يشتكي سياسيون ومعارضون مصريون من التضييق و"عدم النزاهة" في مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. ومن بين هؤلاء النائب السابق محمد أنور السادات، عقب استبعاد جمعية "السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية" التي يرأس مجلس إدارتها، من متابعة الانتخابات، وهو ما وصفه بأنه "بداية غير مطمئنة ولا مبشرة لنتائج محسومة". من جهة أخرى يطالب كثير من المعارضين برقابة دولية على الانتخابات لضمان مصداقيتها.
وبين خياريَ المقاطعة أو المشاركة بالانتخابات، رهن سياسيون (ممن يرجحون خيار المقاطعة) المشاركة، بضمانات تبدو صعبة التحقيق عملياً، ومنها الإشراف الدولي الكامل من قبل الأمم المتحدة، أو على الأقل وجود مراقبة أممية ودولية للانتخابات. وهو ما اعتبره مقربون من السلطة "اعتداءً على السيادة الوطنية"، فيما رآه آخرون أنه "مرهون بطلب رسمي من السلطة، التي لن تقدم عليه حتى لا تسقط".
ضمانات غير كافية لانتاخابات نزيهة في مصر
ورأى النائب السابق لرئيس محكمة النقض، المستشار محمد ناجي دربالة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الضمانات الحالية "تبدو غير كافية بالمرة" لوصف هذه الانتخابات بالنزيهة، فهي لا تفرض وقوف مؤسسات الدولة "على مسافة واحدة" من المرشحين، ولا توفر أي فرصة لهم للحصول على ظهور مماثل في وسائل الإعلام الرسمية المملوكة للدولة، ولا تضمن للمرشحين المعارضين الوصول للناخبين والانخراط في حوار معهم عبر مؤتمرات وحوارات بشكل "سلس وآمن".
دربالة: الهيئة المشرفة على الانتخابات جرى تشكيلها على عين السلطة
وأضاف دربالة أن "الضمانات الحالية لا توفر الحد الأدنى من شروط النزاهة، خصوصاً أن الهيئة المشرفة على الانتخابات جرى تشكيلها على عين السلطة، ولا تتمتع بالاستقلالية التامة، التي تمكنها من إدارة الانتخابات بشكل يضمن نزاهتها".
يأتي ذلك بالإضافة إلى "غياب الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بمعنى أن قاعدة قاض واحد لكل صندوق غير مطبقة على أرض الواقع بشكل عملي".
ولفت إلى أن "الوضع الحالي يسمح بدخول شخصيات غير قضائية في عملية الإشراف على الانتخابات، من النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وهيئة المفوضين، وهؤلاء غير مستقلين عن السلطة التنفيذية".
دعوة الأمم المتحدة للإشراف على الانتخابات المصرية
وذكر مؤيدون للمرشح المحتمل البرلماني أحمد الطنطاوي، أن الأخير "تقدم بالفعل بطلب للسلطة، بدعوة الأمم المتحدة لإشراف أممي على الانتخابات، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ما دعا مراقبين للقول إن مطالبة معارضين بالإشراف الدولي أو الرقابة الدولية على الانتخابات -رغم كونه ضمانة أساسية لنزاهة الانتخابات، وفق آراء عدد منهم- غير واقعية، من حيث إنه لن يحظى بقبول السلطة، باعتبار أن الرقابة الدولية على الانتخابات من أهم وسائل ضمان نزاهتها ومصداقيتها".
مرزوق: الرقابة الدولية يصعب حدوثها لعدم رغبة السلطة فيها
ويدعم هذا الطرح، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير معصوم مرزوق، الذي رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الرقابة الدولية على الانتخابات "لها إجراءاتها المعروفة والمحددة، والتي يصعب حدوثها لعدم رغبة السلطة فيها"، لافتاً إلى أنها "ليست بدعة، بل هي وسيلة مهمة لضمان نزاهة الانتخابات وحيادها".
