وقّعت مصر والسلطة الفلسطينية، يوم الأحد الماضي، مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي في نطاق قطاع غزة، وهو الاتفاق الذي تسبب بخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس". وجاء الاتفاق، بحسب مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد"، ليقطع الطريق أمام مساع كانت تقوم بها تركيا، للتوصل إلى اتفاق يقضي بترسيم الحدود البحرية بينها وبين السلطة الفلسطينية، والحصول على حقوق امتياز تطوير حقل غاز "غزة مارين". وأوضحت المصادر أن المسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة المصرية، انخرطوا في اتصالات مع المسؤولين في السلطة الفلسطينية، منذ نهاية العام الماضي، وذلك في أعقاب اللقاءات التي جمعت مسؤولين من السلطة الفلسطينية بمسؤولين أتراك لبحث الملف. وأشارت المصادر، إلى أن المسؤولين المصريين قادوا مفاوضات في سياق مواز مع الجانب الإسرائيلي، لإقناعهم بتسهيل الاتفاق، وعدم عرقلة الجهود المصرية المرتقبة لتطوير حقل الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة، وذلك حتى لا يشكل الموقف الإسرائيلي ذريعةً لدخول تركيا على خطّ الأزمة، بشكلٍ قد يتسبب لتل أبيب بأزمات أكبر، وفق المصادر.
وأوضحت المصادر أن حركة "حماس" كانت على علم من الجانب المصري بمساعيه لإتمام تلك الاتفاقية، ولكن من دون التطرق إلى التفاصيل التي كان الحديث بها مسار مشاورات مع مسؤولي السلطة الفلسطينية، مؤكدة أن الحديث مع وفد من "حماس"، في وقت سابق، كان يهدف إلى عدم إبداء الحركة أي اعتراضات أو القيام بإجراءات مضادة لصالح أطراف إقليمية أخرى.
جرى الحديث مع "حماس" حول الموضوع لعدم إبدائها اعتراضات أو القيام بإجراءات لصالح أطراف إقليمية أخرى
كما كشفت المصادر أن المباركة الإسرائيلية للاتفاق، جاءت في مقابل قبول مصر، بضغوط إسرائيلية، إشراك الإمارات في مشروع لنقل الغاز عبر سيناء، دون أن تدلي بتفاصيل أكثر بشأن المشروع الذي وصفته المصادر بـ"العملاق"، ويهدف إلى تعويض مصر عن الاتفاق الذي وقّعه الإسرائيليون مع كل من اليونان وقبرص بعيداً عنها في وقت سابق من العام الماضي.
في المقابل، طالب عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في حركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، بالاطلاع على تفاصيل الاتفاق الموقع بين مصر والسلطة الفلسطينية. وقال أبو مرزوق أول من أمس الثلاثاء عبر "تويتر": "يجب أن تكون غزة حاضرة في أيّ تفاهمات حول حقول غاز شواطئها، فإذا كانت غزة مضطرة لاستيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال لمحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، فلا ينبغي أن نقف متفرجين وثرواتنا الطبيعية تذهب بعيداً. نحتاج لمعرفة تفاصيل الاتفاقية التي تمّ توقيعها مع هيئة الاستثمار".
حديث أبو مرزوق قوبل برفض من جانب مسؤولي السلطة الفلسطينية. وكتب عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، حسين الشيخ، عبر "تويتر": "رداً على ما قاله السيد أبو مرزوق بخصوص اتفاقيات الغاز على شواطئ غزة في تغريدة له، أقول إن الاتفاقيات تتم بين دول، وفلسطين عضو في منتدى غاز المتوسط"، مضيفاً أن "الاتفاقيات توقع مع دول سيّد أبو مرزوق، وليس مع فصائل وتنظيمات".
