على الرغم من نجاح الاتصالات المصرية مع الفصائل الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي في احتواء التصعيد، جراء العدوان الإسرائيلي على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى أمس الأول، فإن هذا الأمر لم يؤد إلى نزع كل فتائل تفجر الوضع مجدداً، مع إعلان ما تسمى "إدارة جبل الهيكل" ترحيبها بكل من سيشارك فيما سمته "الحج الجماعي" لاقتحام المسجد الأقصى، بدءا من اليوم الأحد وحتى الخميس المقبل، بمناسبة عيد "الفصح اليهودي"، بالإضافة إلى ربط الفصائل في غزة تهدئة القطاع بشمولها الضفة الغربية وجنين.
وكان الهدوء الحذر قد ساد القدس المحتلة، أمس السبت، بعد يوم شهد مواجهات واسعة، تصدى خلالها الفلسطينيون لاقتحامات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى، وتخلله إصابة واعتقال المئات، تم البدء بإطلاق سراح غالبيتهم.
وكشفت مصادر مصرية خاصة مطلعة على الوساطة التي تجريها القاهرة بين حكومة الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية لنزع فتيل الأزمة، ومنع التصعيد في الأراضي المحتلة، كواليس جولة وصفتها بـ"المعقدة"، لا تزال مستمرة، قام بها المسؤولون في جهاز المخابرات العامة، الذين يتولون إدارة ملف العلاقات مع فلسطين وحكومة الاحتلال.
حماس: لا هدنة مع الاحتلال
في المقابل، نفى عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" زاهر جبارين، في بيان أمس السبت، وجود هدنة مع الاحتلال. وأوضح أن الحركة "تواصل جهودها الميدانية واتصالاتها السياسية لوقف العدوان الصهيوني على شعبنا ومقدساتنا، وخاصة المسجد الأقصى، بكل الوسائل الممكنة". وأكد أنه "لا هدنة مع الاحتلال، وأنَّ ما يتم تداوله عبر وسائل إعلام عبرية وعربية عارٍ عن الصحة ولا أصل له".
حماس: الرسالة واضحة بأنّ القدس والمسجد الأقصى خط أحمر
ودعا جبارين "جماهير شعبنا في الضفة الغربية والدّاخل المحتل إلى مواصلة الزحف لشد الرحال والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى". وشدد على أن "عراقيل الاحتلال لن تثنينا عن حماية القدس والمسجد الأقصى من إرهابه المتواصل ومن تطرّف المستوطنين، وسيبقى شعبنا ومقاومتنا الباسلة في كلّ المواقع والساحات، متأهّبين دوماً دفاعاً عن القدس والأقصى".
بدوره، أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" عزت الرشق أنّ رسالة الحركة كانت واضحة لكل الوسطاء بأن القدس والمسجد الأقصى خط أحمر.
وقال الرشق، خلال أمسية رمضانية نظمتها الدائرة الإعلامية للحركة في الخارج، أمس الأول، إنه "جرى التواصل مع حماس من قبل عدد من دول المنطقة، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، خشية تصعيد الأوضاع في شهر رمضان (بدأ في 2 إبريل/ نيسان الحالي) بسبب انتهاكات الاحتلال وجرائمه المتواصلة في القدس والمسجد الأقصى".
وأضاف: "رسالتنا واضحة لكل الوسطاء بأن القدس والأقصى خط أحمر، وأي استفزاز لشعبنا في مقدساته سيقابل بالمواجهة". وتابع: "لا نسعى لحرب جديدة في غزة، لكن المقاومة في غزة تتابع كل التطورات، ويدها على الزناد، لأننا شعب واحد، وإذا انتهكت مقدساتنا فإن شعبنا في كل مناطق وجوده سيقوم بواجب الدفاع عنها".
وقالت المصادر المصرية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن اتصالات مكثفة متتالية، كانت قد استمرت منذ مساء الخميس الماضي، وحتى صباح أمس الأول الجمعة، لم تسفر عن نتائج ملموسة تمنع وقوع صدام عسكري جديد.
زيارة وفد مخابرات مصري لتل أبيب
وأشارت إلى أن هذا الأمر استدعى قيام وفد من جهاز المخابرات العامة المصرية، برئاسة مسؤول الملف الإسرائيلي محمود السيسي، بزيارة إلى تل أبيب أمس الأول، استغرقت عدة ساعات على متن طائرة خاصة تابعة للجهاز نفسه، في محاولة لتسريع وتيرة المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، سعياً نحو الوصول إلى نتائج حاسمة، بضمانة الموقف المصري بالنسبة للطرفين.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فقد كان هناك اتجاه للتصعيد من داخل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الجمعة الماضي، عبر إطلاق صواريخ، رداً على عملية اقتحام قوات الاحتلال المسجد الأقصى صباح أول من أمس، إلا أن التدخل المصري، الذي جرى بعد التنسيق مع المسؤولين في قطر، أدى إلى تأجيل التصعيد، وإتاحة فرصة للاتصالات التي تقوم بها القاهرة إلى جانب وسطاء آخرين.
وذكرت "حماس"، فجر أمس السبت، أن وزير الخارجية القطري ونائب رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نقل إلى رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية رسالة ترتبط بالأحداث الجارية داخل فلسطين، وخاصة في القدس والأقصى.
وأوضحت المصادر أن قيادة الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، تجاوبت مع هذا الأمر، إلا أنها اشترطت تقديم سلطات الاحتلال مؤشرات على الأرض، تبدأ بفتح الأبواب أمام الفلسطينيين لأداء صلاة الجمعة، وهو ما حدث بالفعل.
