اقتحام الكونغرس يعزل ترامب

08 يناير 2021
قال بنس لأنصار ترامب: لن تفوزوا (Getty)
+ الخط -

سيحتاج الأميركيون، على الأرجح، إلى وقت طويل لتجاوز المشهد السياسي خلال اليومين الماضيين، إذ إن ما جرى داخل الكونغرس، من اقتحام له وتعطيل لأعماله تزامناً مع الجلسة المخصصة للمصادقة على تعيين جو بايدن رئيساً بأصوات المجمع الانتخابي، بتحريض من الرئيس الخاسر في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دونالد ترامب كان حدثاً استثنائياً بامتياز، وسيترك تداعياته مطولاً على الحياة السياسية الأميركية.
واختار ترامب، الذي يصرّ على رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وتحريض أنصاره على اقتحام الكونغرس، لتعطيل المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة، ما أنتج مشهداً لم يكن في تصور أحد أنه قد يحدث في واشنطن، إذ ظهر العشرات من أنصار الرئيس الخاسر وهم يتجولون في قاعات الكابيتول هيل حاملين أعلام ترامب، ويقرعون الأبواب بشدة مقتحمين مكتب رئاسة مجلس الشيوخ، ومكتب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ومنصة مجلس الشيوخ، بينما كان المشرعون، مع باقي الموظفين يختبئون تحت الطاولات، ويتحصنون في أماكن مغلقة، ويتلون الصلوات، ويشهدون حصاد الانقسامات في البلاد عن كثب، فيما أفيد عن مقتل أربعة أشخاص واعتقال العشرات.
ولم تتأخر التداعيات في الداخل في التوالي لتحاصر "المحاولة الانقلابية" كما وصفها البعض، اذ اضطر ترامب، تحت وطأة الانتقادات والغضب العارم حتى داخل إدارته والاستقالات، إلى دعوة أنصاره للعودة إلى منازلهم في وقت تم تحريك الحرس الوطني وباقي أفراد الوكالات الأمنية لتأمين مقر ومحيط الكونغرس، قبل أن تُستأنف بساعات جلسة المصادقة على تعيين بايدن التي انتهت أمس، فيما تحول البيان الذي نشره مساعد الرئيس دان سكافينو عبر تويتر أمس الخميس، وقال فيه ترامب إنه يتعهد بـ"تأمين انتقال منتظم" للسلطة، معتبراً الأمر "مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد أميركا لعظمتها" إلى مصدر للتشكك بعدما نقل موقع "سي أن أن" عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إن البيان صدر من دون علم المكتب الصحافي للبيت الأبيض. وكان لافتاً أن البيت الأبيض لم يصدر البيان رسمياً. مع العلم أن لغة البيان تتوافق مع السردية التي يروج لها ترامب إذ قال: "حتى لو كنت أعارض تماماً نتيجة الانتخابات، والوقائع تدعمني، سيكون هناك انتقال منظم (للسلطة) في 20 يناير". وأضاف "إنها نهاية واحدة من أفضل أولى الولايات في تاريخ الرئاسة، لكنها مجرد بداية معركتنا من أجل أن نعيد لأميركا عظمتها".

بحث وزراء بتكتم مسألة عزل ترامب كونه غير أهل للمنصب

وإذا كانت مجريات اليومين الماضيين، تحديداً المواقف السياسية الأميركية الرافضة لدفع ترامب نحو مزيد من الانقسامات والانقلاب على المؤسسات الدستورية، حتى من قبل نائبه مايك بنس الذي أدى دوراً سيُحفظ له في مواجهة تهور الرئيس الخاسر، وعودة الكونغرس للعمل سريعاً بعد إخراج المقتحمين منه، واستئناف جلسات المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية، إلى جانب توحد وسائل الإعلام في رفض ما جرى والدعوة حتى إلى عزل الرئيس، فيما تم تعليق حساباته على تويتر وفيسبوك وإنستغرام، جميعها مؤشرات أثبتت أن المؤسسات الديمقراطية الأميركية قادرة على الصمود في وجه أحد أقصى الاختبارات الداخلية، التي يقودها رئيس شعبوي مثل ترامب، فإن هذه الأحداث تفتح في الوقت نفسه المجال حول أسئلة عدة. وتتمحور بدءاً من مصير ترامب بعد 20 يناير/كانون الثاني الحالي، وما إذا كان ما جرى من تحريض واقتحام باسمه سيفتح الباب أم مساءلته قانونياً واحتمال تعرضه للمحاكمة، فضلاً عن مصير قاعدته الانتخابية، وما إذا كان سيوظفها بعيداً عن الحزب الجمهوري، الذي يرى أنه خذله، أم أن الحزب سيكون قادراً على استيعاب الضربة القاسية التي تعرض لها في عهد ترامب، ووصلت إلى أوجها في الأيام الأخيرة. كذلك بدأت التساؤلات حول الإخفاق الأمني الذي حدث ومن سيتحمل مسؤوليته في وقت كان العالم يراقب بصدمة ما يجري وبشكل خاص حلفاء الولايات المتحدة الذين يعدون بالأيام طي صفحة ترامب ووصول بايدن على أمل تجاوز هذه الصفحة.
ووصف بايدن، الذي صادق الكونغرس رسمياً على فوزه في الانتخابات الرئاسية، أحداث العنف بأنها "تمرد". وقال بايدن، من ولاية ديلاوير مسقط رأسه، "نظامنا الديمقراطي يتعرض لهجوم غير مسبوق". وأضاف "هذا ليس اعتراضاً. إنه إخلال بالأمن وفوضى. ويكاد يصل إلى الفتنة. ينبغي أن يتوقف الآن". وحاول ترامب تخفيف الهجمات عليه، بعد اقتحام أنصاره الكونغرس، سعياً لإجبار المشرعين على قلب نتيجة الانتخابات، إذ دعاهم لمغادرة الكابيتول، والعودة إلى منازلهم، على الرغم من تكرار زعمه بسرقة الانتخابات وطلبه منهم عدم نسيان هذا اليوم.

