أعلن الرئيس جو بايدن عن تقديم 100 مليون دولار كمساعدة إنسانية إلى لبنان في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت. جاءت مبادرته هذه خلال مشاركته الافتراضية في مؤتمر باريس بهذه المناسبة، الذي نظمه الرئيس ماكرون وشاركت فيه 33 دولة و13 منظمة دولية و5 جمعيات مدنية لبنانية وجمع 357 مليون دولار يتم تقديمها إلى الشعب اللبناني على مدى 12 شهراً.
في كلمته أمام هذا التجمع قال الرئيس الأميركي: "لا مبلغ ماليا يعوّض إذا لم تلتزم القيادات اللبنانية بإصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد. وهذه مهمة أساسية ينبغي أن يبدأ العمل بها الآن". الرئيس الفرنسي تحدث أيضا بهذه اللغة، مشدداً على أن المساعدات لا تشكل الحل النهائي لأزمة لبنان ولا هي البديل عن "إعادة بناء الاقتصاد والوضع المالي" مع ما يتطلبه ذلك من "تغيير على صعيد القيادات اللبنانية".
المتحدثة الرسمية في البيت الأبيض جين ساكي رددت بدورها ذات المعزوفة، مع التنويه بمبادرة الرئيس المالية "وتعازيه" لذوي ضحايا الانفجار ودعوته المجتمع الدولي لرفع مساعدته إلى الشعب اللبناني. كذلك فعل المتحدث في الخارجية نيد برايس، الذي لم يغادر هذا الخطاب المكرور خلال جولة الأسئلة والأجوبة حول أزمة لبنان والتي استغرقت، على غير عادة، حوالي عشر دقائق من لقائه الصحافي اليوم.
هذا اللحن الموحد الذي عزفته الإدارة، نأى تماما عن قضية التحقيق في الانفجار وتحديداً المساءلة بشأنه. وكأن هذه مسألة جانبية. وعندما سئلت الخارجية عما إذا كانت في وارد الضغط للإسراع في كشف ملابسات هذا الملف، كان الجواب أن "مجموعة الدعم الدولي" للبنان قامت بهذه المهمة، وحثت السلطات على "الإسراع في استكمال التحقيق". وبالتالي لا حاجة إلى المزيد من المطالبات في هذا الخصوص. وكأن السلطات اللبنانية المعنية متروكة بنفسها لتقوم بالمطلوب. أو كأن واشنطن لا تدري بالموانع والعقبات التي حالت حتى اليوم دون كشف ولو رأس الخيط في هذه القضية.
مثل هذا التجاهل المقرون بتبسيط الأزمة - أي حصر أسباب "معاناة الشعب اللبناني خلال السنة الماضية بالأزمة السياسية والاقتصادية التي كان بالإمكان اجتنابها"- كما قال الرئيس بايدن – يرافقه تغييب كاسح للبُعد الإقليمي لمحنة لبنان في خطاب الإدارة. منذ البداية، بقي هذا الجانب في الظل باستثناء مرور عارض على سيرته من خلال الكلام عن "الدور الإيراني المؤذي" في المنطقة.
في المقابل، جرى التركيز، ولا يزال، على الأعطاب الداخلية في لبنان. وبالتحديد على الفساد والإصلاحات وعوائقه، كما على وجوب تشكيل حكومة تنهض بهذه المهام. نفس المقاربة تقريباً التي اعتمدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تحصر حالة الانهيار بعورات التركيبة اللبنانية أساساً.
وحسب المعروف والمتداول، فإن حسابات ماكرون الإقليمية والإيرانية بالذات، أملت عليه هذه المقاربة التي يبدو أن إدارة بايدن كانت وما زالت تتبناها طالما بقي شيء من النبض في عروق مفاوضات فيينا. ومشاركة الرئيس بايدن اليوم في مؤتمر باريس تلبية لرغبة ماكرون، ومساهمته بـ100 مليون دولار مساعدات للبنان، بدتا كتعبير عن تقارب وجهات النظر في التعامل الراهن مع الوضع اللبناني. فوفق بعض التقديرات، ستبقى معالجته محصورة بشكل رئيسي، وحتى إشعار آخر، بتوفير المساعدات الإنسانية وتأمين ما يكفي من اللوازم الأمنية، ريثما تتبلور وتنضج طبخة التسوية الإقليمية التي قد يتم إسقاط معادلتها على ساحات مأزومة مثل لبنان.