إدخال المساعدات إلى سورية: بدائل غربية لتخطي العراقيل الروسية؟

03 مايو 2022
قافلة مساعدات للأمم المتحدة في سورية، يونيو 2021 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

تعود روسيا للتلويح مجدداً بورقة التجديد لآلية إدخال المساعدات الإنسانية (تنتهي في 10 يوليو/تموز المقبل) إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، التي تضم عشرات المخيمات والآلاف من النازحين عن منازلهم، وذلك لاستخدام هذه الورقة لتحصيل مكاسب سياسية سواء في الملف السوري أو الضغط على الغرب والولايات المتحدة تحديداً في ملفات إقليمية ودولية، لا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويبدو أن الغرب وواشنطن، باتا أكثر جدية للبحث عن بديل عن آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، التي تمكنت موسكو أساساً من اختصارها إلى معبر واحد، بعد أن بدأت بقرار أممي بأربعة معابر، وبقي المنفذ الوحيد لدخول المساعدات هو معبر باب الهوى بين تركيا وسورية، من جهة إدلب، شمال غربي البلاد.

وهدد المندوب الروسي في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، الأسبوع الماضي، بعدم التصويت لصالح قرار تمديد دخول المساعدات الإنسانية الأممية عبر معبر باب الهوى الذي ينتهي في يوليو المقبل.

وقال خلال جلسة لمجلس الأمن، إن "الوضع لم يتغير بعد 9 أشهر من قرار مجلس الأمن حول عمل معبر الهوى، إذ كان الغرض من القرار وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سورية، لكن 3 قوافل فقط تمكنت من العبور إلى إدلب ولا يوجد أي إمداد للشمال السوري من دمشق على الإطلاق".

ورأى "أنه في ظل هذه الظروف، لا توجد عملياً أسباب للمزيد من التمديد لقرار نقل المساعدات عبر الحدود"، موضحاً أن روسيا ترى كل هذا دليلاً على "عدم الرغبة" في حل المشكلات الإنسانية بما في ذلك إدلب.

الدور الروسي في تمتين موقف النظام

وتعتبر روسيا دخول المساعدات عبر المعابر التي تربط الشمال السوري مع تركيا إجراءً غير قانوني، ويجري خارج القانون الدولي، إذ تشدد موسكو على أن المساعدات يجب أن تدخل أو تمر عبر الخطوط، أي من دمشق إلى باقي المناطق، ما يعني تحكّم نظام بشار الأسد بورقة المساعدات، لا سيما تلك التي ستذهب إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، وتحديداً إلى إدلب وشمال حلب.

هذا الأمر من شأنه أن يضع تلك المناطق تحت رحمة النظام بما يشبه الحصار، للضغط على قرار القاطنين في تلك المناطق لا سيما النازحين، الذين يحتاجون لكميات هائلة من المساعدات، في ظل انعدام فرص العمل وعدم انتظام الدخل، الشحيح أساساً.

في المقابل، استضافت باريس اجتماعاً مفاجئاً نهاية الشهر الماضي، لممثلي كل من جامعة الدول العربية ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والعراق والأردن والنرويج وقطر والسعودية وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة لمناقشة الوضع في سورية.

وتطرق البيان الصادر عن الاجتماع إلى مسألة تجديد آلية المساعدات، بالقول: "شددنا على أهمية استمرار المساعدات التي تفوضها الأمم المتحدة عبر الحدود إلى سورية وزيادتها، وكذلك إعادة تفويض آلية إيصال المساعدات عبر الحدود، والتي تسمح بوصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى الشعب السوري، ومواصلة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2585".


الاحتمال الغالب حالياً، هو استخدام روسيا الفيتو في مجلس الأمن ضد تمديد الآلية

كما أعرب ممثلو الدول المجتمعة عن "الالتزام الدائم بالتخفيف من معاناة الشعب السوري"، والترحيب "بمؤتمر بروكسل السادس المقبل الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي من أجل مستقبل سورية والمنطقة، كما أكدنا الضرورة الملحّة لمواصلة تقديم دعم هادف وكاف للاجئين السوريين والدول المضيفة".

وأكد البيان كذلك دعم جهود المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن للدفع باتجاه حل سياسي وفق القرار الأممي 2254، وعلى ضرورة مواصلة الضغط من أجل المساءلة، ولا سيما المساءلة عن أخطر الجرائم المرتكبة في سورية.

