الانتخابات التركية 2023 وتصويت متضرري الزلزال خارج ولاياتهم: مرسين نموذجاً

13 مايو 2023
أثارت كارثة الزلزال الكثير من التجاذبات بين الحكومة والمعارضة (Getty)
+ الخط -

تصطف أمام إحدى الأبنية التي أُنشئت حديثاً في بلدة إردملي بريف محافظة مرسين، جنوب غربيّ تركيا، أربع سيارات، يبدأ رقم اللوحة فيها 31، وهو رمز محافظة هاتاي. وفي تجوال سريع في المحافظة، الذي يزيد تعداد السكان فيها على مليون ونصف مليون نسمة، يمكن بوضوح قراءة أرقام لوحات من الولايات العشر، التي تأثرت في الزلزال المدمّر، الذي ضرب تركيا في السادس من فبراير/ شباط العام الحالي، وكان مركزه ولاية كهرمان مرعش.

تعتبر مرسين التي تستريح على البحر الأبيض المتوسط، من أقرب وأكثر الولايات الآمنة، التي نزح إليها متضررو الزلزال، وخصوصاً محافظة هاتاي، الذي يعتبر المركز فيها (أنطاكيا)، أكثر المدن تضرراً على مستوى تركيا، إذ بلغت نسبت الدمار أكثر من ثلثي المدينة التاريخية.

 وبينما يفصل البلاد ساعات عن بدء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، تبقى أصوات من تعرّضوا للزلزال، لغزاً محيّراً، يصعب معه معرفة إلى من ستذهب أصواتهم، خصوصاً أن الكارثة التي حلت بالبلاد، قد أثارت الكثير من التجاذبات بين حكومة حزب العدالة والتنمية، وتحالف المعارضة والمعروف بـ"تحالف الأمة" ومرشحه كمال كليجدار أوغلو.

أردوغان يحضر مسيرة انتخابية نظمها حزب العدالة والتنمية في مدينة مرسين (Getty)
أردوغان يحضر مسيرة انتخابية نظمها حزب العدالة والتنمية في مدينة مرسين (Getty)

ومنذ وقوع الكارثة، اتخذت السلطات التركية سلسلة من الإجراءات بهدف تخفيف معاناة المتضررين، أبرزها دعم جميع المناطق التي تعرضت للزلزال، بمبلغ 10 آلاف ليرة تركية (قرابة 500 دولار أميركي)، ثم مبلغ 15 ألف ليرة تركية، لأصحاب المنازل التي هدمت أو ستهدم، أو كان تصنيف ضررها متوسطاً، مع دعم بمبلغ 3000 آلاف ليرة تركية سنوياً بدل إيجار لمن كان مستأجراً، و5000 ليرة لأصحاب البيوت، إضافة إلى تأمين كرفانات وخيم لمن لا يريد المساعدات الأخيرة، وغيرها من التدابير.

لكن المعارضة ترى أن هذه الإجراءات وغيرها ليس كافياً، وتستخدم في خطاباتها كارثة الزلزال بمثابة ورقة ضغط على مرشح "تحالف الجمهور" الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وذلك عبر توجيه رسائل سلبية مفادها أن الحكومة لم تتعامل بالشكل المطلوب مع تلك الكارثة، خصوصاً محافظة هاتاي، التي طاولها الكثير من الانتقادات، لتأخر المساعدة في نجدة السكان، وهو الذي قد ينعكس في التصويت.

خلط الأوراق؟

ويمكن القول إن مرسين تعتبر نموذجاً للمدن التي اختلطت فيها الأوراق بعد الزلزال، لكونها أكثر المدن التي شهدت نزوح السكان المتضررين إليها بعد الكارثة، وهي من جهة أخرى، تشهد كفة متوازنة عموماً على مستوى التصويت، إن في الانتخابات الرئاسية، أو البرلمانية، أو حتى البلدية، مع أفضلية للمعارضة بشكل عام.

وبالعودة إلى نتائج الانتخابات الرئاسية في مرسين في 2018 مثلاً، فإنه وفقاً للبيانات، حصل الرئيس أردوغان على 37.95% من الأصوات، بينما حصد محرم إينجه وقتذاك 37.4% من الأصوات، وحصلت ميرال أكشنر على 12.1 في المائة، فيما حصل صلاح الدين دميرطاش على 11.9 في المائة من الأصوات، وتميل كارامولا أوغلو على 0.5 في المائة من الأصوات.

