أي تأثير لعودة ترامب في الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ؟

17 نوفمبر 2024
ترامب وكيم جونغ أون، 30 يونيو 2019 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تثير العودة المحتملة لدونالد ترامب قلق حلفاء واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، خاصة أستراليا، بسبب عدم اليقين حول صفقة الغواصات "أوكوس" وتأثيرها على مواجهة نفوذ الصين.
- تطورت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة منذ عهد أوباما، حيث ركزت على حرية المنطقة، بينما ركز ترامب على الجوانب الاقتصادية، وحدث بايدن الاستراتيجية لتصنيف الصين كتهديد أساسي.
- عودة ترامب تثير عدم اليقين بشأن سياساته الخارجية، خاصة مع شعار "أميركا أولاً"، مما قد يؤثر على التحالفات الإقليمية والاتفاقيات الدفاعية المشتركة.

لا تزال عودة دونالد ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات عن تأثير ذلك في ملفات دولية وإقليمية، لعل أبرزها الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ، التي تسعى من خلالها واشنطن لاحتواء الصين.

وقالت وسائل إعلام صينية أول من أمس الجمعة إن عودة ترامب تثير قلق حلفاء واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأستراليا على وجه الخصوص بسبب عدم اليقين في ما يتعلق بصفقة الغواصات "أوكوس". وأضافت أن الحلفاء يخشون أن يؤدي نهج ترامب البراغماتي إلى عدم الاستقرار في المنطقة.

وذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست أن العودة الوشيكة لترامب إلى البيت الأبيض دقت ناقوس الخطر في مجتمع الدفاع الأسترالي، وأثارت مخاوف بشأن تعقيد مشروع الغواصة "أوكوس" الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات. لكنها لفتت إلى أنه بالرغم من أن سياسة الدفاع لم تكن من بين القضايا البارزة خلال حملة ترامب الانتخابية، إلا أن الرغبة في مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ كانت موضوعاً ثابتاً خلال فترة ولايته الأولى رئيساً. يشار إلى أنّ تحالف "أوكوس" بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تشكّل في عام 2021 لمواجهة تزايد نفوذ الصين، ويهدف إلى تجهيز أميركا لأستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية لتعزيز قدراتها البحرية ومعالجة المخاوف الأمنية الإقليمية.

ما الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ؟

لي تشونغ: الديمقراطيون كانوا أكثر اهتماماً بمنطقة المحيطين مقارنة بفترة ترامب السابقة

كان أول إعلان عن الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، في عام 2011، وعُرفت في حينه باسم استراتيجية التوجه نحو آسيا، بهدف إعادة التوازن مع الحلفاء الإقليميين. وفيما بعد خضعت لتحديثات مستمرة مع تعاقب الإدارات الأميركية بين الديمقراطيين والجمهوريين. وتركزت الاستراتيجية الأميركية في المحيطين في عهد ترامب على مبدأ جعلها منطقة "حرة ومفتوحة" تتميز بتدفقات تجارية مفتوحة وحرية الملاحة واحترام سيادة القانون والسيادة الوطنية، والحدود القائمة. لكنه في المقابل شنّ حرباً تجارية على بكين عبر رفع التعريفات الجمركية على منتجاتها. ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة ستكون أكثر عدائية، إذ اختار ترامب عضو مجلس النواب الجمهوري مايك والتز مستشاراً له للأمن القومي. ووالتز كان قد انتقد مراراً النشاط الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مشيراً إلى حاجة الولايات المتحدة للاستعداد لصراع محتمل في المنطقة. وفي ظل إدارة ترامب السابقة عززت الولايات المتحدة دعمها لتايوان من خلال زيادة مبيعات الأسلحة والزيارات الدبلوماسية، لكن ترامب أعلن، خلال حملته الانتخابية، أن على تايوان الآن الدفع من أجل حمايتها.

وأخذت الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ شكلها الحالي في عهد الرئيس جو بايدن في عام 2022، حيث أصدرت الإدارة الأميركية في حينه وثيقة قالت فيها إن الصين تسعى من خلال الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية إلى تحقيق منطقة نفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأن تصبح القوة الأكثر نفوذاً في العالم. وبناءً على ذلك، حددت واشنطن خطوطاً عريضة لاحتواء بكين، من بينها: تحديث تحالفاتها الإقليمية مع شركائها في المنطقة، وتعزيز الأمن، وبناء قوة إقليمية قادرة على الصمود في وجه التهديدات العابرة للحدود الوطنية.

