يعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذين يصل عددهم إلى نحو 4900 أسير، في معاناة كبيرة مع تطوير سلطات الاحتلال المزيد من أدوات التنكيل، وتعميق انتهاكاتها بحقهم، وهو ما برز خصوصاً منذ تولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي ومحاولته استغلال سلطته للتضييق على الأسرى، ما دفع هؤلاء لخوض عصيان في السجون أجبر الاحتلال على التراجع عن القرارات القمعية بحقهم.
ومع حلول يوم الأسير في 17 أبريل/ نيسان تبدو صفقات التبادل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الأمل الوحيد للأسرى الفلسطينيين وتحديداً أسرى "المؤبدات" والذين تزيد أحكامهم عن 20 عاماً، للخروج من سجونهم، على الرغم من غياب أي مؤشرات راهنة لإمكان حصول صفقة قريبة في هذا الشأن.
وتحتفظ "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس" بأربعة إسرائيليين أسرى، بينهم ضابط وجندي، منذ العدوان على غزة صيف عام 2014 وما بعده. إلا أنه ومع مرور قرابة 9 سنوات على أسر هؤلاء، فإن محاولات إبرام صفقة تبادل جديدة فشلت في أكثر من مناسبة، على الرغم من وجود أكثر من عرض من قبل حركة "حماس" التي تدير القطاع.
ومنذ أسر الإسرائيليين الأربعة، شاؤول أرون وهدار غولدين وأبراهام منغستو وهشام السيد، تتحفظ الذراع العسكرية لـ"حماس" عن كشف أي معلومات تخصهم، فيما نشرت أخيراً تسجيلات صوتية وأخرى مصورة تخص كلاً من منغستو والسيد، في الوقت الذي تزعم فيه إسرائيل أن الجندي أرون والضابط غولدين ليسا حيين.
وخلال السنوات الماضية، جرت أكثر من محاولة للتوصل إلى صفقة جديدة، على غرار صفقة التبادل التي جرت عام 2011 بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال، والتي تمّ بموجبها إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة فلسطينيين على مرحلتين.
وضعت لجنة "شمغار" مجموعة من الاشتراطات والتعقيدات تمثّلت في عدم إبرام صفقة تبادل ذات عدد كبير من الأسرى
لكن الاحتلال شكّل لجنة حملت اسم لجنة "شمغار" عام 2012، ترأسها آنذاك قاضٍ إسرائيلي متقاعد يدعى مئير شمغار، لبلورة قواعد جديدة للمفاوضات بشأن إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل أسرى إسرائيليين، كاستخلاص للدروس من صفقة شاليط.
ووضعت هذه اللجنة مجموعة من الاشتراطات والتعقيدات التي رفعتها إلى المستوى السياسي، تمثّلت في عدم إبرام صفقة تبادل ذات عدد كبير من الأسرى، إلى جانب عدم الإفراج عن الأسرى التي تصفهم إسرائيل بـ"الملطخة أيديهم بالدماء"، والتعامل بمنطق أسير مقابل أسير.
وعلى الرغم من أن مثل هذه اللجان لا تقف عقبة عند رغبة الأطراف السياسية والعسكرية الإسرائيلية في إنهاء هذا الملف، فقد أدى غياب الاستقرار السياسي في دولة الاحتلال خلال السنوات الخمس الماضية وتشكيل عدة حكومات في فترة قياسية دوراً في عدم حسم الملف والوصول إلى صفقة تبادل.
وأمام انسداد الأفق السياسي، فإن صفقات التبادل تعتبر الأمل الوحيد للأسرى الفلسطينيين، غير أن المتتبع للواقع يجد أن هناك تباعداً زمنياً كبيراً بين صفقات التبادل التي تتم بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي.
4900 أسير في السجون الإسرائيلية
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة - القدس، في تقرير نشرته أول من أمس السبت، لمناسبة يوم الأسير، إن سلطات الاحتلال تواصل اعتقال نحو 4900 أسير، بينهم 31 أسيرة، و160 طفلاً تقل أعمارهم عن 18 عاماً، إضافة إلى أكثر من 1000 معتقل إداري.
وأوضحت هذه المؤسسات في تقريرها، أن المتغير الوحيد القائم هو أن سلطات الاحتلال وبأجهزتها المختلفة، عملت على تطوير المزيد من أدوات التنكيل، وتعمق انتهاكاتها عبر بنية العنف الهادفة إلى سلب الأسير الفلسطيني فاعليته وتقويض أي حالة نضالية متصاعدة ضده بهدف تقرير مصيره، وحماية حقوقه الإنسانية.
أدى غياب الاستقرار السياسي في دولة الاحتلال دوراً في عدم الوصول إلى صفقة تبادل
سجلت المؤسسات منذ مطلع العام الحالي نحو 2300 حالة اعتقال، وبلغ عدد الأطفال المعتقلين منذ مطلع العام أكثر من 350، غالبيتهم من القدس المحتلة، فيما بلغ عدد النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاعتقال الـ40.
المقاومة تتعهد بتحرير الأسرى
وفي السياق، يؤكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، مسؤول مكتب الأسرى والشهداء فيها، زاهر جبارين، أن قضية الأسرى لدى الحركة خط أحمر وهي من "المقدسات" وتحريرهم من المسلّمات، فمنذ انطلاق الحركة نفذت عشرات من العمليات بهدف أسر جنود إسرائيليين لتحرير الأسرى.
ويقول جبارين لـ"العربي الجديد" إنه ومع مرور 9 سنوات على أسر الإسرائيليين الأربعة من قبل المقاومة، فإن عدم إنجاز الصفقة يرجع إلى تعنت الاحتلال وتهربه من دفع الاستحقاق، وهو ما يعني أن هذا التهرب سيدفع نحو عمليات أسر جديدة.
