نال إقرار مجلس النواب الأردني في دورته الاستثنائية مشاريع قوانين كما جاءت من الحكومة من دون أي تغيير يذكر، من الرصيد الشعبي المتآكل للمجلس خلال السنوات الأخيرة.
وأقرّ مجلس النواب، خلال الدورة الاستثنائية التي انطلقت في 16 يوليو/تموز الماضي، مشاريع قوانين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قانون معدل لقانون الملكية العقارية، قانون الجرائم الإلكترونية، تعديل قانون السير، تعديل قانون الشركات، تعديل قانون تشكيل المحاكم الشرعية، قانون حماية البيانات الشخصية، وإلغاء قانون التصديق على اتفاقية المشاركة في الإنتاج للاستكشاف عن البترول وتقييم اكتشافه وتطويره وإنتاجه، بين سلطة المصادر الطبيعية في المملكة وشركة أمونايت للطاقة إنترناشونال إنكربوريشن في منطقة الجفر ووسط الأردن لسنة 2017.
الأكثر إثارة للجدل والسخط الشعبي كان إقرار قانون الجرائم الإلكترونية والذي تصل الغرامات فيه إلى عشرات الآلاف من الدولارات، فيما كان هناك غضب من الأطياف السياسية المعارضة بسبب قانون الملكية العقارية، كما كان هناك استياء شعبي واسع في جلسات الأردنيين بعد تغليظ العقوبات المالية بمعدل قانون السير الجديد.
قانون الجرائم الإلكترونية
يتألّف مشروع قانون الجرائم الإلكترونية من 41 مادة، إلا أن المواد 15 و16 و17 كانت الأكثر جدلاً، لما تضمّنته من "عقوبات مشدّدة" تتعلّق باستخدام الفضاء الإلكتروني، فهذه المواد تفرض عقوبات مغلظة على حالات عديدة تعتبرها مخالفة، تقضي بالحبس فترات لا تقل عن 3 أشهر وتصل إلى عدة سنوات، وتفرض غرامات مالية تصل إلى 20 ألف دينار (28 ألف دولار). كما تضع "الأخبار الكاذبة" تحت تعريف عريض هو التأثير على "السلم المجتمعي والأمن الوطني"، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام اتهامات وتأويلات فضفاضة.
رلى الحروب: حزمة القوانين الأخيرة التي أقرها المجلس أدت إلى إحباط الشارع مجدداً
ووفق القانون الجديد تلاحق الجرائم من قبل النيابة العامة "من دون الحاجة إلى تقديم شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي، إذا كانت موجهة إلى إحدى السلطات في الدولة أو الهيئات الرسمية أو الإدارات العامة أو إلى أحد أعضائها أو إلى أي موظف عام في أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها".
ومثلاً نص القانون على "معاقبة كل من قام قصداً بإرسال، أو إعادة إرسال، أو نشر بيانات أو معلومات، من طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي، تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، أو بغرامة لا تقلّ عن 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار) دينار ولا تزيد على 20 ألف دينار (28 ألف دولار)، أو بكلتا هاتين العقوبتين".
قانون الملكية العقارية
لقي القانون معارضة وانتقادات واسعة، إذ يفوّض مجلس الوزراء بنقل ملكية قطع أراض من أملاك الدولة للصناديق الاستثمارية العامة أو للشركات المملوكة بالكامل للحكومة، للاستثمار أو تقديم بعضها كحصص عينية في المشروعات الاستثمارية، ولأول مرة سمح للمستثمر غير الأردني، أن يتملك عقارات بمساحات غير محدودة ومن دون سقوف.
واعتبر المنتقدون، ومنهم أحزاب سياسية، القانون خطراً حقيقياً على السيادة الوطنية، في ظل السياسات الصهيونية التوسعية التي تستهدف الأردن، كما تستهدف فلسطين، بطرح "مشروع إسرائيل الكبرى" والتي تحاول النفاذ إلى البلاد بمختلف السبل والوسائل عبر وثائق من مختلف الجنسيات.