وعن تفاوت الاهتمام بالمنطقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، قال الباحث في الشؤون الدولية لي تشونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التجربة الماضية تثبت أن الديمقراطيين كانوا أكثر اهتماماً بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مقارنة بفترة دونالد ترامب السابقة. وأضاف: أطلقت المبادرة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، بالرغم من أنها هدفت آنذاك إلى تعزيز التحالفات الأمنية الثنائية مع دول المنطقة، بما في ذلك الصين، ولكن في عهد بايدن صُنِّفَت الصين بشكل صريح دولةً تمثل تهديداً أساسياً للولايات المتحدة، وبناءً على ذلك كان تحديث الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين، ليكون محورها الرئيسي احتواء صعود بكين ونفوذها.

وأشار إلى أنه في ولاية ترامب الأولى، رُكِّز أكثر على الجوانب الاقتصادية بالاستراتيجية بعيداً عن قضايا الأمن والدفاع، حيث ضخت الإدارة الأميركية في عام 2018 ملايين الدولارات لدعم مشاريع البنية التحتية وتطوير قطاعات مختلفة، بما يحقق الرخاء لشعوب دول المنطقة وحلفاء أميركا الإقليميين.

ترامب: "أميركا أولاً"

جينغ وي: هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن الاتجاه الذي ستتخذه إدارة ترامب

من جهته، قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، لـ"العربي الجديد": لا شك في أن عودة ترامب إلى السلطة تشكل قضية ذات أهمية بالغة في مختلف أنحاء العالم، حيث لا توجد منطقة واحدة لا تؤثر فيها السياسات الأميركية، وللولايات المتحدة مصلحة كبيرة في فرض السيطرة على منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، وهناك قضايا حساسة تتعلق بنفوذ بكين في المنطقة، مثل النزاع في بحر الصين الجنوبي، والتوترات الأمنية في مضيق تايوان، وبالتالي من الطبيعي أن يلقي التنافس الشديد بين أكبر قوتين بظلاله على دول المنطقة، ويخلق حالة من الترقب مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

وأضاف: هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن الاتجاه الذي ستتخذه إدارته التي لطالما رفعت شعار "أميركا أولاً"، وهو الشعار الذي من شأنه أن يؤثر سلباً في حلفاء واشنطن الإقليميين. لكنه أشار إلى أنّ من غير المتوقع أن يتراجع التزام الولايات المتحدة تجاه منطقة المحيطين، الهندي والهادئ، نظراً لما تشكله من أهمية حيوية للهيمنة الأميركية. وتابع: لا يمكن الحديث عن تغير جذري في البنية القائمة التي تدعم العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، ولكن السؤال يبقى عن الكيفية التي سينفذ بها ترامب سياسته الخارجية تحت شعار "أميركا أولاً".

وأضاف الباحث الصيني: بالعودة إلى الفترة الرئاسية الأولى لترامب، نلاحظ كيف كانت مقاربته مختلفة عن إدارة أوباما بشأن المنطقة، على سبيل المثال سجل ترامب في عام 2019 سابقة تاريخية في لقاء غير متوقع مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في المنطقة منزوعة السلاح الفاصلة بين الكوريتين، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي يلتقي زعيماً كورياً شمالياً منذ الحرب الكورية (1950 ــ 1953). واعتبر أن المضي بصورة مغايرة في هذا الاتجاه خلال ولايته الثانية من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في شبه الجزيرة الكورية، وهو أمر سيؤثر في حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لأن أي تقارب بين واشنطن وبيونغ يانغ، سيهمش الاتفاقيات الدفاعية المشتركة التي وقعتها إدارة بايدن أخيراً. ولفت، في هذا الصدد، إلى أن أحداً لا يستطيع التنبؤ بما قد يقدم عليه الرئيس المقبل، لأنه عادة ما ينتهج سياسات خاصة خارجة عن التقاليد والأعراف الدبلوماسية.

المساهمون