ووفق عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، فإن "المقاومة خلال معركة سيف القدس عام 2021 حاولت أسر جنود إسرائيليين لكن ذلك لم ينجح، ولعل المعركة المقبلة مع الاحتلال عنوانها الأسرى، فبالنسبة لنا المسرى والأسرى لا ينفصلان، فلهما ومن أجلهما تخاض المعارك والحروب".
ويشدد جبارين على أن "حركته لن تترك الأسرى وحدهم، ولديها قرار واضح وقطعي بتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية مهما كلّف ذلك من ثمن"، مضيفاً "فليماطل الاحتلال ويراوغ كما شاء، نحن من جانبنا نؤكد بأن هناك استحقاقاً وهناك ثمناً، سيأتي وسيدفعه وهو ذليل".
الحسابات الإسرائيلية في ملف الأسرى
من جهته، يقول الباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة إن تباعد الفترات الزمنية بين صفقات التبادل انعكس سلباً على واقع الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال وأسهم في تفاقم المعاناة الإنسانية والصحية لمئات الأسرى الفلسطينيين.
ويوضح فروانة لـ"العربي الجديد"، أن هناك قرابة 400 أسير أمضوا أكثر من 20 عاماً وما زالوا في الأسر، بالإضافة إلى 39 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاماً، عدا عن 7 أسرى مضى على اعتقالهم أكثر من 35 عاماً، بالإضافة إلى أسرى أمضوا أكثر من 42 عاماً وإن كان بعضهم على فترتين.
ويرى الباحث في شؤون الأسرى أن هذه الأرقام الصادمة وغير المسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تعكس الحالة الفلسطينية في التعامل مع هذا الملف، وهو أمر يدفع نحو أمرين، هما الإشارة إلى تأثيرات غياب صفقات التبادل، وأهمية التمسك بخيار الصفقات.
ووفق فروانة، فإن هناك 554 أسيراً يقضون أحكاماً إسرائيلية بالسجن المؤبد، الذي يتعامل معه الاحتلال بالسجن مدى الحياة ولا يوجد له سقف زمني وهو ما يجعل الغالبية العظمى من أسرى المؤبدات لم يفرج عنهم تاريخياً إلا في إطار صفقات التبادل.
ويوضح فروانة أن التأخير في إبرام الصفقة الحالية على الرغم من امتلاك حركة "حماس" 4 أسرى إسرائيليين يرجع لأسباب منها الشروط الداخلية المعقّدة التي وضعت بعد صفقة شاليط، إلى جانب عدم الجاهزية الإسرائيلية لدفع استحقاقات الصفقة، بالإضافة إلى طبيعة التعامل مع ملفات هؤلاء الجنود الأسرى.
هناك 554 أسيراً يقضون أحكاماً بالمؤبد، ما يجعل الغالبية العظمى من أسرى المؤبدات لم يفرج عنهم تاريخياً إلا في إطار صفقات التبادل
ويؤكد فروانة أن ما تمتلكه "حماس" من أوراق كفيل بإنجاز صفقة تبادل، على الرغم من المعطيات الإسرائيلية الحالية، وهو أمر يجب أن يدفعها نحو زيادة "الغلة" من الأسرى الإسرائيليين أو اتباع تكتيكيات جديدة في المفاوضات تعجل من الوصول إليها.
بدوره، يشير المختص في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي إلى أن الاحتلال ذهب بعد صفقة شاليط نحو لجنة شمغار التي كان من أبرز توصياتها للمستوى السياسي الإسرائيلي عدم الذهاب إلى صفقة تبادل أسرى جديدة يكون فيها الثمن كبيراً، إلى جانب التوصية بأن يكون كل أسير يقابله أسير.
ويقول الرفاتي لـ"العربي الجديد" إن الوضع الحالي في دولة الاحتلال وعدم استقرار الحكومة الحالية على الرغم من أنها تحظى بعدد أعضاء مناسب في الكنيست، إلا أن حالة المعارضة وحالة الشرخ الداخلي الكبيرة يجعلها تؤخر الذهاب لمثل هذا الخيار بإبرام صفقة تبادل.
وبحسب المختص في الشأن الإسرائيلي، فإن الجيش الإسرائيلي يرغب بشكلٍ سريع في إنهاء هذا الملف والوصول إلى صفقة تبادل باعتباره كان أحد العوامل التي أثر عليه من ناحية انخفاض الدافعية للقتال لدى الجنود في الجيش الاسرائيلي وسط اتهامات من قبل عائلات الجنود ومن قبل من الأطراف الأخرى في دولة الاحتلال بأن الجيش لا يهتم بجنوده ويترك جنوده في المعركة ولا يعيدهم.
ويشير إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي كان يريد هو الآخر إنهاء هذا الملف ويسعى إلى ذلك، غير أن جهاز الأمن العام "الشاباك" يعارض ذلك، خشية من تصاعد العمليات الفلسطينية بعد اتهامه للأسرى المحررين في صفقة شاليط بالوقوف وراء تشكيل خلايا للمقاومة بعد تحررهم.
في الوقت ذاته، يرى الرفاتي أن الحكومة الإسرائيلية الحالية نتيجة الضغط والمعارضة، يجعلها تؤجل الذهاب لهذا الملف على الرغم من وجود ضغوط تمارس عليها من قبل الجيش، إلى جانب أن ضعف موقف عائلات الجنود التي لم تتحرك بشكل جيد مقارنة بما حصل مع عائلة شاليط يجعل الملف يراوح مكانه حالياً.