مرت الذكرى العاشرة لمجزرة الغوطة الشرقية من دمشق، أمس الاثنين، التي استُخدم فيها السلاح الكيميائي في صيف عام 2013، والتي وُصفت بأنها من أكثر المجازر المروعة في سياق الحرب السورية، لكن ضحاياها من الأموات والأحياء لم يصلوا للإنصاف المأمول بمحاسبة الجناة، إذ يتهم سكان الغوطة والمعارضة السورية والكثير من الجهات الحقوقية المحلية والدولية، النظام السوري بالوقوف وراء ارتكاب المجزرة وقصف بلدات الغوطتين الشرقية والغربية من دمشق بغاز السارين السام، فجر يوم 21 أغسطس/آب من عام 2013.
عملت الكثير من المنظمات على تحريك تحقيقات أو دعاوي لمحاسبة الجناة، بالإضافة إلى جمع الأدلة، التي أكدت تورط النظام بتلك المجزرة التي راح ضحيتها قرابة 1400 مدني.
مؤخراً، حدّثت منصة "الأرشيف السوري" قاعدة البيانات الخاصة لديها من ضمن المصادر المفتوحة، حيال مجزرة الغوطة، وأصدرت تقريراً بعد عمل بدأت به منذ عام 2018، يتعلق بأرشفة وتوثيق كافة الفيديوهات والصور من المصادر المفتوحة، وأعادت نشر ما تم حذفه منها على وسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما في "يوتيوب"، حين لجأ الموقع العالمي الخاص بنشر الفيديوهات إلى حذف الكثير من المقاطع التي إما اعتبر أن فيها مشاهد حساسة، أو بسبب الملكية أو التبليغ عليها، أو لأسباب أخرى.
وقام فريق الأرشيف السوري، الذي عمل على هذا المشروع، بحفظ وتحليل 564 مادة مفتوحة المصدر توثق الهجوم بغاز السارين على الغوطة، وقد "تمت إتاحتها للجمهور لدعم جهود العدالة والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الخطيرة الأخرى في سورية"، بحسب "الأرشيف السوري".
وأشارت المنصة في التقرير الصادر يوم أمس الاثنين، إلى أن "الكم الهائل من المحتوى الذي يتم إنشاؤه والإزالة شبه المستمرة للمواد من القنوات العامة، يجعل (الأرشيف السوري) في سباق مع الزمن للحفاظ على هذه الوثائق المهمة، وعلى الرغم من سعينا للتعاون مع منصات التكنولوجيا الرئيسية لاستعادة الوثائق المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والمواد الاستدلالية، فإنه من الممكن أن تصادف بعض الروابط المعطلة أثناء البحث في قاعدة البيانات هذه".
وفي منهجيتها لتوثيق كل الأدلة عبر المصادر المفتوحة للمجزرة، قالت المنصة إنها اعتمدت أثناء فحص المواد على إضافة الوسوم يدوياً لتحديد المعلومات الرئيسية الظاهرة فيها، ولتسليط الضوء عليها، وكذا من أجل تسهيل تحليل مؤشرات استخدام مواد كيميائية سامة كأسلحة في الهجوم قيد الفحص، وتحليل أنماط التأثير على المدنيين ومداه، وأيّ تعمّد ممنهج قد يكون وراء الضرر واسع النطاق، وتحليل معلومات الإسناد والربط بالجاني.
وخلصت في نتائجها إلى أن بين أيديها الآن 327 مادة توثيق، يوجد فيها مؤشر واحد على الأقل للمواد الكيميائية السامة، و56 مادة توثق لقوات عسكرية أو أمنية أو مسلحة، و38 مادة توثق لمواقع سقوط الصواريخ، و35 مادة توثق لما يبدو أنه بقايا أسلحة كيميائية، ويبدو أن 6 منها على الأقل تظهر علامات عن شركة مصنعة ما، و7 مواد توثق لمركبات مسلحة وأنظمة أسلحة مستخدمة من نوع ما، و7 مواد توثق لإطلاق ذخائر يُزعم أنها مرتبطة بالهجوم، بالإضافة إلى 4 مواد توثق لحظة الهجوم.
