الانتخابات الأميركية بأروقة الأمم المتحدة: أمل بطي صفحة ترامب

22 أكتوبر 2020
تصادم ترامب مع الأمم المتحدة في عهده (Getty)
+ الخط -

يتابع العالم باهتمام الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، التي ستحدد السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لأربع سنوات مقبلة. وهو ما برز في مقرّ الأمم المتحدة الرئيسي في نيويورك، في الأحاديث اليومية للوفود الدبلوماسية، التي بدأت تعقد نسبة لا بأس بها من اجتماعاتها الروتينية، سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة وغيرها. ويتحدث هؤلاء بصفة غير رسمية، إذ لا أحد يرغب في الحديث علناً عن الانتخابات الأميركية، لأنه يخالف الأعراف الدبلوماسية، ويُعتبر تدخلاً في شؤون داخلية لدولة أخرى. مع ذلك، يبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس سيكون أول من سيتنفس الصعداء إذا فاز جو بايدن بالانتخابات. فقد تولّى غوتيريس منصبه في 1 يناير/ كانون الثاني 2017، قبل 19 يوماً من بدء عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسمياً، الذي بدأ حرباً علنية ضد التعاون والتعددية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة.


تُطرح أسئلة عدة حول نوايا بايدن في شأن القضية الفلسطينية

في واقع الحال فإن سجل الولايات المتحدة فيما يخص التعددية الدولية وعلاقتها بالأمم المتحدة أكثر تعقيداً، ولم يتّسم دائماً بالتوافق. ولكن ترامب جعلها علاقة أكثر حدة واستقطاباً من ذي قبل. فخلال السنوات الأربع الأخيرة انسحبت الولايات المتحدة، وهي أكبر داعم لنظام الأمم المتحدة ومؤسساتها مادياً وواحدة من أكثر الدول نفوذاً فيها، من عدد كبير من المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية. وآخرها كان انسحابها من منظمة الصحة العالمية، سبقه انسحابها من مجلس حقوق الإنسان، كما أوقفت دعمها لـ"أونروا" (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وانسحبت من اتفاق باريس للمناخ. كذلك أدرجت واشنطن أعضاء المحكمة الجنائية الدولية على قائمة العقوبات الأميركية، لأن المحكمة كانت تنوي التحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبها أميركيون في أفغانستان. وانسحبت إدارة ترامب أيضاً من الاتفاق النووي الإيراني، وتسعى إلى فرض عقوبات بشكل رجعي على إيران وإلزام دول العالم بها من دون جدوى. ولم تشارك أميركا في الجهود الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة لمحاربة فيروس كورونا، والتوصل إلى لقاح ودعم الدول الفقيرة والنامية للحصول عليه، والقائمة تطول.

ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة إذا تم انتخاب ترامب، على أن تشهد كل الملفات انفراجاً أولياً في حال فاز بايدن. وعلى الرغم من تفاؤل عدد من الدبلوماسيين بأن يعود التعاون الدولي إلى مسار "أكثر طبيعي"، يرى آخرون أن هناك أموراً معقدة لن يكون من السهل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيها، وكأن شيئاً لم يكن.

في السياق، يتحدث أحد الدبلوماسيين الغربيين رفيعي المستوى في مجلس الأمن لـ "العربي الجديد"، عن تفاؤله بعودة المياه إلى مجاريها في حال فاز بايدن: "من دون شك هناك قلق شديد من أربع سنوات إضافية لإدارة ترامب، التي كان التعامل معها صعباً في بعض الأحيان، حتى على مستوى التنسيق وتقبّل وجهات نظر أخرى لدول حليفة، خصوصاً حين يفاجئ ترامب إدارته خاصة، في تغريدة على تويتر يعلن فيها عن سياسات جديدة". ويعتبر أن الإشكالية تكمن في كيفية "ضمان استمرارية الاتفاقيات التي ستوقعها الإدارة العتيدة. ما قد يجعل المداولات المعقّدة أكثر تعقيداً".