وعلى الرغم من أن البيان شدد على المطالبة بإعادة التفويض لآلية إدخال المساعدات عبر الحدود بموجب القرار الأممي، إلا أن مصادر خاصة كشفت لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع ناقش حلولاً بديلة في حال أصرت روسيا على استخدام الفيتو في سبيل عدم التجديد، وكذلك في حال أرادت روسيا استخدام الابتزاز أمام الغرب والولايات المتحدة لتحصيل مكاسب سياسية في سبيل موافقتها على التمديد.

 فيتو روسي ضد تمديد آلية إدخال المساعدات لسورية؟

وعن ذلك، أشار الصحافي أيمن عبد النور، المقيم في الولايات المتحدة، إلى أن "الاحتمال الغالب حالياً، هو استخدام روسيا الفيتو في مجلس الأمن ضد تمديد الآلية، ولذلك يتم التحضير لمواجهة مثل هذا السيناريو، في حال لم يتم تنفيذ مصالح مشتركة روسية ـ أميركية على غرار ما حدث خلال مشكلة التمديد في العام الماضي".

ونوه عبد النور في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي المكلف بالملف السوري، إيثان غولديريتش، زار الحدود من الجانب التركي بعد لقائه مسؤولين من الائتلاف في إسطنبول في مارس/آذار الماضي، وكذلك فعلت المبعوثة الفرنسية إلى سورية بريجيت كورمي، والتقيا مسؤولي المنظمات الإغاثية والطبية، للبحث عن بدائل وحلول.

وكذلك كان الاجتماع قبل أيام للدول التي يشار إليها بـ"متشابهة التفكير" في باريس، وهناك تأكيد في كل هذه المحطات بأنه لا يمكن ترك الشعب السوري وحيداً.

وأضاف عبد النور: بالتالي هناك الآن حلان أمام هذه الجهود. الأول، استمرار إدخال المساعدات عن طريق تركيا من دون مجلس الأمن، وعلى هذا تمت إضافة تركيا إلى دول "المتشابهة التفكير" قبل ثلاثة أشهر. أما الحل الثاني، فهو توزيع بطاقات لها قيمة مالية ليستفيد منها النازح أو المستفيد بالشراء من خلال السوق المحلية.

ورأى عبد النور أنه من الممكن استخدام ورقة الضغط على النظام من خلال تخفيف المواد المسلّمة للنظام، والتي تمر عبر الخطوط إلى شمال شرقي سورية وشمال غربها، وبالتالي سيكون المتضرر هو النظام، لأنه يقوم بسرقة حوالي 40 في المائة من تلك المواد والمساعدات وتوزيعها على مواليه.

وأكد أن البدائل موجودة، مضيفاً: في شمال سورية وشرقها يمكن البحث مع حكومة إقليم كردستان العراق خارج قرار مجلس الأمن الدولي، وكذلك الأمر بالنسبة لشمال غربي سورية عبر تركيا. وأبدى اعتقاده بأن مؤتمر المانحين المقبل في 9 و10 من شهر مايو/أيار الحالي سيبحث وسيتطرق لكل السيناريوهات والبدائل.

من جهته اتفق المدير التنفيذي لمنظمة "بنفسج" الفاعلة في الشأن الإنساني والإغاثي شمال غربي سورية، هشام ديراني، مع عبد النور بأن روسيا ستتجه لتعطيل قرار تمرير المساعدات عبر الحدود باستخدام الفيتو. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي يمكن أن تفعلها روسيا، لكن في كل عام تزداد الاحتمالية ويزداد مستوى تسييس هذا الملف".

وأضاف ديراني: "العام الماضي تم تمرير المساعدات عبر الحدود، وتم تجديد القرار والذي ينتهي في يوليو المقبل، لكن ما حدث هو وضع قيود إضافية وتخفيض نقاط العبور الحدودية، المطلوب استخدامها وهذا أدى إلى إضعاف قدرة المنظمات على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة".


