استمع إلى الملخص
- مواقف المجتمع الإسرائيلي: أظهرت استطلاعات "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" تراجع ثقة المجتمع في الحكومة، مع بقاء الثقة في الجيش مرتفعة، وتراجع الثقة في الانتصار بالحرب.
- التوجهات السياسية والمستقبلية: يعكس الاستطلاع رفض المجتمع لحل الدولتين، مع تأييد لفرض الحكم العسكري في غزة، وتفاؤل بقدرة المجتمع على التعافي رغم التحديات.
بعد مرور عام من حرب الإبادة على قطاع غزة، وسّعت إسرائيل حربها في الجبهة الشمالية، وبدأت حرباً شاملة على حزب الله ولبنان، وسط تمهيدها لتوجيه ضربات عسكرية مؤلمة، بحسب قولها، إلى إيران بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
إسرائيل توسع الحرب إلى لبنان
حرب الإبادة على قطاع غزة وصلت على ما يبدو إلى طريق مسدود. على الرغم من القتل والدمار والإبادة، بدأت إسرائيل مجدداً بشن هجمات برية على مناطق شمالي القطاع بهدف تنفيذ، ولو بشكل جزئي، "خطة الجنرالات" التي اقترحتها مجموعة من جنرالات سابقين في الجيش الإسرائيلي على رأسهم الجنرال السابق غيورا ايلاند، "لتنظيف" شمال غزة من السكان بواسطة التجويع والقتل والدمار. كل ذلك تمهيداً لسيطرة إسرائيلية شاملة على شمال قطاع غزة، والقضاء على من بقي من قوات "حماس" هناك، وفقاً للخطة. وبعد الانتهاء من منطقة شمالي القطاع تنتقل العمليات العسكرية إلى مدينة غزة ومناطق الوسط وصولاً إلى جنوبي القطاع. هذه الخطوات يمكن أن تشكل عامل ضغط على "حماس" بغية التوصل إلى اتفاق تبادل وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، بعد أن فشلت بذلك كل أدوات الضغط العسكري المستعملة لغاية الآن. تطبيق هذه الخطة، ولو بدون تبنيها رسمياً، يشي بأنه على الرغم من القتل والدمار على مدار عام، فشل الجيش الإسرائيلي بالقضاء تماماً على قدرات "حماس" العسكرية وعلى قدراتها المدنية الإدارية، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وأن هناك حاجة لـ"جولة" قتل ودمار إضافية في محاولة تحقيق ذلك.
بالتوازي مع حرب الإبادة على قطاع غزة، وبعد تمويه وخداع لعام كامل وضخ معلومات كاذبة عن عدم استعداد ومقدرة الجيش الإسرائيلي على فتح جبهة أمام حزب الله اللبناني، والثمن الباهظ الذي ستدفعه الجبهة الداخلية والجيش، بادرت إسرائيل إلى فتح حرب واسعة أمام الحزب. الحرب على لبنان لغاية الآن لا تشبه التوقعات السابقة، ولم تؤد إلى ضربات قوية من قبل حزب الله في الجبهة الإسرائيلية الداخلية، ولا في البلدات اللبنانية على الحدود، مقابل هجمات إسرائيلية واسعة على مناطق مدنية تلحق دماراً كبيراً وقتل المدنيين. نفّذت إسرائيل منذ بداية الحرب على القطاع ما يُعرف بـ"عقيدة الضاحية"، التي وضعها غادي آيزنكوت، قائد الأركان السابق، حين شغل منصب قائد منطقة الشمال في الجيش الإسرائيلي عام 2008، وفي نوع من أنواع استخلاص عِبر حرب يوليو/تموز 2006 مع حزب الله. وفقاً لهذه العقيدة سيقوم الجيش الإسرائيلي، في أي حرب مقبلة مع حزب الله، برد عسكري متطرف لا يتناسب مع أي هجوم يقوم به الحزب، من ضمن ذلك تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل كامل، بما يشمل المرافق المدنية، لتلقين الحزب درساً وتحقيق نصر واضح.
