اقتحام بن غفير للأقصى يفاقم توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية

09 يناير 2023
اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، مايو 2022 (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -

شهدت العلاقة بين الأردن وحكومة الاحتلال الإسرائيلي توتراً حاداً خلال الأيام الماضية في أعقاب اقتحام وزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير، الثلاثاء الماضي، المسجد الأقصى  الذي يقع تحت الوصاية الأردنية. فقد استُدعي السفير الإسرائيلي في عمّان إيتان سوركيس وسُلّم مذكرة احتجاج على هذه الخطوة.
ومن المتوقع أن تصِل العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى الحضيض، خلال الفترة المقبلة، في ظل استمرار تصعيد الاحتلال، مقابل خوض عمّان حراكاً دبلوماسياً مكثفاً لمواجهة تصعيد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة. فالأردن يسعى لبناء موقف دولي يحافظ على الوضع التاريخي للقدس، والتأكيد على الوصاية الهاشمية على المقدسات، من خلال الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية أيمن الصفدي مع نظرائه في الدول العربية لتنسيق مواقف موحّدة. كذلك يتواصل الصفدي مع وزراء خارجية دول مؤثرة في المنطقة والعالم؛ كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتركيا، للحصول على مواقف وإدانات دولية لخطوات حكومة نتنياهو.
وتمثلت الخطوة الأردنية الأبرز في استدعاء وزارة الخارجية السفير الإسرائيلي لدى عمّان، إيتان سوركيس، الثلاثاء الماضي، لنقل رسالة احتجاج على اقتحام بن غفير للمسجد. كذلك عملت الوزارة على الحشد، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، الخميس الماضي، ناقشت انتهاك إسرائيل الوضع الراهن في القدس.

خيارات الأردن في مواجهة التصعيد الإسرائيلي

 

وقال الكاتب والمحلل السياسي، أنيس الخصاونة، الذي تحدّث مع "العربي الجديد"، إن "اقتحام الأقصى من قبل بن غفير لم يكن الأوّل، فقد اقتحم الحرم القدسي عشرات المرات، لكنها الأولى له كوزير". ولفت إلى أن "مكتب نتنياهو صرّح بأن الزيارة جاءت بعلم المكتب، مما يعني أنه موقف دولة، وهذا يعني أن الأمور تتجه إلى التفاقم". كذلك شدّد الخصاونة على أن "الشجب الدبلوماسي لا يكفي، حتّى وإن كان موقف الأردن متقدماً عن الكثير من الدول، فالمطلوب أكثر".

الخصاونة: الشجب الدبلوماسي لا يكفي، حتّى وإن كان موقف الأردن متقدماً عن الكثير من الدول

 

وأوضح أن "الحكومة الإسرائيلية ستقدم على أكثر من ذلك وتتجه إلى محاولة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى". وأكد أن هذه الخطوة "مدروسة وهم يعرفون ما تثيره القضية من شجب عربي ودولي، لكنهم معتادون على ذلك". وأشار إلى أن "هذه الحكومة تحدثت عن خططها حول تقسيم الأقصى، وهي جزء من التوافق الذي جرى على أساسه تشكيلها".

كذلك لفت الخصاونة إلى أن "الأردن يستطيع أن يعمل أكثر مما فعل حتى الآن، ولديه أوراق عديدة، ومنها سحب السفير الأردني في تل أبيب، غسان المجالي، وليس فقط استدعاء السفير الإسرائيلي في عمّان". كما شدّد على أن "الاستدعاء، وإن كان يرضي الموقف الشعبي والنيابي الأردني، لكنه باللغة الدبلوماسية الدولية ليس عقوبة، بقدر ما هو استعلام وتوضيح". وتوقّع الخصاونة أن "تستمر الحكومة الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة في انتهاك المسجد الأقصى، كعمليات الحفر والاقتحامات". كذلك وصف ما يجري بأنه "عمل ممنهج، لذلك على الأردن أن يستمر بالتنسيق مع الدول التي وقّعت أخيراً اتفاقيات مع دولة الاحتلال، خصوصاً مع الإمارات العربية، الدولة ذات الثقل الاقتصادي المهم في المنطقة". وأشار إلى ضرورة "التهديد بوقف التعاون مع دولة الاحتلال في حال استمرار الانتهاكات".