وحول الجديد الذي تقدمه قاعدة البيانات المحدثة لدى "الأرشيف السوري"، قالت المستشارة القانونية لدى المنصة ليبي ماكفوي، إنّ "قاعدة البيانات هذه بالإضافة إلى نتائج التحليل الذي قمنا به، تقدم النظرة الأكثر شمولاً لدينا حتى الآن لجميع وثائق وسائل التواصل الاجتماعي المؤرشفة لهذا الهجوم".
وأضافت لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ إطلاق هذا المشروع، أي المنصة، في عام 2014، يعمل فريق الأرشيف السوري على ضمان حفظ وتأمين جميع توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سورية التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان الدافع وراء ذلك جزئياً هو التوثيق عبر الإنترنت لأحداث مثل الهجوم على الغوطة بغاز السارين الذي تمت إزالته بواسطة المنصات، مما يعني فقدان بعض الأدلة المحتملة إلى الأبد".
وحول منهجية العمل، أكدت ماكفوي أن "الأرشيف السوري قام بالتحقق من أن كل مادة من الـ564 مادة التي تم جمعها هي وثائق ذات صلة بالهجوم، وأضاف تحليلاً واقعياً من خلال "وضع علامات أو تأشيرات على هذه المواد لتحديد نوعها، مثل بقايا الذخائر أو مؤشرات المواد الكيميائية السامة"، منوهةً إلى أنه "تم القيام بذلك وفقاً لمعيار تقصي الحقائق الخاص بحقوق الإنسان، وهو (أسباب معقولة للشك)، وهذا يعني أن الباحث وجد أسبابا معقولة للاعتقاد أن المعلومة الموجودة قد تكون صحيحة عند وضع أي إشارة أو علامة على أي مادة، وتمت مراجعة العلامات أو الإشارات بعد ذلك من قبل العديد من المراجعين للتأكد من اتساقها عبر كامل قاعدة البيانات".
وعما إذا كانت المنصة ستشارك ما لديها من أدلة ونتائج في تحقيقها مع الجهات الرسمية الفاعلة، كلجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية، أو تحرك دعاوى في هذا الشأن، قالت ماكفوي إنّ "التحقيقات الجنائية المتعلقة بالهجوم سارية في ألمانيا وفرنسا والسويد، وهي مدفوعة بشكاوى مقدمة بدعم من الأرشيف السوري مع شركائنا المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والمدافعين عن الحقوق المدنية".
وتأسست منصة "الأرشيف السوري" عام 2014، وهدفت إلى توثيق الحراك السوري بجميع مفاصله من خلال جميع الفيديوهات المتعلقة فيه، لا سيما الانتهاكات والمجازر التي ارتكبت على خلفية الحراك.
وحول المجزرة أكدت التقارير الأمنية والاستخبارية لعدة دول أجنبية، وقوف النظام وراء الهجوم باستخدام غاز الأعصاب (السارين)، أما عن أعداد الضحايا، فذكرت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير لها صدر في 24 آب/ أغسطس 2013، أن 355 قد قتلوا نتيجة تسمم عصبي من بين حوالي 3600 حالة تم نقلها إلى المستشفيات، بينما قالت المعارضة إن عدد القتلى ارتفع إلى 1466 قتيلاً قضوا نتيجة هجمات الـ21 من أغسطس/آب، في حين ذكر تقرير للمخابرات الأميركية أن 1429 شخصاً قد قتلوا في الهجوم، لكن النظام وصف التقرير بـ"الادعاءات الكاذبة".
وفي طريق محاسبة النظام ورئيسه بشار الأسد على الهجمات الكيميائية التي استهدف بها المدنيين، استطاع المجتمع الدولي التوصل إلى القرار الأممي 2235، الصادر في أغسطس/آب من عام 2018، القاضي بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، للتحقيق بالمسؤولية وراء الهجمات الكيماوية في سورية.
ودانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام لاستخدامه السلاح الكيميائي، في مواقع مختلفة من البلاد، إذ جرّمت المنظمة النظام في ثلاثة تقارير، الأول عن هجمات في ريف حماة باستخدام غازي الكلور والسارين عام 2017، والثاني عن استخدام نظام الأسد غاز الكلور السام خلال هجومه على سراقب في ريف إدلب الشرقي في 2018، والثالث الذي صدر بداية العام الحالي يدين النظام بارتكاب مجزرة دوما بريف دمشق باستخدام الغازات السامة عام 2018.