كما أن تمليك الشركات الأردنية المملوكة للدولة يثير المخاوف من القيام بموجة جديدة من الخصخصة لشركات ومؤسسات مملوكة للدولة لصالح رأس المال الأجنبي، بعد أن فقدت الدولة جزءاً هاماً من مواردها بسبب الخصخصة بدعوى الاستثمار خلال عقود ماضية، والتي أثّرت سابقاً على الاقتصاد الوطني، وعمقت الأزمة المالية والاقتصادية، وفاقمت معدلات الفقر والبطالة.
قانون السير
جرى تشديد العقوبات، ومن بينها استخدام الهاتف المحمول باليد، وأصبحت قيمة المخالفة 50 ديناراً (حوالي 70 دولاراً) بدلاً من 15 ديناراً (حوالي 21 دولاراً). أما مخالفة قطع الإشارة الحمراء، فأصبحت الحبس من شهر إلى شهرين وغرامة مالية تراوح بين 200 دينار (280 دولاراً) و300 دينار (420 دولاراً). وفي حال التكرار خلال العام تتضاعف العقوبة.
والانتقادات التي طاولت القانون تتعلق بالمبالغة بقيم المخالفات في ظل وضع اقتصادي صعب بعاني منه أغلب الأردنيين، ومعدل بطالة يصل إلى حوالي 23 في المائة.
جهاد المنسي: صورة المجلس ستتأثر سلباً في عيون المواطنين بعد إقرار هذه القوانين
وتقول الأمينة العامة لحزب "العمال"، النائبة السابقة رلى الحروب، لـ"العربي الجديد" إن صورة مجلس النواب أصبحت كارثية بعد إقراره حزمة القوانين في الدورة الاستثنائية وعلى رأسها قانون الجرائم الإلكترونية، وأصبح جزء كبير من الشارع الأردني يرى أنه ليس لديه مجلس نواب يدافع عن حقوقهم.
وتضيف الحروب أن المجلس في حالة تماهٍ كامل مع الحكومة، فيما مجلس الأعيان المعين وغير المنتخب لديه اعتراضات واحتجاجات على القوانين ولدية وجهة نظر ناقدة، في المقابل مجلس النواب موقفه سلبي، باستثناء عدد قليل من النواب. وترى أن النواب بهذا الأداء وارتهانهم للتوجهات الحكومية ساهموا بعكس صورة سلبية عن ممثلي الشعب المنتخبين، وتعميق فجوة الثقة ما بين المجلس والمواطنين.
وتعتقد الحروب، أن إقرار قوانين الدورة الاستثنائية سيكون عاملا محبطا ومثبطا للمشاركة في الانتخابات المقبلة، مشيرة إلى أنه كانت هناك جرعة من التفاؤل مع إقرار قوانين التحديث السياسي، تحديداً قانوني الانتخاب والأحزاب، وأن السباق بين الأحزاب كان سيرفع نسبة التصويت في ظل وجود تنافسية بين البرامج الحزبية، لكن حزمة القوانين الأخيرة التي أقرها المجلس أدت إلى إحباط الشارع مجدداً، والنظر بسلبية لتوجهات التحديث والإصلاح السياسي ليعود الجميع إلى نقطة البداية، ومربع ما قبل الحراك الحزبي خلال السنة الماضية.
وتدعو الحروب إلى رحيل المجلس الحالي في ظل اتساع فجوة الثقة، مضيفة أنه خلال عمر هذا المجلس لم يقدم على أي تعديل هام للقوانين المعروضة عليه يرجح رؤية المواطنين على رؤية الحكومة وتوجهاتها. وتتساءل أين الوزير الذي سُحبت منه الثقة بسبب ضعف الأداء أو التقصير، معتبرة أن وجود هذا المجلس لا أثر إيجابياً له بل زاد حجم الضرر الواقع على المواطنين.
بدوره، يقول المحلل السياسي أنيس الخصاونة في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن الاستعجال في إقرار قوانين مهمة أبرزها قانونا الجرائم الإلكترونية والملكية العقارية وضعت إشارات استفهام على أداء المجلس والحكومة، وعمقت فجوة الثقة ما بين المواطنين والنواب والحكومة. ويشير إلى أن مجلس النواب لم يعط القوانين الفرصة الحقيقية للنقاش مع مؤسسات المجتمع المعنية، واجتماعهم مع بعض الجهات المعنية كنقابتي المحامين والصحافيين على عجل كان شكلياً، ولم يؤخذ بملاحظاتهم عند إقرار القانون.
