تختلف القراءات للأزمة السياسية التي يمر بها العراق، منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبعد انتهاء المهلة التي حددها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يوم الأربعاء الماضي، لقوى "الإطار التنسيقي" لتشكيل حكومة بمعزل عن تياره، لم تظهر على الساحة أي بوادر حلحلة للأزمة التي تعتبر الأكثر تعقيداً منذ عام 2006، حين بدأ مشوار تشكيل الحكومات العراقية بعد الغزو الأميركي للبلاد، على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية.
ويرى مراقبون أن الانسداد السياسي الحالي نتاج عدة تغييرات شهدها العراق في السنوات الثلاث الأخيرة، أبرزها "انتفاضة تشرين" عام 2019، وما أفرزته من عامل ضغط على القوى السياسية التقليدية وولادة محور جديد داخل قبة البرلمان متمثلاً بالمستقلين والمدنيين. إضافة إلى تحرر بعض القوى السياسية العراقية، وأبرزها "التيار الصدري"، من سطوة زعيم "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني على المعادلة السياسية في البلاد، وإجراء الانتخابات الأخيرة بقانون جديد أسهم في تقليل التلاعب والتزوير بأصوات الناخبين.
"الإطار التنسيقي" مستمر بفرض شروطه القاسية على الصدر
لكن آخرين يرون في الأزمة نواحي إيجابية من جهة فشل عدة وساطات إيرانية بفرض تصورها على حكومة العراق المقبلة، وكذلك فرصة ولادة حكومة مختلفة عن نسخ الحكومات السبع الماضية التي تأسست بعد الغزو الأميركي للعراق.
أزمة العراق السياسية... كل الخيارات مطروحة
ويؤكد نواب في البرلمان العراقي أن جميع الخيارات مطروحة في الأزمة الحالية، بما فيها إضعاف الصدر وإجباره على التراجع عن خيار حكومة الأغلبية الوطنية، أو الذهاب لانتخابات جديدة، أو إبقاء حكومة مصطفى الكاظمي حتى إشعار آخر. وما زالت قوى "الإطار التنسيقي"، تشهر سلاح الثلث المعطل في مسألة منع الصدر من تشكيل حكومة الأغلبية، وتفرض شروطاً قاسية، مثل حصر حق تشكيل الحكومة بالمكون السياسي الشيعي، وهو ما يعني سحب أحقية الصدر كفائز في الانتخابات بتشكيل الحكومة، وأيضا تفكيك تحالفه مع القوى العربية السنّية والكردية في تحالف (إنقاذ وطن).
وحول المشهد الحالي في البلاد، تحدث القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" أحمد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، عن عدم وجود أي بوادر حل للأزمة، معتبراً أن موقف تحالفه متماسك ولا نيّة للتنازل عن مطالبه. ويحيل الموسوي سبب الأزمة الحالية إلى ما اعتبره "طريقة إجراء الانتخابات والتزوير والتلاعب فيها بشكل أخل بالتوازنات السياسية داخل البرلمان"، متهماً أيضاً أطرافاً خارجية وداخلية لم يسمها بأنها "تعمل على إبقاء الأزمة والوصول إلى صدامات مسلحة بين القوى الشيعية، لكن هذا الأمر لن يحصل إطلاقاً".
ويضيف: "حتى هذه الساعة لا توجد أي بوادر للحل، مع تمسك التيار الصدري بموقفه، القائم على تهميش قوى لها ثقلها السياسي والشعبي"، مضيفاً "نحن في الإطار التنسيقي مصرّون على ضمان حقوق المكون الأكبر (الشيعي) بتشكل الحكومة الجديدة، وقدمنا مبادرات كثيرة لحل الانسداد طيلة الأشهر الماضية، لكن التيار ومن معه في التحالف الثلاثي يعمدون إلى بقاء الوضع من دون حلول حقيقية". ويقرّ بأن "كل الوساطات الخارجية من قبل الأصدقاء لم تجد أي نفع لحل الانسداد السياسي في العراق، على الرغم من أن هذه الوساطات كان هدفها الحل، لا التدخّل في الشأن الداخلي، وهي توقفت منذ فترة، بعد أن طلبنا منها ذلك وطلبت الأطراف الأخرى ذلك أيضاً".
