قبل أيام قليلة على انعقاد الاجتماع الوزاري لـ"التحالف الدولي" ضد "داعش" في العاصمة السعودية الرياض، المقرر اليوم الخميس، أدلى عدد من المسؤولين الأميركيين بتصريحات تفيد بحدوث تغييرات في السياسة الأميركية المتبعة في سورية، لجهة التركيز أكثر على بناء المجتمعات المحلية و"تحصينها" ضد أية اختراقات من جانب التنظيم.
وفي هذا السياق، ذكرت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط أن السياسة الأميركية في سورية، تحديداً في شرق البلاد حيث تنتشر القوات الأميركية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ستواصل التركيز على "ضمان استقرار المنطقة وإعادة البناء بعد الحروب والنزاعات، بما يشمل العمل المستمر لتحسين البنية التحتية المدمرة، ودعم التنمية المستدامة، وتعزيز الأمن الاجتماعي، الى جانب مكافحة تنظيم داعش".
وأضافت غريط في حديث مع "العربي الجديد" أن "محاربة التنظيم المتطرف لا تزال تحتل مركز الصدارة في جهودنا. نحن نعمل بجد لمنع عودة داعش ولضمان عدم تجنيدهم لأعضاء جدد. هذا يتضمن العمل مع شركاء محليين والمجتمعات المحلية لتعزيز الأمن والاستقرار".
ورأت أن الهدف الرئيسي للجهود الأميركية: "هو تطوير مجتمعات مقاومة قادرة على مقاومة التأثير الدائم لداعش"، مؤكدة التزام الولايات المتحدة بـ"وجودها في شمال شرقي سورية وشراكتها مع القوات المحلية، لضمان الهزيمة الدائمة لهذا التنظيم".
وأوضحت غريط أن هذه الأهداف لا يمكن أن تحققها الولايات المتحدة بمفردها، و"نحن جزء من التحالف الدولي لهزيمة داعش، ونعتقد أن الشراكة والتعاون الدوليين هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار طويل الأمد في المنطقة".
تحسين المجتمع في سورية والعراق
وحول التصريحات الأميركية الأخيرة بشأن اعتزام الولايات المتحدة استثمار مزيد من الأموال في دعم مشاريع البنى التحتية والخدمات في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأميركية في الشرق السوري، أوضحت غريط أن "الولايات المتحدة ملتزمة بمواصلة دعم الجهود الإنسانية والخدمية في شرق سورية، بجانب مواصلة العمليات العسكرية ضد داعش. الهدف من هذه الجهود هو تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة وبناء مجتمعات مستدامة قادرة على مقاومة التأثير الضار لداعش".
وأشارت إلى أن "هذا يشمل تحسين البنية التحتية، بما في ذلك الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وتعزيز الاقتصادات المحلية".
ورأت المسؤولة الأميركية أن "المساعدات الإنسانية والتنمية المستدامة تؤدي دوراً حاسماً في هذه الجهود، ونحن نعمل على تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة وتوفير الأمن الغذائي، وتحسين وصول الأشخاص إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية، والمساعدة في إعادة بناء المنازل والمدارس وغيرها من البنية التحتية الأساسية".
هالة غريط: يعمل التحالف على تسهيل العودة للأشخاص إلى مناطقهم الأصلية
وأضافت غريط أن الهدف هو "إعادة بناء المجتمعات التي تم تدميرها بسبب الصراع، وضمان قدرة الناس على العيش بأمان وكرامة، وتحقيق فرص أفضل للمستقبل".
واعتبرت أن التحالف الدولي "نجح في القضاء على الخلافة الوهمية لداعش على الأرض بشكل كامل، وقتل قياداته، ولن نسمح بإعادة تأسيس التنظيم"، كاشفة أن "التحالف قدم أكثر من 3 مليارات دولار كمساعدات، بما في ذلك دعم الاستقرار، وإزالة بقايا الألغام الحربية، ودعم الاقتصاد والزراعة والمعيشة، إضافة إلى المساعدات الإنسانية (بما في ذلك المساعدات المتعلقة بوباء كورونا في العراق وسورية، وذلك بهدف دعم المدنيين الأكثر تأثراً من داعش، بما يساعد على منع عودة التنظيم".