وفي ما يبدو أنه تخوف من مغامرة جديدة لترامب في الأيام الأخيرة الفاصلة عن موعد تنصيب بايدن في 20 يناير، ذكرت وسائل إعلام أميركية أن عدداً من الوزراء يبحثون بتكتم مسألة عزل ترامب كونه غير أهل للمنصب، بموجب التعديل الـ25 للدستور. ونقلت قنوات "سي أن أن" و"سي بي إس" و"إيه بي سي" عن مصادر لم تسمّها أنّ الوزراء بحثوا إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأميركي، الذي يسمح لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة أن يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنّه "غير قادر على تحمّل أعباء منصبه". ويتطلّب تفعيله أن تجتمع الحكومة برئاسة بنس للتصويت على قرار تنحية ترامب. ونقلت "إيه بي سي" عن "مصادر متعدّدة" أنّ مناقشات جرت بشأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتّحدة، لكنّ "سي بي إس" أكّدت أنّ الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث وأنّه لم يتمّ تقديم "أيّ شيء رسمي" إلى بنس. كما دعا العديد من البرلمانيين وكتّاب الأعمدة في كبريات الصحف للجوء إلى هذا الخيار الدستوري.
وانقلب العديد من حلفاء ترامب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن إيماناً منهم بما يكرّره دوماً من أنّ الانتخابات الرئاسية "سُرقت" منه. وذكرت تقارير إعلامية أن نائب مستشار الأمن القومي مات بوتينغر استقال لينضم إلى عدد من المسؤولين المنسحبين من إدارة ترامب بينهم مايك مولفاني، كبير موظفي البيت الأبيض السابق والذي يشغل منصب مبعوث خاص إلى أيرلندا الشمالية.
كما استقال أمس مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون الروسية ريان تولي، فيما قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لوكالة رويترز إنه من المتوقع أن يحذو المزيد من الأعضاء البارزين في مجلس الأمن القومي حذو تولي بسبب اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس. وتردد أمس أن مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين يرغب في الاستقالة قبل أن ينفي ذلك بنفسه. كما أن كريس ليدل، نائب كبير الموظفين، قد يستقيل. كما قالت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" إن اثنتين من كبار مساعدي زوجة الرئيس ميلانيا ترامب استقالتا أمس الأول.

اعتبر بومبيو أن العنف الانتخابي لا يمكن التساهل معه
 

أما نائب ترامب، مايك بنس، والذي لم يسلم من هجوم الرئيس الخاسر بعدما وصفه بأنه "لم يتحل بالشجاعة اللازمة لفعل ما كان ينبغي فعله لحماية بلادنا ودستورنا"، بعدما رفض مجاراته في الانقلاب على نتائج الانتخابات، فقال أمس الخميس، مع إعادته افتتاح الجلسة متوجهاً إلى أنصار ترامب، "لن تفوزوا". وأعلن، بعد رد اعتراضات عدد من النواب الجمهوريين، المصادقة على فوز بايدن، أن نتيجة تصويت الهيئة الناخبة صبّت لصالح الأخير، بأصوات 306 من كبار الناخبين مقابل 232 لترامب.
كما أجبر اقتحام الكونغرس عددا من الجمهوريين على التراجع عن الاعتراض على نتائج انتخابات بنسلفانيا وجورجيا وميشيغن. وقالت السناتور الجمهورية كيلي لوفلر، التي خسرت الانتخابات الفرعية في جورجيا، "الأحداث التي حصلت أجبرتني على إعادة النظر. ولا أستطيع الآن بضمير حي أن أعترض على المصادقة". وحتى أن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي لطالما كانت مواقفه متناسقة مع ترامب خلال رئاسته، اعتبر أن "التمرد الفاشل" يؤكد على واجب المشرعين في إنهاء الفرز. وسعى إلى منع الاعتراضات، مشيراً إلى أن نتائج الانتخابات ليست حتى متقاربة. أما السناتور ميت رومني، أحد أكبر منتقدي ترامب في الحزب الجمهوري، فقال إن أفضل طريقة لاحترام الناخبين هي "بقول الحقيقة لهم".
من جهته، قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، من القدس المحتلة، إن أعمال العنف التي قام بها أنصار ترامب "غير مقبولة"، مضيفاً "حان الوقت لكي تتحد أمتنا وتحترم العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة". وانضم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى جوقة الجمهوريين المنددين باقتحام الكونغرس، معتبراً أنّ العنف الانتخابي "لا يمكن التساهل معه" لا في الولايات المتحدة ولا خارجها. وشنّ الرئيس الأسبق الجمهوري جورج دبليو بوش هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين الذين أجّجوا حالة "التمرّد" التي شهدها مبنى الكابيتول، والتي تليق بـ"جمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية".
ووصف زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أعمال العنف بمثابة "محاولة انقلاب". وقال إنها ستدخل التاريخ الأميركي على غرار الهجوم الياباني على بيرل هاربور. واعتبر الرئيس السابق باراك أوباما أعمال العنف "مخزية" لكنها ليست "مفاجئة". وأضاف "سنخدع أنفسنا إذا قلنا إنّ ما حدث كان مفاجأة تامّة"، ملقياً باللوم على قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية لهم لأنّهم "غالباً ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة" أن بايدن حقّق فوزاً كبيراً في الانتخابات.