وقال مرزوق إنه شارك شخصياً في الرقابة الدولية ضمن فريق الأمم المتحدة، على الانتخابات في جنوب أفريقيا، والتي جاءت بنيسلون مانديلا رئيساً. وأضاف: "قمنا بممارسة مهمتنا بمنتهى الحرية، ورفعنا تقارير للأمم المتحدة حول مدى احترام الهيئات المسيرة للانتخابات لمعايير النزاهة والشفافية".
من جهته، قال رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"، النائب السابق، محمد أنور السادات، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "طلب الإشراف الأممي على الانتخابات الرئاسية المقبلة، كان من ضمن مطالب القوى الوطنية والشخصيات وأحزاب الحركة المدنية منذ شهور طويلة، وأنا من ضمن الداعمين والمؤيدين لهذا المقترح".
وأضاف أنه "طالما نجري انتخابات نزيهة وشفافة، فلا شيء يمنعنا من استقبال بعثات، لا سيما من الأمم المتحدة التي لديها إدارة سياسية وقسم خاص بالانتخابات بشكل عام رئاسية وبرلمانية، وكوادر محترفة ومدربة ولها خبرة سابقة".
وأشار السادات إلى أن "الاتحاد الأوروبي، ومركز كارتر، كان لهما تجربة في انتخابات 2012، إبان وجود المجلس العسكري الذي كان يقود السلطة، والذي دعا كل هذه الأطراف للقدوم والرقابة على الانتخابات بالتعاون مع الهيئة الوطنية للانتخابات ومنظمات المجتمع المدني المصرية".
مصر لن توافق على الإشراف والرقابة على الانتخابات
وتحدث السادات عن الفرق بين تقدم الطنطاوي بطلب للحكومة، لكي تدعو الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وبقاء الدعوة في حدود الرقابة على الانتخابات، وبين الدعوة للإشراف عليها. وأوضح أن "الإشراف يحدث في الدول التي حصلت على استقلالها حديثاً أو تجري فيها مشاكل أهلية".
وأضاف أنه "ينطبق علينا (مصر) الرقابة فقط، في ظل وجود حكومة ودولة وهيئة وطنية للانتخابات، وهي تعني متابعة ما يتم في لجان الفرز والاقتراع وداخل اللجان وخارجها، وفي حالتنا مسموح بذلك، ومنطقي، ولكن (الإشراف) على الانتخابات، أمر آخر".
ولا يتوقع السادات في كلتي الحالتين، أن توافق الحكومة المصرية، "وذلك كان واضحاً منذ شهور طويلة" بحسب قوله.
وكانت جمعية "السادات للتنمية والرعاية الاجتماعية"، قد أعلنت الأحد الماضي، أنه "رغم استيفائها لكل الشروط والمعايير الخاصة بالتسجيل لدى الهيئة الوطنية للانتخابات لمتابعة الانتخابات الرئاسية القادمة، وصدور خطاب رسمي بذلك من وزارة التضامن الاجتماعي لسابق خبرتها وأهليتها ومشاركتها في متابعة كافة الاستحقاقات الانتخابية منذ تأسيسها في عام 2004، إلا أنه تم رفضها واستبعادها من الإشراف والمتابعة".
بدوره، قال المتحدث الإعلامي باسم "الحركة المدنية الديمقراطية"، خالد داود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحركة الوطنية وأحزاب المعارضة "بح صوتها في المطالبة بضمانات للانتخابات الرئاسية، كدليل على جدية الدولة في إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة".
وشدد على "ضرورة وجود متابعة دولية للانتخابات الرئاسية في مصر، ودعوة المنظمات الدولية المعنية بالأمر للمشاركة في الانتخابات، انطلاقاً من سابقة قيام مصر لمتابعة الانتخابات في عدد من دول العالم، وهو ما لا يعد مساساً بالسيادة الوطنية كما يتردد".