تنقل إسرائيل عقيدة "قطاع غزة" المستحدثة، إلى الأراضي اللبنانية
طوّرت إسرائيل هذه العقيدة في حرب الإبادة على قطاع غزة، لتشمل بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية والمرافق المدنية، إبادة شاملة لشروط الحياة في القطاع، وتهجير السكان والانتقام من كل الغزيين. بذلك باتت "عقيدة الضاحية" تشكّل سقفاً أدنى للرد الإسرائيلي في قطاع غزة. والآن تنقل إسرائيل عقيدة "قطاع غزة" المستحدثة، إلى الأراضي اللبنانية. يحضّر الاحتلال حالياً لتوجيه ضربة مؤلمة، كما يدعي، لإيران بعد الضربات الصاروخية التي وجهتها الأخيرة إلى أهداف عسكرية في فلسطين المحتلة. بذلك قد تحوّل إسرائيل حرب الإبادة على القطاع إلى حرب إقليمية، من الصعب تكهن تطورها ونتائجها.
مجتمع يتبنى الحلول العسكرية
في ظل هذا التصعيد والهروب الإسرائيلي إلى الإمام، وتبنّي الحلول الأمنية والعسكرية، من الأهمية بمكان متابعة مواقف المجتمع الإسرائيلي بعد مرور عام على بداية حرب الإبادة على قطاع غزة. منذ بداية الحرب يجري "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" استطلاعات شهرية لمتابعة مواقف المجتمع الإسرائيلي تجاه الحرب ومجرياتها وتجاه الحالة السياسية، وتقييم أداء القيادات السياسية والعسكرية، تحت عنوان "استطلاع السيوف الحديدية". لخّص الاستطلاع الأخير، في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، والمنشور بداية أكتوبر الحالي، مواقف المجتمع اليهودي منذ بداية الحرب، في عدة محاور.
فحص الاستطلاع مستوى ثقة المستطلعين بالحكومة والجيش. وفقاً للنتائج فإن مستوى الثقة بالحكومة ما زال منخفضاً جداً، بحيث عبّر 22% عن ثقة عالية وعالية جداً بالحكومة. وقد تراوح معدل الثقة في الحكومة في العام الماضي بين 22-26%. بينما كان مستوى الثقة بالجيش مرتفعاً جدا على مدار العام. للمفارقة، وعلى الرغم من الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023 عبّر 90% من المستطلعين عن مستويات ثقة مرتفعة في الجيش، وتراجع في استطلاع أكتوبر 2024 إلى 76%، على الرغم من ادعاء الجيش بأنه يحقق إنجازات عملاتية في أرض المعارك ومن الضربات التي وجهها إلى حزب الله في لبنان. ما زالت ثقة المستطلعين بالقيادات السياسية والعسكرية منخفضة إلى حد كبير، بحيث عبّر 30% فقط عن ثقة عالية وعالية جداً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهي نسبة شبه ثابتة على مدار العام. بينما تراجعت نسبة الثقة بوزير الأمن يوآف غالانت على مدار العام، من 58% في استطلاع أكتوبر 2023 إلى 35% في الاستطلاع الحالي. كذلك هناك تراجع حاد في مستوى الثقة بقائد الأركان هرتسي هليفي، من 69% عبروا عن ثقة عالية وعالية جداً به في استطلاع أكتوبر 2023 إلى 46% في الاستطلاع الحالي.
وفقاً للاستطلاع، يلاحَظ تراجع في ثقة المجتمع الإسرائيلي بإمكانية "الانتصار" في الحرب على غزة، بحيث تراجعت نسبة المستطلعين الذين قالوا إنهم واثقون بأن الجيش سينتصر بالتأكيد في الحرب على غزة من 92% في استطلاع أكتوبر 2023 إلى 66% في الاستطلاع الحالي. أما نسبة المستطلعين الذين يعتقدون أن الجيش لن ينتصر ارتفع من نسبة 4% في استطلاع أكتوبر 2023 لغاية 19% في الاستطلاع الحالي. بالمقابل قال 10% من المستطلعين فقط إن أهداف الحرب على غزة ستتحقق بشكل كامل، وهي نسبة شبه ثابتة على مدار العام، مقابل 38% قالوا إن أهداف الحرب ستتحقق بشكل جزئي، بينما كان معدل هذه الفئة في الأشهر الثلاثة الأولى للحرب أعلى بكثير وبلغت قرابة 55%. أي أن المجتمع الإسرائيلي خفض سقف التوقعات بالنسبة لتحقيق أهداف الحرب والانتصار على مدار العام، وبات مدركاً أن تحقيقها ليس مفهوماً مضموناً، على الرغم من ذلك فهو داعم للحرب على غزة.