انتهاء المرحلة الأولى من الوساطة
وقالت المصادر إنّ الوساطة المصرية لم تنته، مشيرة إلى أنه يمكن القول إن المرحلة الأولى منها انتهت، وهي التي كانت متعلقة بنزع فتيل الأزمة، ومنع الصدام يوم أول من أمس الجمعة. وأكدت أن الفصائل كانت قد رهنت عدم التصعيد مجدداً بإطلاق سراح المعتقلين خلال المواجهات، وكانت قد منحت مهلة حتى صباح أمس السبت، لتنفيذ تلك الخطوة.
ويبدو أنّ الاحتلال انصاع لهذا الأمر، عبر الإفراج عن عدد من المعتقلين أمس. وأعلن محامي مركز معلومات وادي حلوة - القدس، محمد محمود، في منشور على "فيسبوك"، أن الاحتلال بدأ عملية الإفراج عن الموقوفين، الذين بلغ عددهم نحو 450 شخصاً أول من أمس. وقال المحامي كريم عجوة، بحسب موقع "عرب 48"، إن "غالبية المفرج عنهم يتم توقيعهم على قرارات إبعاد عن المسجد الأقصى".
واعتبرت المصادر المصرية أنه يمكن القول إنه بإطلاق سراح معظم المعتقلين فقد انتهت المرحلة الأولى من الوساطة، والتي سيتبعها مباشرة استكمال المفاوضات بشأن باقي الملفات التي لا تزال مهددة للتهدئة، وتجعل الأوضاع قابلة للانفجار في أيّ لحظة. ووفقاً للمصادر، فإن من أبرز النقاط العالقة في مفاوضات الوساطة المصرية الشرط المتعلّق بربط الفصائل في قطاع غزة التهدئة بشمولها الضفة الغربية وجنين.
إلا أن اشتراط حكومة الاحتلال استثناء العمليات التي تستهدف "منع خطر يهدد حياة الإسرائيليين"، بحد تعبير المصادر، يربك الموقف برمته، لافتة إلى أن ذلك الشرط لاقى اعتراضاً واسعاً من قيادة "الجهاد"، قبل أن تتدخل القاهرة مطالبة بإرجاء النقاش في التفسيرات الخاصة ببنود اتفاق نزع فتيل الأزمة.
صواريخ غزة جاهزة
كما تضمنت قائمة النقاط المعلقة طلب فصائل المقاومة الفلسطينية تخفيف الوجود الأمني الإسرائيلي داخل ساحات الأقصى، مشيرة إلى أن حكومة الاحتلال حدّدت تصوراً للتعامل مع هذا المطلب. وقالت المصادر إن الفصائل أكدت خلال المفاوضات، التي قادتها القاهرة، أنها لن تتوانى في الرد على أي خرق إسرائيلي، أو أي اعتداء على أهالي الضفة، والمقدسات في القدس، وأن صواريخ غزة ستكون حاضرة في هذه الحالة.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن مستويات القيادة السياسية في الفصائل عبّرت عن صعوبة ضبط الموقف خلال المفاوضات التي قادتها القاهرة، مؤكدة أن هناك حالة من الغضب التي تسيطر على الأجنحة العسكرية، وبالتحديد لدى مقاتلي "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الذين يرون أن هناك ضرورة للرد على ما وصفوه بحماقات الاحتلال الإسرائيلي، والتي طاولت بعضاً من مقاتلي الحركة في جنين.
ربطت الفصائل في غزة التهدئة بشمولها الضفة الغربية وجنين
وعلى الرغم من كل التحركات للتهدئة، فإن إعلان ما تسمى "إدارة جبل الهيكل"، أمس السبت، ترحيبها بكل من سيشارك فيما سمته "الحج الجماعي" لاقتحام المسجد الأقصى، بدءاً من اليوم الأحد وحتى الخميس المقبل، بمناسبة عيد "الفصح اليهودي"، قد يفجر الأوضاع مجدداً. وذكرت "الإدارة" في إعلانها أن "ساعات الاقتحام الممتدة من السابعة حتى العاشرة والنصف صباحاً قد يتم تمديدها وتعديلها بحسب الأعداد المقتحمة"، في دعوة مباشرة لتكثيف أعداد المقتحمين للأقصى.
إلى ذلك، كشفت المصادر المصرية أن المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، جددوا الدعوة للوفد الأمني الذي زار تل أبيب في مهمة "إطفاء الحرائق" للمسؤولين في الجهاز للقيام بزيارة موسعة، كانت مقررة في وقت سابق قبل أن يتم تأجيلها، مؤكدة أنه خلال الأيام المقبلة سيقوم الوفد بزيارة تل أبيب ورام الله.
وكانت مصادر مصرية خاصة قد كشفت عن تأجيل زيارة كانت مقررة لوفد أمني مصري رفيع المستوى من جهاز المخابرات العامة إلى كل من رام الله وتل أبيب، بسبب ما وصفته "بالأوضاع الأمنية الملتهبة في إسرائيل، والأراضي المحتلة".
وقال أحد المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنه كان من المقرر أن يصل الوفد إلى تل أبيب في 8 الشهر الحالي للقاء المسؤولين بحكومة الاحتلال، قبل التوجه إلى رام الله، للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والمسؤولين هناك.
وأوضح أن العملية التي نفذها أحد المقاومين الفلسطينيين في تل أبيب، وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، تسببت في إرجاء الزيارة، من دون أن يجرى الحديث عن موعد محدد لها.