إسرائيل منتشية بتفجيرات البيجر في لبنان ولكن "ماذا عن وبعد؟" كثيرة تنتظر إجابات

18 سبتمبر 2024
اجتماع لقوات الأمن الإسرائيلية عقب تفجيرات البيجر في لبنان 18 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تفجيرات البيجر وتأثيرها**: أثارت تفجيرات البيجر في لبنان وسوريا ردود فعل متباينة في إسرائيل، حيث اعتبرها البعض إنجازًا استخباراتيًا وعملياتيًا، بينما انتقدها آخرون لافتقارها إلى رؤية استراتيجية واضحة.

- **الجدل حول الاستراتيجية الإسرائيلية**: انتقد اللواء يئير غولان واللواء عاموس جلعاد العملية لعدم استغلالها استراتيجيًا، مشيرين إلى غياب رؤية واضحة لإدارة الحرب وانتقادهم لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

- **التداعيات المستقبلية**: رأى المحللون العسكريون أن العملية كانت ضربة معنوية لحزب الله، لكنها قد تؤدي إلى تصعيد الصراع واحتمالية اندلاع حرب واسعة، في ظل غياب أهداف استراتيجية واضحة لإسرائيل.

تبقي إسرائيل الرسمية نفسها في الظل حتى الآن دون إعلان مسؤوليتها

"يديعوت أحرونوت": ضربة معنوية لحزب الله ولكنها ليست استراتيجية

"هآرتس": يبدو أننا أقرب من قبل لحرب واسعة أيضاً مع حزب الله

بين فرحة لا تسع الكثير من الإسرائيليين، من معلّقين وسياسيين وصحافيين وغيرهم، وخيبة أمل كبيرة وإحباط لدى آخرين، تعيش دولة الاحتلال الإسرائيلي النقيضين، عقب تفجيرات البيجر (أجهزة الاتصالات) التابعة لعناصر حزب الله في لبنان وسورية أمس، ما أسفر عن آلاف الشهداء والجرحى بينهم مدنيون، فيما تبقي إسرائيل الرسمية نفسها في الظل حتى الآن، ممتنعة عن إعلان مسؤوليتها عما حدث.

المتابع لوسائل الإعلام الإسرائيلية، يلاحظ أن العديد من المعلقين، ومنهم مسؤولون عسكريون سابقون كبار في جيش الاحتلال، يودون لو يقفزون من شاشات القنوات التلفزيونية، وعناوين الصحف والمواقع، ليصرخوا بأعلى صوت، لولا التكتّم الرسمي والرقابة: "نحن من فعلنا ذلك"، تفاخراً بحدث غير اعتيادي، وقدرات ذهب الكثيرون منهم لوصفها بالخارقة والناجحة، فيما ذهب البعض لتوصيف أن مشاهد الأفلام عجزت عن مثل هذا السيناريو، وبالمقابل نجد من يرون أن إسرائيل أخفقت، وفقدت بطاقة مهمة لمرحلة أهم قد تأتي لاحقاً.

ويتحدّثون حول كم تحتاج عملية من هذا النوع لقدرات واستعدادات مسبقة قبل فترة طويلة من تنفيذها، وعن إخراج المئات من عناصر "حزب الله" عن الخدمة، على حد تعبيرهم، ويسهبون في الحديث عن القدرات الإسرائيلية، ثم يتذكّرون فينسبون الكثير مما يقولون إلى تقارير أجنبية في ظل الصمت الإسرائيلي الرسمي عن تبني العملية. وبالمقابل، تُطرح أسئلة كثيرة بشأن توقيت العملية وجدواها في هذه المرحلة وحول فائدتها في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة بشأن الحرب وأهدافها في غزة ولبنان، لكن حتى المنتقدون أعربوا عن إعجابهم بالعملية، خاصة على المستوى الاستخباري والعملياتي.