النواب انحازوا إلى توجهات الحكومة
ويعدّ الخصاونة إقرار قانون الجرائم الإلكترونية قفزة إلى الخلف في عملية الإصلاح، فالقانون يحتاج إلى عام من النقاش، وليس إقراره خلال ساعات، والنواب انحازوا إلى توجهات الحكومة بدلاً من المواطنين.
ويضيف أن حرية التعبير تشكل العصب الرئيسي لكافة أشكال وهياكل الديمقراطية، فلا انتخابات من دون حملات انتخابية يتم التعرض فيه بالانتقاد للأوضاع الراهنة في الدولة وتقديم برامج تصحيحية، ولا حياة حزبية حقيقية ما لم تتوفر الحرية لنقد الحكومات والمسؤولين وفضح ممارسات الفاسدين والموظفين الذين يستغلون وظائفهم وصلاحياتهم وسلطاتهم لتحقيق مكاسب خاصة، ولا شفافية دون تفعيل وإنفاذ قانون الحق في الوصول إلى المعلومة. ويؤكد أن عدم تفعيل هذا القانون يعني أنه يمكن محاسبة أي كاتب بنشر أخبار كاذبة لأن المعلومة عند الحكومة، وبالتالي يمكنها أن تستخدم المعلومة لإثبات عدم صحة ما ينشر.
أنيس الخصاونة: قُدم اقتراح لمنع الإسرائيليين من التملّك
وبحسب الخصاونة، فإن التقييدات على حرية التعبير الواردة في قانون الجرائم الإلكترونية تضرّ بكل برامج التحديث السياسي، مشيراً إلى أن تقييد حرية التعبير كما ورد في قانون الجرائم الإلكترونية يمثل انقلاباً على الديمقراطية ومبادئها، القائمة على التحرر من الخوف من إبداء الرأي والحق في ممارسة النشاط السياسي وانتقاد السلطة والقائمين عليها.
وحول قانون الملكية العقارية، يقول الخصاونة إن القانون خطير جداً، وطرح أحد النواب مقترحا لاستثناء الإسرائيليين من التملك في الأردن، لكن المجلس فوض مجلس الوزراء السماح للاستثمار لمختلف الجنسيات، وإذا جاء الإسرائيليون لشراء الأراضي كما فعل اليهود بفلسطين، فماذا نحن فاعلون.
وفي السياق يرى الصحافي المختص بالشأن البرلماني جهاد المنسي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن صورة المجلس ستتأثر سلباً في عيون المواطنين بعد إقرار هذه القوانين، خصوصاً قانون الجرائم الإلكترونية، لكن لا نستطيع الجزم أن ذلك سيؤثر على المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، لأنها ستجري وفق قانون الانتخاب الجديد، الذي خصص 41 مقعداً للأحزاب و97 مقعداً للدوائر المحلية، والتي جرت إعادة تقسيمها.
ووفق المنسي، فان رؤى المواطنين تختلف حول القوانين التي أقرها المجلس، فالمجلس انحاز عند إقرار قانون الجرائم الإلكترونية إلى الكتلة الأقل حجماً في البلاد، التي ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي تحمل الكثير من الإساءة، واصفاً القانون بأنه غير شعبي وافتقد الرؤيا الحصيفة. ويلفت إلى تطرق الملك عبدالله الثاني للقانون بعد إقراره، وأنه سيكون تحت الرقابة وإمكانية التعديل بحسب ما يتضح من تطبيقه.
ويرى المنسي أن القانون قاس جداً في بعض العقوبات، مرجحاً إجراء تعديلات عليه في الفترة القريبة المقبلة، مشيراً إلى أنه حتى قانون السير لا يحظى بتأييد المواطنين وغير شعبي بسبب ارتفاع قيمة المخالفات المرورية وكان يمكن التدرج بالعقوبات. ويضيف أن الاهتمام بما يصدر عن المجلس النواب ليس من جميع الأردنيين، لكن هناك مجموعة من المهتمين الذين يتابعون أداء المجلس، والمجلس يحتاج إلى الكثير من العمل وتطوير الأداء لردم فجوة الثقة مع المواطنين.