الأمر نفسه أكد عليه المتحدث الإعلامي باسم "فتح"، منير الجاغوب، إذ اعتبر أن "تصريح القيادي في حماس موسى أبو مرزوق حول اتفاقية التنقيب عن الغاز الطبيعي، يحوي في طيّاته على نوايا غير مبشّرة بخير"، مضيفاً أن "(الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن هو رئيس دولة فلسطين، وهذه صلاحياته وليست صلاحيات أحزاب سياسية، وغزة جزء من الدولة الفلسطينية وليست إقليماً مستقلاً، وحماس فصيل سياسي من 17 فصيلاً، وتصريح أبو مرزوق نوع من الابتزاز ودعاية انتخابية، أو قد يكون تهرباً من الانتخابات والمصالحة والأجواء الإيجابية الفلسطينية".
وفي هذا السياق، قالت المصادر المصرية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن موقف "حماس ربما يكون إملاء من أحد الأطراف الأخرى التي كانت تسعى لإتمام هذا الاتفاق بعيداً عن مصر"، داعية الحركة إلى "عدم اتخاذ خطوات بعيدة عن القوى ذات البعد التاريخي والجغرافي الأكثر انخراطاً في القضية الفلسطينية"، في إشارة إلى القاهرة.
جاءت المباركة الإسرائيلية للاتفاق مقابل قبول مصر إشراك الإمارات في مشروع لنقل الغاز عبر سيناء
وجاء توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة بين الجانبين المصري والفلسطيني، على هامش زيارة وزير البترول المصري طارق الملا إلى رام الله والقدس المحتلة، الأحد الماضي، حيث التقى مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس. وتمّ توقيع الاتفاق بحضور الأطراف الشريكة في حقل غاز "غزة مارين"، وهي صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين، بهدف التعاون بمساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، على نحو يوفر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، مع إمكانية تصدير جزء من الغاز إلى مصر.
ووقّع على المذكرة عن الجانب المصري، رئيس شركة "إيغاس"، مجدي جلال، وعن الجانب الفلسطيني، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، محمد مصطفى. وأكد الجانبان على أهمية تثبيت الموقفين المصري والفلسطيني الموحد تجاه ضرورة التسريع في تطوير حقل غاز غزة، مشددين على أهمية منتدى غاز شرق المتوسط في تسهيل استغلال الدول الأعضاء لمواردها الطبيعية، خصوصاً الغاز. يأتي هذا فيما قالت وزارة البترول المصرية، في بيان، إن الملا وشتاينتس "اتفقا على العمل على اتفاقية حكومية لربط حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي بوحدات إسالة الغاز الطبيعي في مصر عن طريق خط أنابيب بحري". وأشار البيان إلى أن الوزيرين ناقشا فرص استقلال قطاع الطاقة لدى الفلسطينيين من خلال مشروعات عدة، مثل تنمية حقل غاز غزة البحري، وإنشاء محطة للطاقة الكهربائية في مدينة جنين، ومدّ الفلسطينيين بالغاز الطبيعي.
وتأسس منتدى غاز شرق المتوسط في يناير/كانون الثاني 2019، ومقره الرئيسي في القاهرة. ويضم المنتدى سبع دول متوسطية، هي مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا.
وكانت مصادر مصرية كشفت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لـ"العربي الجديد"، عن حلقة جديدة من حلقات الصراع بين تركيا ومصر، متعلقة بمناطق الغاز في شرق المتوسط. وبحسب المصادر، فإنّ القاهرة وجهت تحذيرات شديدة اللهجة للسلطة الفلسطينية وقتها، بعد معلومات استخبارية وصلت إليها بشأن انخراط الجانب الفلسطيني في مفاوضات متقدمة وغير معلنة مع تركيا، متعلقة بالتوصل إلى اتفاق خاص بترسيم الحدود البحرية، وإمكانية الحصول على حقّ تطوير حقل "غزة مارين" للغاز قبالة ساحل قطاع غزة، في إطار العلاقات الجيدة التي تربط أنقرة بالقوتين الكبريَين في فلسطين، "فتح" و"حماس".