأصبحت مع سعيد رمزا للانقلاب على الدستور والسطو على كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالقوة، وتدمير مبدأ الفصل بين السلط وتحطيم مؤسسات الدولة".

وقال النائب عن التيار الديمقراطي سفيان المخلوفي إنه "علينا أن نعترف بأن كل مؤسسات الدولة قبل 25 يوليو كانت في أزمة وعطب وفي وضع مفزع، وأن البرلمان كان في عطب وطغا عليه سوء الإدارة والتنازع، ما أعاقه عن أداء ما انتخب من أجله وكان سبب الأزمة التنازع بين مختلف المؤسسات".

وبين أنه "يجب وقف الإجراءات الاستثنائية والعودة للدستور والذهاب للحوار دون إقصاء لأي كان ومحاسبة كل من أجرم وكل من سرق مقدرات الدولة ثم نمر إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة بعد الاتفاق على قانون انتخابي يسمح باستقرار ديمقراطي".

وقال النائب المستقيل من النهضة سمير ديلو إن "الأخطار التي تحدق بالبلاد بسبب الإجراءات الاستثنائية هي أخطر من الأزمة التي كانت قبل 25 يوليو"، مستغربا من "اعتبار ممارسة البرلمان لدوره الدستوري تنازعا للشرعيات".

وبين أن "الشرعية الدستورية ليست وقودا لمعركة ولا سلاحا لحرب سياسية بل هي الأرضية التي تمارس عليها الديمقراطية وبتجاهلها تكرس برنامجا أحاديا فرديا".

وقال النائب عن الكتلة الوطنية مبروك كرشيد، في مداخلته، إنه يشارك "لا ليدافع عن المجلس في صبغته السابقة ولا عن الدستور لأنه لم يعط نجاعة ولم يخدم التونسيين من حيث حياتهم ومصالحهم ونجاعة السلط؛ بل بسبب حزمة المراسيم التي انهالت وكشفت بشكل سافر أن تونس إزاء مشروع فردي يستهدف التمكن من جميع مفاصل الدولة".

ووصف كرشيد مراسيم سعيد بالتنكيل بالدولة، "سواء الشركات الأهلية أو الصلح الجزائي، الذي سيضع كل رجال الأعمال تحت إمرة الرئيس أو قانون المضاربة الخطير"، قائلًا: "نحن نشهد على مشروع انهيار الدولة، ما يستوجب الوقوف سويا حتى لا نذهب إلى 10 سنوات مظلمة من تاريخ تونس".

نص القانون

وتضمن مقترح القانون بندين، ينص الأول على أنه "تلغى جميع الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من تاريخ 25 يوليو 2021، وبالخصوص الأوامر عـدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 يوليو 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب، والأمر عدد 109 لسنة 2021 المتعلق بالتمديد في التدابير الاستثنائية، والأمر عدد 117 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر/ أيلول 2021 المتعلق بتدابير استثنائية، والمرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فبراير/ شباط 2022 المتعلق بإحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء".

فيما ينص البند الثاني على نشر هذا القانون بالرائد الرسمي وجميع المواقع وأنه يدخل حيز التنفيذ منذ التصويت عليه.

وبعد التصديق على قانون إلغاء المراسيم الرئاسية، صدّق النواب على لائحة معروضة عليهم بـ113 صوتاً، مع تحفّظ صوت واحد ودون أي اعتراض، فيما لم يتمكن بقية النواب من التصويت.

