شددت القوات العراقية إجراءاتها الأمنية بمحيط عدد من المواقع والمصالح الأميركية الحساسة في البلاد، تحسباً لهجمات قد تتعرض لها في الذكرى السنوية لمقتل زعيم "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب زعيم "الحشد الشعبي"، في العراق أبو مهدي المهندس، اللذين قضيا بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020، الذي يوافق غداً الثلاثاء.
وتتحضر فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بطهران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"النجباء"، و"الإمام علي"، وجماعات أخرى لإحياء ذكرى مقتل سليماني والمهندس، بتظاهرات ووقفات من المقرر أن تحصل يوم غد، إحداها في موقع القصف الأميركي على طريق مطار بغداد الدولي، حيث رُفعت صور وشعارات مختلفة تتوعد بـ"الثأر".
وقال مصدر مسؤول في قيادة العمليات العراقية المشتركة، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الأمن ضمن تحسب وقوع أي هجمات شددت إجراءاتها الأمنية بمحيط مواقع وجود القوات الأميركية في عين الأسد وفيكتوريا"، في إشارة إلى قاعدة "عين الأسد"، غربي الأنبار، ومعسكر فيكتوريا الذي يضم قوات استشارية أميركية بجوار مطار بغداد الدولي.
وأضاف، شرط عدم ذكر اسمه، أن هناك مخاوف من إقدام جهات مسلحة على تنفيذ هجمات بطائرات مسيرة أو صواريخ، موضحاً أن "الإجراءات الحالية في هذا الاتجاه، ونأمل ألا يكون أي تصعيد أمني في إحياء الفصائل المسلحة لذكرى مقتل سليماني والمهندس".
وبين أن "العاصمة بغداد شهدت إجراءات أمنية مشددة، وخصوصاً في شارع مطار بغداد الدولي، حيث سيحيي أنصار الحشد الشعبي والفصائل المسلحة ذكرى مقتل سليماني والمهندس بتظاهرة حاشدة في المنطقة التي قصفت فيها العجلة (العربة) التي كانت تنقل سليماني والمهندس، وهذه الإجراءات تأتي تحسباً لأي طارئ قد يحصل".
وأضاف أن "توجيهات صارمة صدرت إلى القوات الأمنية في المناطق الشمالية المحاذية لإقليم كردستان، لمنع استخدام تلك المناطق منطلقاً لأي عملية قصف صاروخي نحو قاعدة الحرير في أربيل، وكذلك الأمر نفسه حول قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، إضافة إلى تشديد الإجراءات في بغداد قرب السفارة الأميركية والمناطق القريبة على المنطقة الخضراء".
وأعلن العراق رسمياً تحول مهام القوات الأميركية إلى استشارية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ضمن الاتفاق الموقع بين البلدين، وبعدد لا يتجاوز ألفي عسكري. وتوجد تلك القوات في ثلاثة مواقع رئيسية بالعراق، هي قاعدة "عين الأسد"، الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، غربي البلاد، وقاعدة "حرير"، شمال أربيل، ضمن إقليم كردستان العراق، إلى جانب معسكر "فيكتوريا"، الملاصق لمطار بغداد، الذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية، إضافة إلى السفارة الأميركية وسط بغداد.
وشهدت العاصمة بغداد ومحافظات عدة تنشط فيها الفصائل الموالية لطهران، رفع صور كبيرة لسليماني والمهندس وعناصر الفصائل المسلحة الآخرين الذين سبق أن قتلوا بضربات أميركية، ضمن إجراءات إحياء الذكرى الثالثة لعملية مطار بغداد.
قال المحلل السياسي ماهر جودة خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إن "قيام بعض الفصائل المسلحة بعمليات عسكرية من خلال قصف الأهداف الأميركية في العراق خلال إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال سليماني والمهندس أمر وارد، ولهذا هناك إجراءات أمنية مشددة حول تلك الأهداف والمناطق القريبة منها".
وبيّن جودة أنه "في الوقت نفسه، هذا الأمر قد لا يحصل في ظل الحكومة الجديدة، لمنع أي إحراج لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني أمام الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي بصورة عامة، لكن هذا لا يعني أن هناك جهات سياسية ومسلحة ستضغط على السوداني من أجل إخراج ما بقي من قوات أميركية، وكذلك التحقيق بشكل حقيقي وفعلي في عملية اغتيال المهندس وسليماني".
وأضاف أن "تعامل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع الفصائل المسلحة ما زال يشكل له مصدر قلق، في ظل الدعوات المتصاعدة بشأن القوات الأميركية في العراق، ووفق المعلومات، هناك أطراف سياسية ومسلحة منحت السوداني موعداً محدداً لحسم هذا الملف، وبعكسه ستعود العمليات العسكرية ضد الأهداف الأميركية، سواء في بغداد أو الأنبار أو أربيل".
القيادي في "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه "سيكون هناك تحرك جاد لحكومة محمد شياع السوداني في ملف الوجود الأميركي بالعراق بالفترة المقبلة، وهذا أقل ما يمكنه فعله رداً على عملية اغتيال سليماني والمهندس"، وفقاً لزعمه.
وبين الفتلاوي أن "حكومة السوداني تعمل مع الجانب الإيراني على إكمال التحقيقات الخاصة بعملية اغتيال سليماني والمهندس، خصوصاً أن حكومة (سلفه مصطفى) الكاظمي، كانت غير جادة بهذا الملف، وكانت تعمل على تسويف هذا الأمر، ولهذا حكومة السوداني تعمل على إحياء هذا التحقيق لكشف الحقائق، ومحاسبة كل متورط بهذه العملية من جهات خارجية أو داخلية مهما كانت".
واعتبر من وصفها بـ"فصائل المقاومة"، في العراق، أنها "ما زالت تحتفظ بحق الرد على عملية اغتيال سليماني والمهندس، وهذه الفصائل أعطت فرصة للحكومة العراقية لإخراج القوات الأميركية بالطرق الدبلوماسية والسياسية، لكن الحكومة السابقة لم تعمل على ذلك واستغلت الأمر لتعزيز هذا الوجود، والفصائل تأمل من حكومة السوداني حسم هذا الملف قريباً بشكل حقيقي وليس إعلامي كما فعلت حكومة الكاظمي".