اتصالات مصرية للوساطة بين عسكر السودان... وأفكار لحل مؤقت

02 نوفمبر 2021
القاهرة انزعجت من مشاهد التظاهرات الحاشدة في الخرطوم (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية في القاهرة عن اتصالات تجريها المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل، في الخرطوم على مدار الساعة، لمناقشة تطورات الأوضاع مع رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، وعضو المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقيادات عسكرية أخرى، بهدف تقريب وجهات النظر بينهم جميعاً، وتجاوز الخلافات المحتدمة حالياً، حول طريقة التصرف مع عاصفة الغضب الشعبي المتواصلة في شوارع المدن السودانية، للمطالبة بعودة الحكومة المدنية والالتزام بالوثيقة الدستورية التي تم تجميد العمل ببنودها التي تتحدث عن الشراكة مع قوى الحرية والتغيير.
وذكرت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن هناك خلافات عديدة بين البرهان وحميدتي، وأخرى بينهما كفريق ضد عدد من القيادات الأخرى، بما يصعب معه تصنيف المجلس العسكري إلى فريقين أو حتى ثلاثة. وقد كشفت الاتصالات الأخيرة، بحسب المصادر، وجود آراء عديدة تجاه القرارات الانقلابية الأخيرة؛ بداية من حل الحكومة ومجلس السيادة، وصولاً إلى قرار إعفاء النائب العام، مبارك محمود، أول من أمس الأحد، إلى حد مطالبة بعض القيادات القاهرة بإرسال وفد مخابراتي عالي المستوى من مكتب عباس كامل، كطرف يحظى بثقة معظم أعضاء المجلس، لتقريب وجهات النظر، كما حدث من قبل خلال العام الماضي.

هناك خلافات عديدة بين البرهان وحميدتي، وأخرى بينهما كفريق ضد عدد من القيادات الأخرى

وأضافت المصادر أن مصر ترغب في اتخاذ هذه الخطوة (إرسال وفد مخابراتي) لأهداف مختلفة، يأتي على رأسها ضمان موثوقية الأنباء الواردة من الخرطوم والمعلومات المتداولة في الاتصالات الجارية، وأن تكون مصر أسبق للمشاركة في اتخاذ القرارات وتوجيه الأوضاع قياساً بالإمارات وإسرائيل، القريبتين بالفعل من دوائر صنع القرار بالخرطوم، وكذلك السعودية التي يبدو أنها كانت الطرف الأكثر ابتعاداً عن مجريات الأحداث في الفترة الأخيرة. بالإضافة إلى ضمان عدم تأثير انفلات الأوضاع في السودان على المصالح المصرية المباشرة أمنياً وعسكرياً، وكذلك في قضية سد النهضة، لكن توجد بعض المخاوف الأمنية التي ترجئ تنفيذ هذه الخطوة حالياً.

وأوضحت المصادر أن من بين الأفكار التي عرضتها مصر خلال الاتصالات الأخيرة إعادة تعيين عبد الله حمدوك رئيساً لحكومة مؤقتة لامتصاص الغضب الشعبي، شريطة التوصل إلى اتفاق واضح بشأن اقتسام الحقائب الوزارية، والسيطرة العسكرية على جميع الحقائب السيادية، مع التأكيد أن النصائح المصرية للمجلس العسكري للتخلص من حمدوك في وقت سابق كانت مقترنة بالدفع السريع ببديل عاجل مقبول للداخل، وليس الدخول المبكر في حالة من الفراغ الحكومي المؤدي إلى الفوضى كما هو الوضع الحالي، الأمر الذي جعل المصريين يعيدون تقديم النصيحة بالاستعانة بحمدوك مرة أخرى.

وأشارت المصادر إلى أن الخارجية المصرية أجرت أخيراً مناقشات مع بعض الوزارات الغربية والسفارات، وبصفة خاصة التابعة للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، حول تطورات الموقف، للتعرف إلى أولوياتها في السودان، ومدى إمكانية تجاوز موقف إطاحة حمدوك ومدى الحاجة لإعادته من جديد، خصوصاً أنه الشخصية الموثوقة من قبل تلك الدول. وبحسب المصادر، فإن هذه الاتصالات جاءت مكملة للمشاورات بين القاهرة والخرطوم، وأفضت إلى تمسك تلك الدول بالمسار الدستوري الذي كان محدداً سلفاً وبعودة حمدوك، وعلى أساس ذلك، تحاول القاهرة التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ، حتى لو كانت مؤقتة، وتنهي حالة الغضب الغربي أيضاً.

وبصورة مفاجئة بعد نحو أسبوع من الانقلاب المتعثر في السودان، صدرت أمس الإثنين، وللمرة الأولى، تعليمات من الدائرة المخابراتية الأمنية للرئيس عبد الفتاح السيسي لوسائل الإعلام المحلية بصفة عامة، لتجاهل تحليل الأوضاع في السودان بشكل عام، وتقليل التناول الصحافي والتلفزيوني لها، وحظر استخدام تعبيرات ضد الانقلاب والسلطة العسكرية نهائياً.

وقال مصدر مطلع إن مصر وإن كانت غير مرتاحة لما آلت إليه الأوضاع بسبب ضعف القيادة العسكرية السودانية وعدم تنفيذ نصائح القاهرة بشكل ناضج إلا أن المخابرات العامة انزعجت للغاية من مشاهد التظاهرات الحاشدة في الخرطوم وتوجيه هتافات ضد النظام الحاكم في مصر - وهو ما تم منع نشره في الصحف المصرية - الأمر الذي يبقى له أولوية بالنسبة للسيسي وأجهزته، حتى مع استقرار الأوضاع داخلياً واستبعاد تفجر تظاهرات شعبية على غرار ما يحدث في السودان.

عرضت مصر خلال الاتصالات الأخيرة إعادة تعيين عبد الله حمدوك رئيساً لحكومة مؤقتة لامتصاص الغضب الشعبي

ويجد النظام المصري منذ إطاحة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، في ربيع 2019، راحة أكبر في التعامل مع المكون العسكري في السودان، والمرتبط بعلاقات مع الإمارات وروسيا أكثر من العواصم الغربية المتمسكة ظاهرياً بالتداول السلمي للسلطة، وضخ دماء جديدة مدنية في نظام الحكم السوداني، الأمر الذي يهدد في الأوضاع المثالية ببناء نظام ديمقراطي سعى الجيش طويلاً لتحاشي وجوده في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

وفي وقت سابق؛ قال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" إنه خلال زيارات عباس كامل ومساعديه إلى الخرطوم العام الماضي، أبلغهم أعضاء عسكريون بمجلس السيادة بعدم رضاهم عن إدارة حمدوك لملف سد النهضة، لكنهم في الوقت ذاته، وفي ظل ضبابية الموقف الداخلي، كانوا عاجزين عن اتخاذ خطوات جذرية للتغيير. فضلاً عن رصد مخاوف لدى الحكومة المدنية والمسؤولين الفنيين بشأن أداء العسكريين والسياسيين دوراً لصالح مصر أو إثيوبيا على حساب المصالح السودانية الأصيلة في القضية، مما دفعهم لاتخاذ مواقف تعبر عن هذه المصالح وحدها. وفي الوقت ذاته؛ كانت بعض القيادات العسكرية ترحب بشكل غير معلن باستمرار مواقف حمدوك، لاستغلالها لمطالبة مصر بتقديم المزيد إلى جارتها الجنوبية.

المساهمون