وتقول اللائحة إن "نواب الشعب التونسي المجتمعين في جلسة عامة لمجلس نواب الشعب بتاريخ الأربعاء 30 مارس (آذار) 2022 وعملاً بأحكام الفصول 3 و51 و80 من الدستور، وبموجب التخويل الدستوري لمجلس نواب الشعب بعقد اجتماعاته بقصر باردو وفي غيره في الظروف الاستثنائية، وبناءً على القرار السابق للجلسة العامة بعقد الجلسات العامة عن بعد، وعلى اعتبار أن مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم عملاً بصريح الفصل 80 من الدستور، فإنّ نوّاب الشّعب التّونسي المنتخبين: أوّلاً: يعتبرون أن بلادنا تعيش في هذه المرحلة أزمة متعددة الأوجه، وأهمها الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، وأن مواجهة الصعوبات المالية والاقتصادية والتفاوض بجدية مع المؤسسات المالية الدولية تتطلّب حل أزمة الحكم التي طالت، ولا يكون ذلك إلا بتكاتف جميع الجهود الوطنية لإنقاذ البلاد".
واضافت: "إن الوضع الذي كان عليه مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 2019 كان جزءاً من أزمة الحكم التي ساهمت فيها كذلك رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والتي زادت تعمّقاً بعد 25 جويلية 2021".
وسجلت اللائحة رفض النواب "للمرسوم اللادستوري القاضي بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، وعدم اعترافهم بأي شرعيّة للمجلس الجديد المنصّب"، وتنديدهم "بمحاكمات المدنيّين أمام القضاء العسكري بخلفيّات سياسيّة واضحة، ويدعون إلى ضرورة إبطال كلّ هذه المحاكمات وكل ما يترتّب عنها من أحكام جائرة". 
واعتبر النواب، بحسب اللائحة، أن "المصادقة على مقترح قانون إنهاء ما سُمّي "الإجراءات الإستثنائيّة"، والأوامر والمراسيم اللادستوريّة الصّادرة في إطارها، ضرورة حتّمها الانحراف البيّن في تطبيق الفصل 80 من الدّستور والتّردّي المستمرّ للأوضاع المعيشيّة للمواطنين في ظلّ حرص رئيس الجمهوريّة على تجميع السّلطات ورفض الحوار وشيطنة المعارضين". 
ودعت اللائحة "إلى فتح حوار وطني شامل حول سبل إنقاذ البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفك عزلتها الدوليّة وإقرار الإصلاحات السياسيّة الضروريّة لعودة الاستقرار السياسي من خلال ديمقراطيّة تمثيليّة شفافة". 
‎كما تضمنت قراراً لنواب المجلس بـ"إبقاء مكتب مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم لمتابعة مجمل التطورات في البلاد"، وأن "تنشر هذه اللائحة بالرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة وبموقع مجلس نواب الشعب وتعمم بكل وسائل النشر الممكنة". 

وقضى البرلمان التونسي ثمانية أشهر، منذ فرض سعيّد التدابير الاستثنائية، وهو يحاول كسر حال الجمود وغلق قوس الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي، وتُعَدّ جلسة اليوم ثاني جلسة عامة له منذ قرار سعيّد تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه في 25 يوليو/تموز 2021.

وسيعقد البرلمان جلسة أخرى، السبت المقبل، لمناقشة "الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة" التي تمرّ بها البلاد. ويأتي ذلك بعد اجتماع لمكتبه برئاسة رئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي، منذ يومين.

وحاول رئيس البرلمان وعدد من نوابه منذ إعلان إجراءات سعيّد التصدي للإجراءات المفروضة، بعد غلق أبواب القصر التشريعي بالقوة، وعبر عسكرة مداخله والحيلولة دون دخول أي مدني. ويذكر التونسيون صورة الغنوشي ونائبته الأولى سميرة الشواشي وبرلمانيين من كتل الائتلاف الحاكم وقتها، واعتصامهم للدفاع عن شرعية المؤسسات المنتخبة.

وعقد مكتب البرلمان في 26 يوليو/تموز اجتماعه الأول بعد إجراءات سعيّد، حيث رفض هذه الإجراءات وأعلن تمسّكه بشرعية منظومة انتخابات 2019 وما أفرزته، داعياً الرئيس إلى العودة عن هذه التدابير.

كان آخر بيانات رئاسة البرلمان في 30 يوليو/تموز، مندداً باعتقال النائب ياسين العياري، قبل أن يأمر سعيّد بحجب المنظومة الإعلامية الرسمية والصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن سلطة البرلمانيين، وغلق وسائل التحكم فيها، للحيلولة دون نشر بلاغات وبيانات عبرها.

المساهمون