أما بالنسبة للحرب على لبنان، وعلى الرغم من أن الاستطلاع نُفذ منتصف سبتمبر الماضي، أي قبل توسع الحرب في لبنان (27 سبتمبر)، فقال 75% من المستطلعين إن الجيش سينتصر في حال اندلعت حرب مع حزب الله، مقابل نسبة 90% في الاستطلاعات التي أجريت بين أكتوبر وديسمبر/كانون الأول 2023. وهناك انخفاض في توقعات الانتصار على حزب الله على مدار العام، على الرغم من النشوة التي سادت المجتمع والقيادات الإسرائيلية بعد عمليات الاغتيال وتفجير أجهزة الاتصال المستخدمة لدى حزب الله (17 و18 سبتمبر الماضي). أما بالنسبة لتصور المستطلعين لليوم التالي في غزة، فـ21% من المستطلعين أيدوا عودة الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر في غزة بعد انتهاء الحرب، و23% أيدوا عودة الاستيطان الإسرائيلي إلى قطاع غزة، فيما 20% أيدوا عودة سلطة فلسطينية متجددة لإدارة القطاع، و28% أيدوا نقل إدارة القطاع إلى جهات دولية في مرحلة انتقالية.
المجتمع الإسرائيلي يلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل
يوضح الاستطلاع أن المجتمع الإسرائيلي يلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، بحيث عبّر 8% فقط من المستطلعين عن موافقتهم التامة على حل الدولتين و23% قالوا إنهم يدعمون حل الدولتين إلى حد ما، بينما عارض بدرجات متفاوتة حل الدولتين قرابة 57% من المستطلعين. أما عن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، فقد قال 62% من المستطلعين إنهم غير قلقين بتاتاً تجاه الأوضاع الإنسانية في غزة، و22% قالوا إن الوضع الإنساني يقلقهم بدرجة قليلة، و15% فقط قالوا إن الوضع الإنساني يقلقهم بدرجات عالية. وحول سؤال "ما مدى تفاؤلك بقدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي من الأزمة والنمو في المستقبل؟" عبّر 63% من المستطلعين عن تفاؤلهم و33% عن تشاؤمهم.
بالمجمل، المجتمع الإسرائيلي ما زال يعبّر عن مستويات ثقة عالية في مؤسسة الجيش، على الرغم من الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر 2023. لكن المجتمع يعبّر عن مستوى ثقة منخفضة في الأشخاص والقيادات، بحيث لا يثق بقيادة الجيش ولا بالقيادات السياسية. مع ذلك المجتمع يثق بأن الجيش سينتصر في الحرب على غزة، وأيضاً في الحرب على لبنان، ولو تراجعت هذه الثقة على مدار العام الأخير. كما يؤيد أكثر من نصف المستطلعين ما تطرحه أحزاب اليمين واليمين المتطرف حول اليوم التالي للحرب على غزة، منها فرض الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر في القطاع أو عودة الاستيطان الإسرائيلي إلى قطاع غزة. ما يعني أن هذه ليست أفكاراً عابرة أو غير واقعية في المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي. المجتمع الإسرائيلي لا يأبه بتاتاً بالأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، ويثق أن المجتمع الإسرائيلي سيتعافى في المستقبل على الرغم من الأوضاع الصعبة في العام الأخير. وذلك على الرغم من احتمال إطالة أمد الحرب، خصوصاً أمام حزب الله، وربما توسعها لحرب مع إيران، والتوقعات بأن يدفع المجتمع الإسرائيلي والجيش ثمناً باهظاً.