من جهته، حمّل العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، قرارات المحكمة الاتحادية العليا المسؤولية عن الأزمة السياسية الحالية وتأزم الموقف. وأضاف عبد الكريم أن "قرار المحكمة الاتحادية بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية هذه المرة بأغلبية الثلثين هو ما أزّم الموقف، بعد أن كان بأغلبية النصف زائد واحد والنصاب يمضي بإجراء الاستحقاقات الدستورية، لكن قرار المحكمة الأخير هو سبب هذه الأزمة".
وكانت المحكمة الاتحادية قد اعتبرت في حكم لها نهاية فبراير/شباط الماضي، رداً على استفسار قدّم لها من قوى "الإطار التنسيقي"، بأن تكون جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين (220 نائباً من أصل 329)، وهو تفسير مغاير لما جرت عليه العادة بالدورات الانتخابية الماضية، القاضي بأغلبية النصف زائد واحد لتحقق النصاب وأغلبية ثلثي الحاضرين شرطاً لفوز الرئيس الجديد داخل جلسة الانتخاب الخاصة برئيس الجمهورية.
واتهم مهدي عبد الكريم كلاً من المحكمة الاتحادية وقوى الإطار التنسيقي بأنهما سبب الأزمة وهذا الاختناق السياسي الحاصل، معتبراً أن "هناك تنسيقاً عالياً كان بين الطرفين باتخاذ بعض القرارات، التي أوصلت الحال إلى ما هو عليه وسط خلافات شديدة من دون أي بوادر للحلول".
أما النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، فأوضح أن "الصراع على المكاسب والسلطة هو سبب الأزمة أولاً وأخيراً، والبقية تفاصيل". وأضاف خشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل القوى لا تريد خسارة نفوذها بالدولة في السنوات الأربعة المقبلة، ولا تريد التنازل لأحد".
مهدب عبد الكريم: المستقلون سيكون لهم دور كبير في حل هذا الانسداد السياسي
ورأى خشان أن "النواب المستقلين في الدورة البرلمانية الحالية سيكون لهم دور كبير في حل هذا الانسداد السياسي، التي عجزت القوى الكبيرة على حله، فهناك مبادرة قريبة سوف يطلقها النواب المستقلون في القريب العاجل، وهي ستكون خريطة طريق، وسيكون لها قبول من غالبية الكتل السياسة، خصوصاً التي تريد الحلول ولا تريد الأزمات". وأكد أن "ضعف الضاغط الخارجي على بعض الأطراف السياسية لتغيير مواقفها كان سبباً رئيسياً في عدم توصل القوى المتنفذة إلى حلول تقاسم السلطة، فهي كانت دائما ما تعتمد على العامل الخارجي في عبور كل الأزمات التي يمر بها العراق، وليس السياسية فقط".
الصراع الداخلي
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "وصول العملية السياسية في العراق إلى مرحلة الانسداد السياسي بهذا المستوى الخطير، هو بسبب الخلاف والصراع الكبير داخل البيت السياسي الشيعي، فهناك صراع كبير داخل هذا البيت على الزعامة السياسية للشيعة، فهذا الأمر دفع إلى صراع إرادات كبير ما بين الأطراف الشيعية". ورأى أن "الانسداد السياسي في العراق يرتبط بشكل كبير بقضية وجود منهجين، الأغلبية والتوافقية، فهذا الأمر أدى إلى انسداد سياسي كبير، وهو جوهر الخلاف حالياً".
وأضاف الشمري أنه "من ضمن أسباب الانسداد السياسي في العراق، ما هو مرتبط بأحداث 2019 (تظاهرات أكتوبر)، فهناك من يريد أن ينأى بنفسه عن تركة الماضي والتحول الكبير في الشارع العراقي، فهذه الأمور تؤخذ حالياً بنظر الاعتبار، فهي ضاغط على كل القوى السياسية". وأكد أن "بعض قرارات المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بعيداً عن صحتها وعدم صحتها، كان لها دور في هذا الانسداد، خصوصا في ما يتعلق بنصاب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".
وبيّن الخبير في الشأن السياسي العراقي أن "الانخراط العلني الإقليمي من خلال إيران وتركيا بقضية تشكيل التحالفات السياسية ودعمها سبب أيضاً في الانسداد السياسي في العراق، كما أن ملف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة تحول إلى صراع إقليمي، وهذا أثر بشكل كبير في قضية الانسداد السياسي".