لا توجد إلى الآن أي خطة أو حتى تصور عن آلية بديلة لإدخال المساعدات عبر الحدود من دون قرار أممي

وعلى صعيد الحلول، نوه ديراني إلى أنه "لا توجد إلى الآن أي خطة أو حتى تصور عن آلية بديلة لإدخال المساعدات عبر الحدود من دون قرار أممي ومن دون انخراط الأمم المتحدة، خصوصاً أن ما يزيد عن 60 في المائة من التمويل الدولي يمر إلى سورية من خلال وكالات الأمم المتحدة، والتي لن تكون قادرة على العمل عبر الحدود في حال عدم تجديد القرار، وبالتالي حرمان المنطقة من معظم المساعدات الإنسانية التي كانت بالكاد تكفي لتأمين عدم موت أكثر من 4 ملايين نسمة".

وعن بحث الدول عن بدائل مع المنظمات المحلية، كشف ديراني أنه "يجري تواصل ضعيف وغير منهجي مع المنظمات لنقاش آليات بديلة مؤقتة، لكن إلى الآن لا توجد أي رؤية لأي آلية يمكن استخدامها حتى لو جزئية، وبعض المانحين يتكلمون عن نقل التمويل من وكالات الأمم المتحدة إلى المنظمات الدولية، لكن هذا لن يكون بشكل كامل والنسبة غير معروفة بعد"، مضيفاً "الآلية غير موجودة بعد وهذا يعني أنه في حال الوصول إلى آلية حقيقية، يحتاج الأمر قرابة العام حتى تصبح قابلة للتنفيذ".

ثلاث آليات لإدخال المساعدات إلى سورية

يشار إلى أنه توجد ثلاث آليات معتمدة لإدخال المساعدات الإنسانية - الأممية إلى سورية، وهي على الشكل التالي: أولاً، المساعدات داخل مناطق النظام، وهي المساعدات التي تقدّمها منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وهذا يكون ضمن المحافظة التي تملك فيها الأمم المتحدة مستودعات ومكاتب مثل حلب ودمشق.

وهنا التنفيذ إجباري ومحصور بكونه عن طريق "الهلال الأحمر السوري" و"الأمانة السورية للتنمية"، المرتبطين بالنظام، وتمت أخيراً إضافة بعض المنظمات التي يقبلها النظام.

الآلية الثانية، تتم عبر الخطوط: المساعدات التي تقدّم من داخل سورية وتعبر بين مناطق سيطرة مختلفة "نظام - معارضة"، "نظام - معارضة - نظام"، وهذه الطريقة تكون عبر تسيير قوافل إنسانية يتحكم النظام السوري بشكل شبه كامل بها من خلال إجراءات بيروقراطية عدة.

ومن هذه الإجراءات، التحكم بالوقت، وذلك من خلال تأخير الموافقات بحسب مصالحه السياسية، والتحكم بالمواد الموافق عليها، مثلاً رفض المواد الطبية وبعض المواد الغذائية، وذلك للتحكم بما يدخل إلى المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة، والتحكم بالمناطق التي سيتم خدمتها من خلال رفض أو قبول القافلة المرسلة.

الآلية الثالثة، عبر الحدود: والتي تمّت من خلال قرار مجلس الأمن للمساعدات عبر الحدود، وتسمح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بإدخال المساعدات الإنسانية من خارج سورية إلى داخلها، أو تنفيذ مشاريع في مناطق خارج سيطرة النظام من دون موافقة النظام، وهي الطريقة التي تزود الخدمات والمساعدات كاملة لكل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

ويأتي كل ذلك قبل أيام من انعقاد الدورة السادسة من مؤتمر "دعم مستقبل سورية والمنطقة"، يومي 9 و10 مايو الحالي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، ويشارك فيه ممثلون عن حكومات ومنظمات دولية وإقليمية، ومنظمات المجتمع المدني، ويشار إليه بـ"مؤتمر المانحين".

وتعهد المانحون الدوليون، في المؤتمر الخامس العام الماضي، بتقديم 6.4 مليارات دولار من أجل مساعدة السوريين داخل البلاد وفي دول الجوار.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر القرار 2585 في يوليو من العام الماضي بالتوافق بين الولايات المتحدة وروسيا، ويتضمن إدخال المساعدات عبر الخطوط والحدود، بعد ابتزاز روسي والتهديد باستخدام الفيتو على القرار ما أدى لتعديل صيغته أكثر من مرة، واختصار إدخال المساعدات عبر معبر واحد.