ورأى الخصاونة أن "إسرائيل تحاول أن تشعل الفتنة بين الأردن والسعودية حول الوصاية على الأماكن المقدسة، وحق الولاية على القدس والمقدسات"، وقد بيّن أن "هناك ما يمكن فعله إضافة إلى النشاط الدبلوماسي، فالأردن لديه عدة أوراق لوقف هذه الانتهاكات، كدعم الفلسطينيين بالداخل، ودعم المرابطين، والتلويح بإلغاء اتفاقية وادي عربة والتنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وربما طرد السفير الإسرائيلي من عمّان". كذلك أشاد بـ"الخطوة الأردنية بزيادة عدد العاملين في أوقاف القدس ورفع الرواتب".

خطوة بن غفير تُعطّل وعود نتنياهو

بدوره، أشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما جرى هو رفع ملف القدس إلى سلّم الأولويات الدولية، وبحثه من جميع الأطراف، وهو ملف ساخن"، وقد لفت إلى أنه "في المستقبل لن يكون الوضع سهلاً بسبب تداعيات هذا الاقتحام".

ورأى الحنيطي أن "صمت نتنياهو وعدم التعليق المباشر على عملية الاقتحام يكشفان أنه داعم بطريقة أو أخرى لخطوة بن غفير"، وأكد أن "نتنياهو جاء بحكومته السادسة ليتمّم ما بقي له من ملفات خلال حكوماته السابقة، خاصة أنه يريد أن ينهي العديد من الملفات، ومنها ملف القدس والأقصى ومحاولة فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى". وشدد الحنيطي على أن "الدبلوماسية الأردنية تحاول أن تعمل بشكل نشط دولياً في هذه القضية، خاصة في ما يتعلق بالقدس". وأوضح أن "هذه الجهود في الكثير من الأحيان تؤتي ثمارها، من خلال المواقف المعلنة للكثير من دول العالم"، وأشار إلى أن "الأردن كان نشطاً بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ودولة الإمارات في بحث الاقتحام في مجلس الأمن". ولفت الحنيطي إلى "احتمالية أن تكون خطوة بن غفير حجر عثرة أمام وعود نتنياهو بالتطبيع مع السعودية خلال الفترة المقبلة".

الطعاني: السياسة الأردنية لديها خط واضح تجاه القضية الفلسطينية

 

من جهته، أوضح الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "السياسة الأردنية لديها خط واضح تجاه القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية والقضية الفلسطينية بشكل عام". وشدّد على أن "اقتحام الوزير الإسرائيلي ليس استفزازاً للأردن فقط، بل لجميع الدول العربية والعالم الإسلامي"، كذلك أكد أن "حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تسعى إلى تهويد القدس وجعلها عاصمة أبدية للكيان المحتل، وهذه المساعي تحتاج إلى وقوف الجميع بوجهها لإحباطها". ورأى الطعاني أن "الوضع صعب جداً، فالأزمة السياسية الداخلية الإسرائيلية مستمرة وهناك محاولات لتصديرها إلى الخارج، وخاصة إلى الأردن".

وأشار إلى أن "الدبلوماسية الأردنية لها تأثير جيد على الكثير من دول العالم، خاصة في ظل مواقفها المعتدلة سياسياً"، لافتاً إلى أن "أثر الدبلوماسية الأردنية ظهر من خلال تراجع رومانيا عن نقل سفارتها إلى القدس بعد إلغاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عام 2019 زيارة إلى بوخارست"، وشدد على أن إلغاء الزيارة جاء "في أعقاب تصريحات رئيسة وزراء رومانيا في ذلك الحين، فيوريكا دانسيلا، بشأن نقل سفارة بلادها إلى القدس".