وفي حديث لهيئة البث الإسرائيلي "كان" اليوم، انضم اللواء المتقاعد يئير غولان، نائب رئيس هيئة الأركان العامة سابقاً ورئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي، إلى الرأي القائل بإخفاق إسرائيل، وفقدانها بطاقة مهمة لو كانت هي من تقف وراء التفجيرات في لبنان، كما دعا في ذات المقابلة إلى احتلال جزء من الأراضي اللبنانية على عمق نحو نصف كيلو متر، لتشكّل منطقة عازلة، تخرج المناطق الشمالية من دائرة النيران.

من جانبه، هاجم اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد، في حديث لإذاعة 103 العبرية، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، معتبراً أنه لا أفق لديه لإدارة الحرب، موضحا: "الأمر الذي ينقصنا طوال الوقت هو الاستراتيجية". وجاءت أقواله في إطار الحديث عن تفجيرات البيجر في لبنان، واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، متسائلا: "ماذا عن إعادة المختطفين والمختطفات أحياء؟ هذه هي قيمة عليا ولا أحد يتحدث عن هذا.. ماذا عن مستقبل غزة؟ حكم عسكري مباشر أم نوفّر بديلاً؟ وماذا عن التهديد الإيراني؟ وماذا عن القدرة على قيادة محور استراتيجي؟ التفكير يجب أن يسبق العمل. بداية هل هذا (ما حدث في لبنان) يغيّر وضعنا؟ أم أننا من سننجر إلى مواجهة في وقت غير مريح لنا؟ مواجهة شاملة. هل هذه هي الطريقة الصحيحة في الوقت الذي فيه إمكانية للتسوية؟ هذه هي الأسئلة الاستراتيجية المهمة، فضلًا عن الإعجاب والخيال والإبداع من قبل من فعل ذلك".

صحيفة معاريف العبرية، قابلت أمتسيا برعم، الذي وصفته بأنه خبير بشؤون حزب الله، وأشار في حديثه إلى التخبطات الإسرائيلية بشأن فتح جبهة واسعة في الشمال، كما أعتبر أن تفجير "مئات أو آلاف أجهزة الاتصال والمساس بآلاف النشطاء (أي من حزب الله) يمكن أن يكون وسيلة لبدء الهجوم"، لكن فعلياً لا يوجد تصعيد برأيه من قبل إسرائيل، "وإن كان لا يوجد تصعيد فلماذا ضيّعنا الفرصة الرائعة التي كانت بين أيدينا؟ أنا لا أفهم هذا الأمر"، في إشارة منه إلى أن هذه العملية يجب أن تكون جزءاً من عملية أكبر وحرب أوسع. وأضاف معبرًا عن إحباطه: "أنا مسرور باستهداف عناصر حزب الله، ولكن هناك شعور بأننا ضيّعنا شيئاَ ما. كان يمكن التحكّم في الوقت الذي نهاجم فيه. لو أبقينا ذلك للوقت الصحيح، للحظات التي نريد فيها إرباك حزب الله وعندها شن هجوم (أي واسع). إذا كنت أفهم الأمور بشكل صحيح، فقد أهدرنا فرصة فريدة، وفي يوم الاختبار (حرب واسعة) لن تكون تحت تصرّفنا بعد الآن. في رأيي ضيّعناها (وسيلة تفجيرات البيجر)".

وفي صحيفة يديعوت أحرونوت، كتب المحلل العسكري رون بن يشاي أن الضربة التي وجهت إلى حزب الله في لبنان هي "ضربة معنوية، ولكنها ليست استراتيجية"، معتبرًا أن تفجير أجهزة الاتصال بالتحكّم عن بعد "أوضحت للحزب كم هو مخترق ليس فقط على المستوى الاستخباراتي، ولكن أيضًا من الناحية السيبرانية والإلكترونية. العلاقة بين هذه الأمور هي سلاح بحد ذاته ويجب أن يخشاه حزب الله ورعاته الإيرانيون". وأضاف  أن "العملية المنسوبة إلى إسرائيل تعزز دون شك الردع أمام حزب الله ورعاته الإيرانيين كما يشكل إهانة وضربة معنوية، لكن هذه ليست عمليّة تغيّر الواقع، وليس هذا ما سيعيد سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. ومن أجل حدوث ذلك، يجب أن يكون هناك سلسلة من ضربات كهذه أو حرب شاملة".

