الاتفاق الأميركي ـ الفنزويلي: الوساطة القطرية تفكّك أزمة مستعصية

21 ديسمبر 2023
الخليفي ومادورو، السبت الماضي (قنا)
+ الخط -

نجحت الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وفنزويلا في التوصل لتبادل عدد من السجناء بين البلدين، في إطار جهد دبلوماسي يهدف إلى إبرام مصالحة شاملة بين البلدين وتطبيع للعلاقات بينهما، هما اللذان تفصل بينهما أزمة سياسية حادة تعود إلى عهد الرئيس الراحل هوغو تشافير (نهاية تسعينيات القرن الماضي)، واستفحلت مع وصول خليفته نيكولاس مادورو إلى السلطة، إذ تفرض واشنطن عقوبات وحصاراً على كراكاس منذ عام 2015.

نجاح الوساطة القطرية

ونجاح الوساطة القطرية محطة جديدة في سياق سلسلة من الأدوار المماثلة التي شملت دولاً عدة، ومنها الحوار الأميركي مع "طالبان" حول أفغانستان، وإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى ذويهم من روسيا، والملف الإيراني ـ الأميركي، ومفاوضات السلام في عدد من البلدان الأفريقية من تشاد إلى السودان قبلها، فضلاً عن دور الوساطة الذي تؤديه الدوحة في العدوان على قطاع غزة.

الخليفي:  نجاح هذه الوساطة يؤكد مجدداً مكانة دولة قطر كشريك موثوق على المستويين الإقليمي والدولي

وكشف وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن فنزويلا أطلقت سراح 10 سجناء أميركيين، في مقابل إطلاق الولايات المتحدة سراح سجين فنزويلي، بعد عقد عدد من جلسات الوساطة بين الطرفين.

ووجه الخليفي شكر دولة قطر للولايات المتحدة وفنزويلا على تعاونهما في إنجاح عملية تبادل السجناء وتجاوبهما مع جهود الوساطة القطرية، مؤكداً أن هذه الخطوة جزء من وساطة أشمل لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين.

وشدّد الوزير القطري على أن نجاح هذه الوساطة يؤكد مجدداً مكانة دولة قطر كشريك موثوق على المستويين الإقليمي والدولي، كما يعكس دورها الفعال في صناعة السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتطرّق إلى نجاح دولة قطر في التوسط في عدد من الملفات المهمة خلال السنوات الماضية، ومنها المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، وبين إيران والولايات المتحدة، ومفاوضات السلام في لبنان والسودان وتشاد، كما تستمر جهود الوساطة القطرية بين إسرائيل وحركة حماس بهدف وقف إطلاق النار في قطاع غزة. 

 

 

 

 

وأشادت الإدارة الأميركية بدور دولة قطر في التوسط بين الولايات المتحدة وفنزويلا على مدى عامين، والذي أسفر عن التوصل لاتفاق بين الجانبين لتبادل السجناء. واحتفى الرئيس جو بايدن بالاتفاق في بيان، مساء أمس الأربعاء، قائلاً إنه "ممتن لأن محنتهم (السجناء الاميركيون) قد انتهت أخيراً، وأن هذه العائلات أصبحت كاملة مرة أخرى".

وأضاف أنه بذلك "نحن نضمن أن النظام الفنزويلي يفي بالتزاماته، فقد أعلنوا عن خريطة طريق انتخابية، وافقت عليها أحزاب المعارضة، لإجراء انتخابات رئاسية تنافسية في عام 2024. وهذه خطوة إيجابية وهامة إلى الأمام"، وقال: "أطلقوا (السلطات الفنزويلية) سراح 20 سجيناً سياسياً، بالإضافة إلى خمسة أفرج عنهم سابقاً. سنواصل مراقبة ذلك عن كثب واتخاذ الإجراءات المناسبة إذا لزم الأمر. نحن ندعم الديمقراطية في فنزويلا وتطلعات الشعب الفنزويلي".  

ونقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية قوله: "ممتنون لجهود قطر التي سهّلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأميركيين لتمهيد الطريق نحو انتخابات تنافسية عام 2024 وعودة الأميركيين المحتجزين هناك ظلماً".

وكان مسؤولون أميركيون قد كشفوا في وقت سابق أن واشنطن ستفرج عن رجل الأعمال الكولومبي أليكس صعب، المتهم بغسل أموال لصالح حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، فيما قال مصدر فنزويلي رفيع المستوى إن حكومة مادورو ستفرج عن 36 شخصاً، بينهم 12 أميركياً.

مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية: ممتنون لجهود قطر التي سهّلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأميركيين

 

وأضاف المصدر أن حليف مادورو هو صعب، الذي يقول المدعون الأميركيون إنه اختلس نحو 350 مليون دولار من فنزويلا عبر الولايات المتحدة، في مخطط تضمن رشوة مسؤولين حكوميين فنزويليين، فيما ينفي صعب هذا الاتهام.

وتابع المصدر أنه من ضمن المفرج عنهم 20 فنزويلياً مرتبطين بالمعارضة، محتجزين منذ فترة، إضافة إلى 4 آخرين شاركوا إما في حملة المرشحة الرئاسية المعارضة ماريا كورينا ماتشادو أو في تنظيم الانتخابات التمهيدية للمعارضة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.   