والحال نفسه ينطبق على نتائج الانتخابات البرلمانية، حيث حصد تحالف الحكومة على 41.4% مقابل 41% من الأصوات لتحالف المعارضة، وبالتفصيل أكثر، فقد حصد حزب العدالة والتنمية على 28.6، والحزب القومي المتحالف معه على 12.8 بالمئة من الأصوات، فيما حصل حزب الشعب على 26.8 بالمئة من الأصوات، والحزب الجيد على 13.6.

المرشح الرئاسي المشترك لتحالف الأمة كمال كيليجدار أوغلو يحضر تجمعًا انتخابيًا في مرسين (Getty)
المرشح الرئاسي المشترك لتحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو يحضر تجمعاً انتخابياً في مرسين (Getty)

ويبدو انعكاس النتائج على واقع المدينة بشكل عام، على شوارعها وأزقتها، فما إن ينتهي أحد مكبرات الصوت على السيارة الانتخابية من أغنية لرئيس البلاد رجب طيب أردوغان، حتى يسمع صدى أغنية أخرى قادمة من بعيد، وهي تنشد للمعارضة وتبشر بربيع جديد "yeni bahar gelecek". وينطبق الحال ذاته على الشعارات والصور التي تزين الشوارع وحتى المنازل، التي مرة تحمل صوراً وأعلاماً للنظام الحاكم، ومرة أخرى للمعارضة بشتى أشكالها.

وبالعودة إلى الزلزال الذي ضرب البلاد، كانت السلطات التركية قد أرسلت قبل شهرين لمتضرري الكارثة، الذين لجأوا إلى مناطق أخرى رسائل نصية على الموبايل لتثبيت عناوينهم، بغية إرسال تفاصيل الانتخاب لهم، وحددت موعداً أقصاه السابع عشر من مارس/ آذار، قبل أن تمدده لاحقاً لأسبوعين (الثاني من إبريل/ نيسان).

وفي ضوء ذلك، سيتوجه الناخبون يوم الأحد للإدلاء بأصواتهم قريباً من الأماكن التي ثبتوا بها عناوينهم، فيما سيعود القسم الآخر الذي لم يثبّت عنوانه، إلى المدينة التي نزح منها بغية الانتخاب فيها، ما يزيد من خلط الأوراق.

خريطة عامة

وبالنظر إلى الولايات التي تعرضت للزلزال، والتي لجأ متضرروها إلى مرسين، يمكن القول إن أغلبها يصوت لحزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية، كولايات أديامان وملاطية وكهرمان مرعش وغازي عينتاب، حسب الأرقام الرسمية، فيما ستكون الأعين على محافظة هاتاي، الذين لجأ الكثير من أصحابها إلى مدينة مرسين، وهي من أكثر المحافظات تضرراً، وتشهد عادة تصويتاً لصالح المعارضة.

ويستذكر عبد الله هرموش، وهو سوري حاصل على الجنسية التركية، ويعتزم التصويت في الانتخابات غداً، ما عاشه وأسرته خلال وجوده في أنطاكيا بعد وقوع الزلزال، ثم نزوحه إلى مرسين، مقرّاً بصعوبة اليومين الأولين، وبطء تعامل السلطات التركية مع الكارثة.

هرموش: الكارثة كانت أكبر من الجميع

لكن هرموش يستدرك القول لـ"العربي الجديد": "عند النظر بشكل أعمق، أدركنا أن السلطات كانت تجهز للعمل بشكل منظم وموسع مع الكارثة، وقد رأينا عند خروجنا من المنطقة الآليات وسيارات الإسعاف وغير ذلك"، مشيراً إلى أن الكارثة كانت أكبر من الجميع.

ويختتم تصريحاته بأنه راضٍ بشكل عام عن التعامل مع الكارثة من قبل السلطات، وبأنه يعتزم التصويت لتحالف الجمهور.

ومع بقاء ساعات قليلة تفصل نحو 64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً لبدء التوجه إلى صناديق الاقتراع، سيتكشف غداً الأحد تباعاً، بعد الانتهاء من التصويت، الدور الحقيقي لمتضرري الزلزال في تحديد السلطة السياسية لقيادة البلاد، ومدى تغيير الكفة في ولاية مرسين.

المساهمون