الانتخابات الرئاسية الأميركية: خواتمها قد تكون نسخة منقحة عن سابقتها

30 أكتوبر 2024
من التصويت المبكر بولاية جورجيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية، 29 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية قريباً، مع توقعات بتأخر إعلان الفائز بسبب احتساب الأصوات البريدية أو إعادة العدّ، مما يثير مخاوف من نزاعات قانونية واضطرابات محتملة.
- تشهد الساحة الانتخابية توتراً مع تراجع شعبية ترامب بسبب خطابه السلبي، بينما تحظى كامالا هاريس بدعم متزايد من الجمهوريين السابقين وكبار الأثرياء، مما يعزز موقفها.
- تراهن حملة هاريس على الحفاظ على تقدمها الضئيل في استطلاعات الرأي، وسط مخاوف من أزمة سياسية جديدة إذا فازت بفارق بسيط.

صباح الثلاثاء القادم، تفتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية لانتخاب الرئيس الجديد. عادةً، قبيل منتصف ليل ذلك اليوم أو بعده بقليل، تبدأ الصورة بالتبلور، لتتأكد النتيجة مع الصباح أو خلال النهار. أحياناً يتأخر إعلان الفائز لأسباب تتعلق باستكمال احتساب الأصوات المرسلة بالبريد أو بإعادة عدّ الأصوات المتقاربة في صناديق معينة. وأحياناً أخرى يحصل التأخير بانتظار البتّ السريع للمحاكم في نزاعات قانونية، كما جرى في انتخابات 2000 ولغاية أن حسمت المحكمة العليا النتيجة وقتذاك بفوز بوش الابن. وكذلك كان الأمر في انتخابات 2020 بعد اعتراضات دونالد ترامب القانونية التي بلغت 62 والتي ردتها المحاكم لفقدانها الحيثية، والتي أدت إلى زج الشارع في الموضوع وبما انتهى في 6 يناير/كانون الثاني 2021 إلى اقتحام مبنى الكونغرس غير المسبوق وتداعياته المعروفة.

الخشية في واشنطن أن يتكرر هذا السيناريو بدرجة أو بأخرى. فالساحة موتورة بما فيه الكفاية، والمسرح جاهز. من البداية، قال ترامب ومن دون مواربة إنه دخل المعركة بنية "الانتقام". توعّد خصومه بملاحقتهم وباستخدام القوات المسلحة لقمع التظاهرات والمعارضين. وفي الآونة الأخيرة، كرّر الإعلان عن اعتزامه على رفض القبول بنتائج الانتخابات لو فازت المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس. كما بدأ يمهد لمثل هذه الأجواء من خلال تلميحاته عن نيات وتحضيرات "لسرقة" الانتخابات منه. وفي ذلك تحضير لحشد الشارع لو جرت رياح الانتخابات لغير صالحه، فالمعركة في ضوء أرقامها مفتوحة على أي من الاحتمالين. ميزانها يتمايل مثل رقّاص ساعة الحائط. في الآونة الأخيرة، سجل بعض الاستطلاعات هبوط وضع هاريس بحيث انحسر تقدمها على ترامب إلى حدود نقطة أو اثنتين. لكن ترامب لم يقو منذ نزول هاريس إلى المعركة على مسح تقدمها واحتلال المرتبة الأولى ناهيك بالاحتفاظ بها. في الأيام الأخيرة، عاد ترامب إلى التعثر ولو الضئيل، بسبب اعتماده على الخطاب السلبي الذي غلبت عليه لغة التهشيم والدونية بحق الملونين والمهاجرين "الذين سمموا الدم الأميركي" كما قال. وحتى أميركا نفسها لم تسلم إذ باتت في نظره "سلة قمامة" بعد دخول المزيد من المهاجرين والمتسللين إليها عبر حدودها مع المكسيك. ثم تكللت هذه الصورة بانضمام جنرالات، سبق أن عملوا في إدارة ترامب، إلى فريق المحذرين من "مخاطر" وصول هذا الأخير إلى البيت الأبيض مرة أخرى. الجنرال المتقاعد جون كيلي، الذي شغل منصب المدير العام (كبير الموظفين) في البيت الأبيض، حذر من فوز ترامب "الذي ينطبق عليه "تعريف الديكتاتور الفاشيستي". وكذلك استخدم الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان السابق، التوصيف نفسه الذي ردده عسكريون آخرون مثل وزير الدفاع السابق في إدارة ترامب أيضا الجنرال جيمس ماتيس. تحذيراتهم أخذت الكثير من الضجة والأضواء من باب أن العسكريين نادرا ما يدخلون على خط الحملة الانتخابية بمثل هذا اللهجة؛ التي أثارت القلق في حملة ترامب لما قد تتركه من تأثير على المتبقي من الناخبين المترددين.

في المقابل، حظيت هاريس مؤخراً بقدر لافت من التأييد والتمويل وبما قد يعزز وضعها خلال الأسبوع المتبقي من الحملة الانتخابية، فقد أعلن المزيد من الجمهوريين، الذين سبق أن عملوا في إدارات الرؤساء السابقين ترامب وجورج بوش ورونالد ريغان، عن تأييدهم لها وذلك في سياق حملة بدأها الجمهوري العتيق ريتشارد تشيني، نائب الرئيس السابق، وابنته النائبة السابقة ليز تشيني، التي لعبت دورا فاعلاً في رحيل هذه النخب من الجمهوريين باتجاه دعم هاريس "لحماية الدستور" من مجيء ترامب.

وبالترافق مع ذلك، تدفقت على حملة هاريس دولارات كبار الأثرياء مثل بيل غيتس الذي منحها 50 مليون دولار ومايكل بلومبيرغ الذي تبرع بمبلغ مماثل. وبذلك حصل نوع من الاستنفار الجمهوري (المتنافر مع ترامب) والمالي والعسكري، في محاولة لتحصين وضع هاريس وبما يمكنها من الاحتفاظ بموقعها لغاية يوم الاقتراع. 

تبدو هذه الانتخابات عصية إلى حد بعيد على الترجيح وإن بدت الأرقام لصالح هاريس

في ظل هذا الزخم وإن المتواضع، ألقت الليلة الماضية خطابها الختامي الشامل أمام حوالي 75 ألفاً من أنصارها في مهرجان انتخابي حاشد جرى تنظيمه في واشنطن في ساحة مطلة على البيت الأبيض. رهان فريقها أن الفارق الذي تتمتع به على ضآلته مرجح أن يبقى على حاله طالما صمد طوال الصيف، بل قد يتعزز في ضوء هذا الاستنفار المعطوف على سلبية خطاب ترامب التي لم يقوَ أركان حملته على زحزحته عنها. يدعم هذا الاحتمال أن البقية الباقية من الناخبين المترددين، الذين تتحكم أصواتهم بكفتي الميزان، موزعون إجمالا، حسب الاستطلاعات، بين "رافض لترامب وغير مقتنع بعد بكامالا هاريس". القسم الأول محسوم موقفه من ترامب، فيما الثاني مفتوح على التصويت لها ولو أن في صفوفه "غير المكترث أو غير المتحمس للتصويت، حتى وإن كان قد حسم خياره". لهذا تبدو هذه الانتخابات عصية إلى حد بعيد على الترجيح وإن بدت الأرقام لصالح هاريس. لكنها مفتوحة برسم الاثنين. المؤكد فيها أن فوز هاريس بفارق بسيط من شأنه أن يفتح الباب للرئيس السابق لتفجير أزمة من عيار أزمة 2020.