دخول قطر على خط أميركا ـ فنزويلا

ودخلت قطر على خط الوساطة لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا قبل عامين، واستضافت في العام الحالي لقاءً سرياً بين خوان غونزاليس، مستشار بايدن لشؤون أميركا اللاتينية، وخورخي رودريغيز الذراع اليمنى لمادورو، بهدف إنشاء قناة اتصال مباشرة بين البلدين في المستقبل، واستكشاف سبل إزالة التوتر بين واشنطن وكراكاس على خلفية عقوبات فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على فنزويلا، بعد اتهام رئيسها بتقويض الديمقراطية.  

اعتبر مادورو أن عملية التبادل تمثل خطوة نحو حقبة جديدة من العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة

 

وزار الخليفي كراكاس، السبت الماضي، حيث التقى مادورو، للتمهيد للإعلان عن صفقة تبادل السجناء. وذكرت وزارة الخارجية القطرية في حينها أن الوزير القطري بحث مع الرئيس الفنزويلي علاقات التعاون بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتطويرها، بالإضافة إلى مناقشة أبرز القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وأفادت وكالة "رويترز" بأن بعض الأميركيين الذين أفرجت عنهم فنزويلا وصلوا إلى قاعدة كيلي فيلد العسكرية في سان أنطونيو بولاية تكساس، مساء أمس الأربعاء. وقال المبعوث الخاص لشؤون الرهائن الأميركي روجر كارستنز، الذي رافق المُفرج عنهم في رحلة العودة إلى البلاد، إنه لا يوجد أميركيون آخرون محتجزون حالياً في السجون الفنزويلية. 

وكشف مسؤول أميركي لشبكة "سي أن أن" أنه تم سجن اثنين من "القبعات الخضراء" (قوات خاصة أميركية) السابقين في فنزويلا في مايو/أيار 2020 لدورهما في ما وصفه مادورو بأنه "انقلاب فاشل"، وحكم عليهم بالسجن لمدة 20 عاماً. وقال المسؤول الكبير في الإدارة إنه لم يتم الكشف عن أسماء أفراد إضافيين، مشيراً إلى خصوصيتهم.  

وعلى الرغم من أن الإفراج عن السجناء يمكن اعتباره خطوة من جانب مادورو للامتثال للمطالب الأميركية، فإن عودة صعب تمثل انتصاراً للرئيس الفنزويلي. ولم تتم إدانة صعب بعد، وكان يُعتقد في السابق أن عودته إلى فنزويلا أمر غير محتمل.

وشكر صعب، الذي كان محتجزاً في السجن الاتحادي في ميامي، مادورو والشعب الفنزويلي على عودته إلى البلاد، معتبراً أنه "اليوم، أصبحت معجزة الحرية، معجزة العدالة، حقيقة". وقال مادورو إن عملية التبادل تمثل خطوة نحو حقبة جديدة من العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، واصفاً إفراج الولايات المتحدة عن صعب بأنه "انتصار للحقيقة".

وأضاف مادورو، الذي استقبل صعب في القصر الرئاسي في كراكاس: "أريد أن أرحّب بهذا الرجل الشجاع... بعد 1280 يوماً من الاحتجاز، انتصرت الحقيقة"، كما ذكرت الحكومة الفنزويلية في بيان أن "إطلاق سراحه رمز لانتصار الدبلوماسية البوليفارية (الفنزويلية)".

وحول عملية الإفراج، اعتبر مسؤول أميركي كبير، في حديث لـ"سي أن أن"، أن بايدن "كان عليه اتخاذ هذا القرار الصعب جداً... بمنح العفو لأليكس صعب"، وأشار إلى أن الصفقة "في الأساس كانت عملية تبادل 10 أميركيين وهارب من العدالة مقابل شخص واحد أعيد إلى فنزويلا".

وتطرق مسؤولون أميركيون إلى إعادة فنزويلا رجل الأعمال الماليزي الهارب ليونارد غلين فرنسيس، المعروف باسم "فات ليونارد"، لواشنطن. وفرنسيس متورط في قضية رشوة للبحرية الأميركية.

ولم يكن اتفاق التبادل مرضياً لإليوت أبرامز، الذي شغل منصب الممثل الخاص لفنزويلا خلال إدارة ترامب، بل اعتبر أن مادورو "انتهك بوضوح التعهدات التي قطعها بشأن التحرك نحو انتخابات حرة في عام 2024". وأضاف: "بدلاً من ذلك، يكافأ على القيام بذلك"، واصفاً إطلاق سراح صعب بأنه "مشين".

مسار التقارب

وكلل الاتفاق فترة طويلة من مسار التقارب بين واشنطن وكراكاس، خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، ما دفع الأميركيين إلى رفع بعض العقوبات عن فنزويلا، لتسهيل الوصول إلى احتياطيات النفط فيها.

كما شكّل ملف عبور عشرات الآلاف من المهاجرين الفنزويليين إلى الولايات المتحدة كل شهر أزمة للأميركيين، الذين عادوا واتفقوا مع فنزويلا على إعادة المهاجرين إليها.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت فنزويلا التزامها باتفاق بربادوس، الذي تضمن تحديثاً لسجل الانتخابات ليشمل المزيد من الفنزويليين الذين يعيشون في الخارج والتعهد بإشراك مراقبين دوليين في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل، وهو ما حفّز الولايات المتحدة لتعليق العقوبات على التدابير المتعلقة بعمليات قطاع النفط والغاز في فنزويلا وبعض الحظر التجاري.