في هذا الصدد، هناك بعض الأمور التي سيكون من السهل ربما العودة والانضمام إليها، وهذا ما أكده بايدن، كاتفاق باريس للمناخ، والعودة لمنظمة الصحة العالمية، وربما حتى مجلس حقوق الإنسان. لكن هذه العودة لن تطاول ملفات أخرى أكثر تعقيداً، وعلى رأسها الاتفاق النووي الإيراني، بالسهولة المتوقعة، رغم قول بايدن إنه سيعود إلى الاتفاق، شرط التزام إيران بشكل كامل ببنوده. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل سيُسقط بايدن كل العقوبات التي فرضت في عهد ترامب والتي تتنافى مع الاتفاق؟ وهل سيضطر لتقديم ضمانات أكبر، تُلزم أي إدارة تأتي بعده بالاتفاقات التي تبرمها الولايات المتحدة؟

وفي ملفات أخرى كالقضية الفلسطينية، هل سيعيد المرشح الديمقراطي فتح مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن؟ ويعيد تمويل "أونروا"؟ وبأي مستوى؟ وماذا عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة؟ هل سيعيدها إلى تل أبيب؟ وهي خطوة مستبعدة. وماذا عن المستوطنات وزيادة عددها واستمرار الاحتلال بقضم ما تبقى من أراضي الفلسطينيين؟ في هذا الملف تحديداً، أظهرت فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما (2008 ـ 2016)، التي كان بايدن نائبه، ضعف الإدارة الأميركية وخضوعها المستمر للمطالب الإسرائيلية، بل إن الجانب الأميركي زاد من قيمة مساعداته العسكرية لإسرائيل في عهد أوباما. أما في الملف السوري فقد خلق الروس حقائق على أرض الواقع وفي مجلس الأمن، من المستبعد أن يتنازلوا عنها. وينطبق الأمر نفسه على الوجود التركي في سورية.


أظهر ترامب ضعف الدول الأوروبية في ظلّ تزايد حروب الوكالة عالمياً

لكن أسلوب ترامب أظهر كذلك ضعف الدبلوماسية الأوروبية، بسبب عدم توحيد صفوفها ووجود انقسامات في مواقفها. ما أدى إلى زيادة حروب الوكالة التي تغذيها بعض الدول، ومن بينها دول أوروبية. وأطالت هذه التدخلات الخارجية والإقليمية من أمد هذه الصراعات، بما فيها ليبيا واليمن وسورية. كذلك تركت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة أثرها على الأسواق العالمية، وأظهرت كذلك ضعف النظام العالمي في محاربة فيروس كورونا، في ظل غياب قيادة حكيمة توحّد وتقود العالم لمحاربة تبعاته الصحية والاقتصادية. ففشلت الولايات المتحدة في محاربته داخلياً، وبذلك في قيادة العالم كأغنى دولة صناعية لمحاربته دولياً.

ويرى بعض الخبراء أن التعددية الدولية التي يندب حظها كثيرون منذ تولي ترامب لحكمه، لم تكن أصلاً من ميزات السياسة الخارجية الأميركية. فقد ظهرت إلى حد ما في بعض الملفات، كالاتفاق النووي الإيراني أو اتفاق باريس للمناخ، ولكن في ملفات أخرى كانت الولايات المتحدة تفرض سلطتها وإرادتها، ضاربة عرض الحائط بالقانون الدولي والأعراف. ولعل أبرزها مثال احتلال العراق عام 2003. ويعتبر هؤلاء أن ترامب ليس ظاهرة استثنائية أو طفرة، بل نتيجة لسياسات أميركية تمارس منذ عهود، وجاء ترامب ليعريها ويظهرها في أكثر صورها فجاجة. ولعل التصويت في الانتخابات الأميركية المقبلة لن يكون تصويتاً على هوية أميركية المستقبلية فحسب، بل كذلك حول السياسة التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض.