استئناف التحقيقات بانفجار بيروت وسط قلق من مواد خطرة في المرفأ

08 فبراير 2021
أهالي ضحايا انفجار بيروت متمسكون بالتحقيق (حسين بيضون)
+ الخط -

يستأنف المحقق العدلي اللبناني في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان تحقيقاته الأسبوع الحالي باستجواب عددٍ من المدعى عليهم والشهود، بعدما دخلت القضية مسار الجمود منذ 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بفعل طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع الذي تقدّم به الوزيرين السابقين النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل.

وتأتي خطوة القاضي صوان بالتزامن مع دخول المرحلة الأولى من فتح البلاد تدريجياً حيز التنفيذ اليوم الاثنين، في ظلّ تأزم الوضع الصحي في لبنان من جراء التفشي السريع لفيروس كورونا، حيث كانت أوساط المحقق العدلي تُبرّر استمرار الجمود بالإقفال العام، على الرغم من إعادة محكمة التمييز الجزائية ملف التحقيق إليه، وهي ذريعة تمسّك بها صوان، تبعاً لقول مصدر قضائي متابع للملف لـ"العربي الجديد"، إذ إنّ استثناءات شملت القضايا المستعجلة.

وكان من الممكن أن يستمر القاضي في النظر بالقضية إلى حين البت بطلب نقل الدعوى، حتى قبل ردها إليه من محكمة التمييز، لكن التجاذبات والتدخلات السياسية لعبت الدور الأكبر في توقفه طيلة هذه الفترة.

ولفت المصدر إلى أنّ سبحة الاستجواب يجب أن تكرّ وتتسع دائرتها لتشمل شخصيات سياسية رفيعة مع مرور 6 أشهر على الانفجار، وتعود لتبدأ من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فكل الحصانات والنصوص القانونية التي تفسّر حسب مصلحة "المتضرّر" تسقط أمام هول انفجار الرابع من أغسطس/آب، مشدداً، على أنّ لجنة أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ضغطت كثيراً على القاضي صوان لاستئناف التحقيقات، وأكدت دعمها له وتصميمها على عدم ترك القضية قبل محاسبة جميع المسؤولين، إدارياً وأمنياً وسياسياً.

في السياق، عرض الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الاثنين، مع السفير الألماني لدى لبنان أندرياس كيندل، المراحل التي قطعتها عملية توضيب المستوعبات الـ52 التي تحتوي على مواد قابلة للاشتعال، والتي عثر عليها في مرفأ بيروت بعد انفجار الرابع من أغسطس، والتي تولت الشركة الألمانية "كومبي ليفت" توضيبها.

وأبلغ السفير الألماني الرئيس عون أن عملية التوضيب انتهت، وأصبحت المستوعبات جاهزة للشحن بواسطة الشركة المعتمدة للتوضيب لنقلها إلى خارج لبنان، وطلب تدخل رئيس الجمهورية تحويل المبالغ المستحقة للشركة الألمانية بهدف فتح الاعتماد المستندي اللازم ليصار لاحقاً إلى شحنها إلى ألمانيا.

وكشف هيكو فيلدرهوف، مدير شركة "كومبي ليفت"، السبت الماضي، عن وجود ما أسماه "قنبلة ثانية في بيروت".

وقال مدير الشركة، لقناة "إن تي في" الألمانية، إنه خلال أعمال التنظيف بعد الدمار الشامل، عثر العمال في جزء بعيدٍ من الميناء على 52 حاوية بحرية، بعضها تعفّن بشدّة، مع وجود تسرّبات لمواد غير معروفة على الأرض، وهناك أكثر من 1000 طن من المواد الكيميائية.

وأشار إلى أنّه لأجل ذلك، كان من الضروري إنشاء مختبر حقيقي بهدف التمكّن من تحليل هذه المواد، بالتعاون مع مهندس بيئي، فوجدنا حمض الفورميك، وحمض الهيدروكلوريك، وحمض الهيدروفلوريك، والأسيتون، وحمض الكبريتيك، وما إلى ذلك، وهي معبّأة في حاويات انهارت عند الرفع، لافتاً إلى أنّ بعض المواد اختلطت بالفعل وخلقت مواد جديدة تماماً.

ولفت فيلدرهوف أيضاً إلى أنّ عمل شركته "لم ينته في بيروت بعد، لأنه لا تزال هناك خمس سفن مدمرة في الميناء ويجب رفعها والتخلص منها، وهذا العمل صعب إنما أقل خطورة من نزع فتيل القنبلة الثانية في بيروت التي أنجز العمل بها".

وقال المستشار البيئي للشركة المهندس ميشائيل فنتلر، والذي كان أحد أعضاء الفريق العامل، "لم أرَ شيئا ً كهذا من قبل"، مضيفاً أنه "كان على الشركة تدريب 25 موظفاً على التعامل مع مواد شديدة الانفجار، ونعلّمهم كيفية ارتداء البدلة الواقية بشكل صحيح وكيفية خلعها مرة أخرى، إلى آلية تنظيم التخلص منها بسرعة".

وبحسب فنتلر، كان على الشركة أيضاً التكفل بتامين كل المستلزمات من البدلات الواقية وأقنعة الغاز إلى الحاويات الجديدة ومحطات التعبئة والنقل إلى التحليل وتغليف وفهرسة جميع المواد الخطرة، كما والتعاون مع شركة على دراية بالتخلص بهذا النوع من المواد الخطرة والتي يتطلب حرقها داخل مصانع وبآلات خاصة، مشيراً إلى أنه "حتى في ألمانيا هناك ثلاث شركات فقط يمكنها التعامل مع هذا النوع من المواد، وقد تم شحنها إلى مدينة فيلهمسهافن".

ووقّع لبنان، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقداً مع شركة "كومبي ليفت" الألمانية بقيمة 3.6 ملايين دولار للتخلّص من "مواد خطرة قابلة للاشتعال"، بعد اكتشاف تخزينها في مرفأ بيروت.

وتشكّل المواد القابلة للاشتعال والمستوعبات الموجودة داخل مرفأ بيروت مصدر قلق عند اللبنانيين، الذين يعيشون يومياً مخاوف من تكرار مجزرة الرابع من أغسطس/ آب، التي تسببت بمقتل أكثر من 200 شخص وجرح ما يزيد عن 6500، عدا عن الخسائر المادية والدمار الذي طاول جزءاً كبيراً من العاصمة ومعالمها، لا سيما أنّ الغموض لا يزال يكتنف مصير مواد نترات الأمونيوم التي لم تنفجر تبعاً لتقرير مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، الذي قدّر كميات النترات التي انفجرت بـ500 طن فقط وليس 2500 طن، وما إذا كانت موجودة على الأراضي اللبنانية وتشكل تهديداً حقيقياً للبنان، تماماً كالمواد التي كشفتها أخيراً الشركة الألمانية.

وفي هذا الإطار، قال المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت باسم القيسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المواد التي كشفت عنها الشركة الألمانية موجودة منذ عام 2009، وهي تحت إشراف المديرية العامة للجمارك التي من مسؤوليتها ومهامها التخلّص منها، في حين يقتصر دورنا على تفريغ البضائع والتحميل والتنزيل ونقلها داخل المرفأ عند طلب الجمارك، مستغرباً إبقاء مواد خطرة كهذه كل هذه السنوات وعدم إخراجها من المرفأ.

وأشار القيسي إلى أنّه تبعاً لكشف الجيش اللبناني لم تعد هناك مستوعبات، علماً أنّ هذا لا يعني أنه ليست هناك مواد قابلة للاشتعال تدخل مرفأ بيروت، فهذه عمليات طبيعية، والكثير من السلع والمواد المصنعة التي تستخدم هي قابلة للاشتعال، مثل الصبغة، التنر، الدهان وغيرها، بيد أن المشكلة تكمن في الإبقاء على تخزين هذه البضائع وقتاً طويلاً، في حين ينبغي تسليمها على الفور من دون إضاعة الوقت وإهمالها، أو إعادة شحنها، إذ عندها تصبح تشكل خطورة حقيقية على المرفأ ومحيطه.

المساهمون