واعتبرت غريط ان هذه الجهود ساهمت في "تسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للأشخاص إلى مناطقهم الأصلية، والبدء في إعادة بناء حياتهم"، مؤكدة أن الهدف هو "تكثيف هذه الجهود الإنسانية والخدمية في المستقبل، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وتعزيز الاقتصادات المحلية وتقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، إضافة إلى مواصلة الضغط على داعش لضمان عدم عودتهم".
وحول التعاون بين الولايات المتحدة ودول الخليج في هذا الملف، رأت المتحدثة الأميركية أن الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي، يبرز هذا التعاون، إذ سيتم جمع الوزراء والمسؤولين الكبار من 85 دولة ومنظمة دولية لـ"تأكيد التزامنا المستمر بالحملة ضد داعش ودعم المناطق المحررة في العراق وسورية".
وشدّدت على التزام الولايات المتحدة وأعضاء التحالف بـ"الهزيمة الدائمة لداعش، ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب"، لكنها أكدت في المقابل على الحاجة إلى "الكثير من العمل لمنع عودة داعش، بما في ذلك مزيد من الدعم المالي والدبلوماسي من المجتمع الدولي لإعادة مقاتلي داعش الأجانب وأفراد عائلاتهم إلى بلدانهم، وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة في العراق وسورية".
إيان مكاري: الحملة العسكرية الكبيرة في مواجهة "داعش" انتهت
وأشارت غريط إلى أنه تم تحديد حاجات التحالف للاستقرار بقيمة 601 مليون دولار للعراق وسورية هذا العام، مقسمة بالتساوي تقريباً بين البلدين، لكن هناك حاجة لملايين الدولارات الأخرى في التمويل الإنساني لتلبية الاحتياجات الأساسية في مخيم الهول وتحقيق الحلول الدائمة لسكان المخيم.
وقالت إنه في العام الماضي، جمع التحالف 445 مليون دولار لدعم احتياجات الاستقرار للعراق وسورية، و"بهذا التمويل، شهدنا تنفيذ وبدء مشاريع مهمة في مجال البنية التحتية والصحة والتعليم وغيرها في البلدين". وأوضحت أنه "بينما حققنا النجاح في مواجهة داعش في ساحة المعركة، فإننا نعمل على معالجة الشكاوى المحلية والقضاء على شبكات داعش للتجنيد والدعم، بما في ذلك تحسين الأمن والخدمات الإنسانية في مخيم الهول".
واختتمت غريط بالقول: "تظل أيديولوجية داعش تشكل تهديداً، على الرغم من تحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية. ولهذا السبب، نواصل العمل للقضاء على هذا التهديد على مستوى العالم، ونسعى لجمع المزيد من المساهمات لتحقيق استقرار أكبر في المنطقة".
تعهدات مرتقبة في اجتماع التحالف الدولي
وكان نائب المبعوث الخاص للتحالف الدولي إيان مكاري، قد أكد في تصريحات سابقة أن "مهمة القوات الأميركية في سورية والعراق تغيرت بشكل كبير"، في إشارة إلى "تعهدات مالية بمئات الملايين لدعم المشاريع في المنطقة".
وفي إحاطة للصحافيين بشأن اجتماع التحالف الدولي في الرياض، أوضح مكاري، الجمعة الماضي، أن "الحملة العسكرية الكبيرة في مواجهة التنظيم انتهت، ولا يسيطر داعش على أي منطقة هناك، لكن ما تزال لدينا قضايا إنسانية كبيرة يجب معالجتها في سورية والعراق".
وكشف أنه في الاجتماع الوزاري سيتعهد شركاء التحالف الدولي تقديم مئات الملايين من الدولارات من أجل "دعم مشاريع تحقيق الاستقرار على مستوى المجتمع".
وشدّد مكاري على أن التركيز الرئيس هو مخيم الهول، بسبب الحاجة إلى إخراج أكبر عدد ممكن من سكان المخيم وعودتهم إلى دولهم الأصلية، وتحسين الخدمات والتعليم والصحة والإسكان والصرف الصحي لأولئك الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم.
ونوّه إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سيعلن مساهمة أميركية جديدة للعام الحالي، مشيراً إلى أن التحالف الدولي جمع في العام الماضي 445 مليون دولار لدعم احتياجات الاستقرار في العراق وسورية، ويأمل بتجاوز هذا الرقم في اجتماع الرياض.