الاستخبارات الدنماركية تحذر من تطرف الأطفال والشبان على الإنترنت

21 ديسمبر 2023
جرت التوقيفات بسرية تامة لمنع الصحافة من تناول القضية (Getty)
+ الخط -

اعتبر تقرير صدر عن جهاز الاستخبارات الدنماركي (بيت)، الأربعاء، أن اتجاهاً جديداً بات يبرز في العالم السيبراني لجعل الشبان أكثر تطرفاً، ما يزيد احتمالية تعرّض البلد لـ"هجمات إرهابية نأخذها على محمل الجد"، وذلك بحسب تصريحات رافقت تقرير "مركز تحليل الإرهاب" التابع للجهاز.

وتزامن التقرير مع اعتقالات قام بها الجهاز الأمني طاولت عدداً من الشبان والشابات من أصول مهاجرة، على خلفية الحرب على غزة، وسط سرية تامة لمنع الصحافة من تناول عملية التوقيف التي جاءت تحت بند "مكافحة الإرهاب". 

وأصيب محيط بعض الموقوفين وأهاليهم (من أصول فلسطينية وعربية) بما يشبه الصدمة، مؤكدين أنهم "لا يمكن أن ينفذوا عملاً إرهابياً"، فيما أفادت مصادر مقربة منهم لـ"العربي الجديد"، بأن "بعض الشباب أصلاً انضوى في عصابات إجرامية (كعصابة لويال تو فاميليا -الولاء للعائلة- التي حُلَّت قضائياً)، مرجحاً أن يكون بعض الموقوفين قد عبّروا عن مواقف من نوع ما بسبب الإحباط من مواقف الدنمارك حيال الجرائم في غزة.

وبحسب ما أفاد أحد العارفين بالموقوفين لـ"العربي الجديد"، فإن "شاباً اعتُقِل الأسبوع الماضي وحُقِّق معه في ما ينشره ويتناوله على الإنترنت، وحين عُرض على قاضٍ لأجل تمديد اعتقاله 14 يوماً، أطلقه القاضي على الفور، لعدم وجود أدلة على شيء يتصل بالإرهاب، كما ذكرت الشرطة".

وعادة ما ينتقد الشبان عبر الإنترنت السياسيين في الدنمارك بسبب مواصلة مساعدة إسرائيل عسكرياً.

تجنيد مراهقين في النازية الجديدة

وفي التحليل الجديد لجهاز الاستخبارات، الذي وضعت نسخه على طاولة السياسيين والمشرعين في كوبنهاغن، يبدو واضحاً أن قلق الجهاز الأمني من أن "يمتد التطرف والراديكالية إلى صفوف المراهقين الدنماركيين الذين يميلون إلى أفكار عنصرية ونازية". وأخذ التحليل الجديد من قضية اعتقال مراهق دنماركي (15 سنة) في العام الماضي مثلاً على "الانضمام من خلال الإنترنت إلى جماعة نازية".

والآن يحذر جهاز الاستخبارات (بيت) من أنه قد "يكون هناك المزيد من التجنيد في صفوف الجماعات المتطرفة، وهو ما يكثف التهديدات الإرهابية ضد الدنمارك على المدى الطويل".

في السياق نفسه، أكد مدير "مركز تحليل الإرهاب" مايكل هامان، بعيد صدور التحليل الأربعاء الماضي أن "التطرف بات يضم الوجوه صغيرة السن 15 و16 سنة"، مشيراً إلى أن بيئة الإنترنت تصبح تربة خصبة من أجل "تجنيد هؤلاء المراهقين"، وفقاً لـ"بيت".

وعثر الجهاز الأمني في غرفة الصبي البالغ 15 سنة على نسخة من كتاب كفاحي (للزعيم النازي أدولف هتلر) وخنجر بطول 16 سم وملابس عسكرية ورموز نازية مختلفة. وهو ما اعتبره الجهاز الأمني في تقريره الجديد "دليلاً مادياً على أن التطرف بات يحدث من خلال شبكة الإنترنت".

ويشهد العالم السيبراني حول أوروبا نشاطاً محموماً لجماعات التطرف اليميني، وحركات تصنف إرهابية نازية، مثل جماعة "فيوركريغ" Feuerkrieg Division، التي تأسست في إستونيا (من دول البلطيق) في 2018، وانتشرت نحو روسيا وأميركا والقارة الأوروبية، وتجذب بصورة رئيسية المراهقين، بتعاليم نازية تتجهز من أجل حرب مستقبلية في مجتمعاتها "ضد الغرباء" و"لحماية العرق الأبيض".

وكان بعض منتسبي المنظمة الإرهابية يوجهون تهديدات لليهود في خطبهم، منهين ذلك بالتحية النازية. وبحسب المدعين العامين في القضايا ضد مراهقين، فإن المنظمات المتطرفة من الاتجاهات النازية الجديدة يوزعون على المنتسبين كتيبات إعداد متفجرات وكيفية التسلح.