ويرى الصحافي المختص في شؤون الأمن القومي بصحيفة يديعوت أحرونوت رونين بيرغمان أنه "إذا كانت إسرائيل هي بالفعل من يقف من وراء الضربة ضد حزب الله"، فهذه "واحدة من أكثر العمليات المفاجئة والمؤلمة التي قامت بها على الإطلاق". وأضاف أنه وفي علم الاستخبارات العملياتية يسمّون ذلك "زر"، أي تجهيز وسيلة تكون جاهزة للاستخدام لدى صدور الأمر، حتى لو جاء بعد سنوات طويلة، بحيث كل ما سيكون مطلوبًا هو ضغطة واحدة (على الزر)، تبعث رسالة لآلاف الأجهزة على طريق تفجيرها".

وبعد امتداحه العملية والثناء عليها، قال إن "السؤال المطروح الآن هو كيف سيرد حزب الله؟ وإن كان النجاح الاستخباراتي - العملياتي سيؤدي إلى تحقيق الأهداف، وهو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم أم يقود إلى تصعيد صعب؟". كما أعتبر أن العملية نجحت بنسبة كاملة، وأن حزب الله في صدمة، لكنه نقل عن ضابط كبير في جيش الاحتلال، لم يسمّه، ودون نسب العملية لإسرائيل،  قوله: "لست متأكدًا من أن هذا الحدث الذي نجح بنسبة 100% سيسهم بالفعل بتعزيز أمن الدولة، لأنه في نهاية المطاف الأمر المهم هو إعادة عشرات الآلاف من سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم من قبل الدولة أو الذين أخلوا بيوتهم بأنفسهم (من بداية الحرب)، وليس واضحاً في هذه اللحظة ما هي الاستراتيجية، وما هو الخط الذي يربط بين هذا الهجوم وبين إعادة السكان. في المقابل، أستطيع أن أرى خطًا واضحًا بين هجوم اليوم وتفاقم الوضع بشكل كبير، لأن حزب الله المقتنع بأن إسرائيل هي من تقف من ورائه، سيقرر أن لا يبتلعه، بل سيرد بقوة ومن ثم سترد إسرائيل عليه، وسوف يرد على رد الفعل... ولتبادل الضربات هذا هنالك اسم، هو الحرب".

أما في صحيفة هآرتس، فاعتبر المحلل العسكري عاموس هارئيل، أن الهجوم في لبنان هو إنجاز عملياتي مثير للإعجاب، لكن ليس مؤكدًا أنه يفيد أهداف الحرب، كما يرى أن "سلسلة التفجيرات المنسوبة إلى إسرائيل كشفت حزب الله في ضعفه، وأذلت قيادته، وهذه ليست من الأمور المتّبع التجاوز عنها بهدوء في الشرق الأوسط". ويرى هارئيل أن "التشكيلات العملياتية لحزب الله انكشفت على أنها مخترقة بشكل كامل، وتعرضت لأضرار جسيمة على نحو قد يزعزع الثقة في صفوف المنظمة، ويضرب نظام القيادة والتحكّم الخاص بها في المستقبل القريب". ومن المرجّح برأي الكاتب الإسرائيلي أن "يخصص حزب الله الكثير من الوقت للجهود الدفاعية الآن، وتحديد ثغرات أمنية إضافية وتحديد المسؤولين عنها".

كما اعتبر أن ضربة من هذا النوع، والتقارير حول إصابة السفير الإيراني في بيروت، قد تؤدي إلى التأثير على حسابات حزب الله وإيران وحتى إلى تغيير السياسات، بمعزل عن الحاصل في قطاع غزة. وأضاف أن "الإنجاز العملياتي المنسوب إلى إسرائيل مبهر جداً، ولكن في الوقت الذي وعد فيه نتنياهو الجمهور منذ فترة، أننا على بعد خطوة من تحقيق النصر المطلق على حماس، الآن يبدو أننا أقرب من قبل لحرب واسعة أيضًا مع حزب الله". واختتم بأن "الحسم في جميع الجبهات لا يُرى في الأفق بعد".