استمع إلى الملخص
- رياض الشعبي من حركة النهضة يؤكد على تجديد الحركة لخطابها وقياداتها، معتبراً أن الحركة فكرة ومشروع لا يمكن القضاء عليهما بمجرد استهداف قياداتها.
- استهداف رموز النهضة يعتبر جزءاً من حملة أوسع ضد المعارضين للسلطة الحالية، مع تأكيد راشد الغنوشي على الصمود والتمسك بالديمقراطية والحرية، معبراً عن أمله في عودة السيادة للشعب التونسي.
تواصَل استهداف رموز "النهضة" التونسية وقيادييها، في الفترة الأخيرة، مع تكثيف الأحكام القضائية ضدهم، وذلك في موازاة إغلاق مقراتها، مما طرح تساؤلات حول مستقبل الحركة وطريقة تعاملها مع هذه الملاحقات. والاثنين الماضي، أقرت الدائرة الجناحية لدى محكمة الاستئناف بتونس، حكماً ابتدائياً بسجن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مدة عام واحد مع غرامة مالية بألف دينار (حوالي 340 دولاراً). كما قضت الدائرة بخضوع رئيس حركة النهضة للمراقبة الإدارية مدة ثلاثة أعوام بعد انتهاء تنفيذ العقوبة السجنية. والقضية نابعة من شكوى رفعها نقابي أمني ضد الغنوشي من أجل شبهات تمجيد الإرهاب والإشادة به، وذلك على خلفية تأبينه أوائل سنة 2023 لإحدى قيادات الحركة بالجنوب التونسي، تحديداً بخصوص ما نُسب إليه من ذكر عبارة "طواغيت".
والأسبوع الماضي، وفي سياق استهداف رموز "النهضة" قررت دائرة الاتهام العاشرة بمحكمة الاستئناف بتونس إحالة عدد من قياديي الحركة إلى الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية. وتمت الإحالة لمقاضاتهم من أجل تهم مرتبطة بارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والاعتداء المقصود به هو تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً. ومن بين المحالين، راشد الغنوشي، رفيق عبد السلام، ماهر زيد، محمد الصامتي، مقداد الماجري، بلقاسم حسن، محمد القوماني (مستقيل من الحركة) وآخرون. وفي وقت أحيا الغنوشي عيد ميلاده الـ83 في 22 يونيو/حزيران الحالي، داخل أسوار السجن، كأكبر سجين سياسي في البلاد، فإن حركة النهضة اعتبرت أن الرجل دفع ثمن تعبيره عن موقفه السياسي.
رياض الشعبي: نسخة جديدة من حركة النهضة ستظهر في واقع الحريات الجديد
دور حركة النهضة
في السياق، أكد القيادي في "النهضة" رياض الشعبي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حركة النهضة فكرة ومشروع ومن يعتقد أنه باستهداف قياداتها ومقراتها سينهيها فهو مخطئ"، موضحاً أن "فكر ومشروع حركة النهضة يتجددان ويتطوران، والحركة بصدد الاستفادة من أخطاء الماضي". وأضاف أن "الحركة ستتدارك الأخطاء وستعود بخطاب ووجوه جديدة، ولكن الظرف حالياً استثنائي ولا مجال فيه للحريات لإرسال رسائل إيجابية والإعلان عن التغييرات والمراجعات، إلا أنه بعودة الحرية فإن هناك نسخة جديدة من حركة النهضة ستظهر في واقع الحريات الجديد، وسيكون فيها العديد من الدروس والشعارات الجديدة والمهام التي ستخول إليها كسب ثقة الشعب مجدداً".
ولفت الشعبي إلى أن "العمل على نسخة جديدة من النهضة لا يخلو من مراجعات ونقد ذاتي، وهي ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الحركة بذلك"، مؤكداً أن "النهضة بصدد القيام بهذا العمل، وعند حصول أي انفتاح سياسي في البلاد فإن الخطاب والمشروع والصورة التي ستبرز بها حركة النهضة للمجتمع ستكون مختلفة ولن تكرر أخطاء المرحلة السابقة". وأضاف أن "الإشكال الذي حصل كان في علاقة الحركة بالمجتمع التونسي، لأنه طوال العشرية (سنوات الثورة التونسية) وأمام الإكراهات التي حصلت خلال فترة الانتقال الديمقراطي، كانت الحركة في الكثير من الأحيان مضطرة لاتخاذ إجراءات وقرارات، ربما لا شعبية لها، رغم أنها كانت تقدّر أن هذه القرارات لمصلحة البلاد ولإنجاح المسار الديمقراطي حتى لو كان على حساب صورتها". وأشار الشعبي إلى أن "حركة النهضة مطالبة الآن بتجاوز هذا الأمر وأن تنصت للشعب التونسي، وهو الشرط الأساسي في الممارسة الديمقراطية وأن تعيد ترتيب أولوياتها، فالبناء السياسي الديمقراطي مهم جداً ولكن البناء الاقتصادي والتنموي لا يقل أهمية فعند حصول أي ارتباك يتأثر المسار السياسي سلباً".