ويعتبر المتطرفون المراهقون مثلهم الأعلى وملهمهم أندرس بريفيك، مرتكب مذبحة أوتويا النرويجية ومنفذ تفجيرات في مقارّ الحكومة في أوسلو صيف 2011، التي قتلت نحو 77 ضحية.

تطرف وإرهاب وأحكام مختلفة

ومع أن المستوى الأمني في الدنمارك كرر في السنوات الأخيرة قلقه من توجه مراهقين نحو التطرف النازي، إلا أنه "سريعاً ما يجري التعامل مع الموقوفين منهم بشكل مختلف عن توقيف مراهقين من أصول مهاجرة، متهمين أيضاً بالتطرف عبر الإنترنت"، كما يصف لـ"العربي الجديد" خبير بالشؤون الاجتماعية في إحدى ضواحي مدينة آرهوس (وسط غرب) التي شهدت اعتقالات أخيراً.

ويحيل هذا الخبير الذي فضّل عدم ذكر اسمه على "ملاحظة كيف جرى سريعاً إحاطة التوقيفات الأخيرة (يقصد تلك التي اعتبرها نتنياهو تفكيك خلايا لحماس) بسرية معلومات وهالة إعلامية وتمديد التوقيف حتى الشهر القادم، بينما في حالات التطرف النازي سرعان ما تبدأ عملية تقديم مبررات نفسية واجتماعية، وغيرها من أسباب لتخفيف وطأة الحدث والأحكام".

ويُلاحظ من متابعة الأحكام التي يتلقاها مثلاً متهم من أصول مهاجرة، على خلفية قانون عقوبات الإرهاب، أنها ليست أقل من 12 و16 سنة، بينما لا يحكم على متطرفين نازيين بأكثر من 6 إلى 7 سنوات، وبعضهم يستأنف ويحال على علاج نفسي في مصحات.

وفي مايو/أيار العام الحالي حكم على شاب يبلغ من العمر17 عاماً بتهمة الانضمام والترويج لمنظمة إرهابية (نازية متطرفة) وتجنيد صديق له وحيازة سلاح بالسجن 5 سنوات. في المقابل، تلقت في الفترة نفسها مجموعة من الشباب من أصل عربي ــ دنماركي أحكاماً بسبب سفرهم إلى سورية فترة مراهقتهم في 2012، على اعتبار أنهم "انضموا إلى مجوعات إرهابية" (وبعضهم دون أدلة صحيحة وأخطاء في ترجمة المكالمات) بالسجن بما لا يقل عن 12 سنة.

ويخشى الجهاز الأمني من أن "يُلهم التطرف على الإنترنت الشباب لأخذ زمام الأمور بأيديهم، وارتكاب الإرهاب في العالم المادي". وشدد على أن "مشاركة المتطرفين الشباب في الشبكات الافتراضية وتشجيع العنف وتبادل كتيبات صنع المتفجرات، يمكن أن تؤثر بتصور الشباب، باعتبار ارتكاب أعمال العنف أمراً مشروعاً".

ويشير التقرير إلى أن "أهداف الحركة النازية الميالة للتسلح واستخدام العنف هو تسريع الانهيار المجتمعي حتى تبدأ الحرب بين الأعراق وتطبيق ما يسمونها الثورة البيضاء"، مضيفاً أن زيادة التهديد الناجم عن التطرف على الإنترنت يرتبط على وجه الخصوص بـ"حقيقة أننا نواجه جيلاً جديداً بارعاً في التكنولوجيا، ومن الطبيعي بالنسبة إليه أن يلتقي عبر الإنترنت كما هو الحال في العالم المادي".

وختم التقرير بقوله: "حدث خلال السنوات الأخيرة تحول وزيادة كبيرة في عدد الحالات الإرهابية وسط المتطرفين اليمنيين"، فيما أشار رئيس مركز التحليل في الجهاز الأمني، هامان، إلى أن "هناك بعض الشبان والأطفال الذين لا يتجاوزون 12 سنة تحولوا إلى التطرف اليميني على الإنترنت".

وكانت الشرطة البريطانية قد اعتقلت في 2019 صبياً يبلغ 14 سنة جُنِّد عبر الإنترنت للقيام بعمل إرهابي، وأُدين كأصغر مدانٍ على قوانين مكافحة الإرهاب البريطاني.

وفي العام نفسه أُحبِط هجوم بالقنابل في فيلنيوس، ليتوانيا، حيث حُكم على عضو في فرقة فيوركريغ Feuerkrieg بالسجن لأكثر من عامين بتهمة "محاولة الإرهاب"، بينما أُوقف في العام التالي مراهق في الثالثة عشرة في إستونيا، من الجماعة نفسها، لاحتمالية تورطه في التخطيط لهجوم ليتوانيا، ولصغر سنّه، لم يكن من الممكن تحميله مسؤولية تصرفاته.

المساهمون