واعتبر الشعبي أن "رئيس الحركة راشد الغنوشي يقبع في السجن، رغم أنه بلغ 83 عاماً ليكون بذلك أكبر سجين سياسي في تونس، وبالتالي ما يحصل عار على جبين السلطة، لأن الزجّ بأهم شخصية في تونس وأحد رموزها الفكرية والسياسية على المستوى العربي وفي العالم، وتوّج بعدة جوائز في عدة بلدان، يؤكد أن ما يحصل يتجاوز الانتقام والتنكيل ليكون وصمة عار على جبين السلطة". وتابع: "الرسالة التي قد توجهها السلطة بسجنه أن المسار تم وأده، وأننا في ديكتاتورية وأن من له حصانة رمزية هو أول من يزجّ به في السجن في زنزانة ضيقة وفي ظل درجات حرارة مرتفعة، إذ تصر السلطة على الإبقاء عليه للصيف الثاني على التوالي من دون مراعاة لسنّه، وفي سلسلة من القضايا التي لا يوجد من بينها ما هو مخلّ بالشرف بل جلها قضايا للتعبير عن الرأي".
من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن استهداف رموز "النهضة" "شمل الجميع وإن كان هناك عدل من السلطة فهو في توزيع المظالم على كل الخصوم السياسيين"، موضحاً أن "الاستهداف شمل الجميع من سياسيين وإعلاميين ونشطاء، وكل من رفضوا هذا المسار الذي انطلق منذ 25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ صدور الإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد)، والذي وصفته الحركة بكونه انقلاباً على المؤسسات، إلا وتمت ملاحقته". وأضاف الخميري أنه "انقلاب على القيم التي ناضل من أجلها الشعب التونسي، وحركة النهضة مكوّن أساسي تستهدفه السلطة من خلال فبركة القضايا الظالمة ضد قيادييها". واعتبر أن استهداف رموز "النهضة" هو بغرض "إزاحة خصوم سياسيين ولكن الظلم مؤذن بالخراب ولو كانت السلطة دائمة لدامت لمن سبقوا".
بلقاسم حسن: حركة النهضة ضد ضرب الديمقراطية والانقلاب
من جهته، رأى عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة بلقاسم حسن، أن "النهضة بصدد دفع ثمن الموقف المبدئي الذي اتخذته في 25 يوليو 2021"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحركة ليست ضد الإصلاحات والقيام بمراجعات ووقفة تقييم للمسار الديمقراطي وإجراء تعديلات على الدستور وعقد توافقات وطنية على النظام السياسي، وبالتالي الحركة ليست ضد ذلك ولكنها كانت ضد إصلاح الإيجابيات والسلبيات التي شهدها المسار الديمقراطي، بضرب الديمقراطية أو بالانقلاب. وهذه النقطة الجوهرية التي يدفع ثمنها جزء هام من قادة الحركة، وأيضاً قادة المسار الديمقراطي في البلاد"، مشيراً إلى أن "جل الاعتقالات كانت ذات بعد سياسي وأغلبها من دون أي سند قانوني".
استهداف رموز "النهضة"
وحول استهداف رموز "النهضة" لفت حسن إلى أن "الإحالات على القضاء تتلاحق والأحكام أيضاً، ولا بد من توضيح كل ذلك للشعب"، مبيناً أنهم طالبوا بتوضيحات حول طبيعة الاعتقالات خصوصاً أنهم يرون أن لا إجرام أو تجاوزات حصلت من قبل الموقوفين. وأكد أن كل ذلك هو ضريبة موقف سياسي متمسك بالديمقراطية والشرعية. ولاحظ حسن أن "مجمل الموقوفين يدفعون الثمن، سواء كانوا من النهضة أو خارجها، كالأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي وعدة نشطاء"، مؤكداً أن "قيادات عدة من حركة النهضة رهن الإيقاف وهناك من هم في حالة سراح وكل هذا لا يخدم المسار الديمقراطي".
وأضاف حسن أن "التوقيفات دليل على الانفراد بالسلطة وعلى الاستبداد"، متابعاً: "ما انتُخب من أجله سعيّد في 2019 ليس ما قام به، فهو غير مطالب بتغيير النظام السياسي". وأبدى أمله في "أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة (المقررة في خريف العام الحالي) ديمقراطية وتعيد السيادة للشعب". وشدّد على أن حركة النهضة في مقدِّم القوى المدافعة عن الديمقراطية والمقاومة للانقلاب بالتعاون مع جبهة الخلاص ولذلك هي تُستهدف مع بقية القوى، مضيفاً أن قيادات الحركة تدفع ثمن الموقف السياسي. واعتبر حسن أن "رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي صامد ومعنوياته مرتفعة، ونأمل أن يستعيد حريته لأنه يدفع ثمن تصريحه الذي جاء فيه أنه متمسك بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والشرعية"، مؤكداً أنه "مناضل وسنه شرف له فقد سبق له قبل الثورة أن دفع ثمن نضاله وحوكم بعدة أحكام، ورغم كونه في السجن فهو حر في سجنه وسيسجل التاريخ ذلك".