أول امرأة سوداء في المحكمة العليا: بايدن يرصّ الصفوف قبل الانتخابات النصفية

09 ابريل 2022
جاكسون وبايدن يتابعان تصويت مجلس الشيوخ، مساء الخميس (تشيب سوموديفيّا/فرانس برس)
+ الخط -

قبل سبعة أشهر على الانتخابات النصفية الأميركية، المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حقق الرئيس جو بايدن انتصاراً نوعياً، بعدما تمكن من فرض تعيين مرشحته، القاضية كيتانجي براون جاكسون، كأول امرأة سوداء في المحكمة العليا منذ تأسيسها في 26 سبتمبر/أيلول 1789.

نقطة تحول تاريخية

ويمثل تأكيد مجلس الشيوخ تعيين جاكسون نقطة تحول تاريخية في تاريخ المحكمة، خصوصاً أنه يعني أن الرجال البيض لن يكونوا الأغلبية في المحكمة للمرة الأولى منذ 233 عاماً. وفيما أشادت شخصيات بارزة بجاكسون (51 عاما)، والتي تملك خبرة تسع سنوات في المحكمة الفيدرالية، بمن في ذلك السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، ومارتن لوثر كينغ الثالث، نجل رمز الحقوق المدنية المُغتال مارتن لوثر كينغ، فضلاً عن المرشحة القوية لمنصب حاكم جورجيا، ستايسي أبرامز، فإن تعيينها كأول قاضية سوداء في المحكمة العليا يأتي في لحظة دقيقة سياسياً داخلياً ولم يمر من دون عقبات.

وتُعدّ جاكسون التي تابعت تعيينها من البيت الأبيض مع بايدن المرشحة الأولى التي يرشّحها رئيس ديمقراطي وتتم المصادقة عليه منذ إيلينا كاغان في عام 2010.

صوّت ثلاثة جمهوريين لصالح جاكسون في جلسة التصويت أول من أمس الخميس

 

وصوّت ثلاثة جمهوريين لصالح جاكسون في جلسة مساء أول من أمس الخميس، لتحظى بدعم 53 صوتاً في مجلس الشيوخ في مقابل 47. ووصف تشاك شومر، زعيم الأغلبية، الحدث بأنه "يوم سعيد" للولايات المتحدة. وقال إن هذا الإنجاز "كان يجب أن يحدث منذ أجيال"، معتبراً أن الولايات المتحدة تتخذ اليوم خطوة هائلة نحو جعل اتحادنا أكثر كمالاً.

وأشرفت نائبة الرئيس كامالا هاريس على عملية التصويت. وستحل جاكسون (51 عاماً) محل القاضي ستيفن براير، بعد تقاعده في يونيو/ حزيران المقبل.

ولن يغير تعيين جاكسون التوازن الأيديولوجي الحالي في المحكمة التي يوجد بها ستة محافظين، لكن المحكمة ستضمّ للمرة الأولى 4 نساء (جاكسون، سونيا سوتوماير، إيلينا كاغان، آيمي كوني باريت)، بالإضافة إلى 4 رجال (كلارنس توماس، سامويل أليتو، نيل غورساش، بريت كافاناه).

وخلال جلسة الاستماع التي سبقت عملية التصويت، قالت جاكسون إن لديها "منهجية" للبت في القضايا، ولكن ليس لديها فلسفة شاملة. واتفقت مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين على أهمية الالتزام بنص الدستور كما قصده المؤسسون، فيما تأمل جاكسون أن تساهم مسيرتها المهنية في زيادة "ثقة" الأميركيين الأفارقة في النظام القضائي.

وفيما استخدم العديد من النواب المعارضين جلسة الاستماع للتحدث عن مواضيع حملتهم الانتخابية مثل محاربة الجريمة، مناهضة الإجهاض، رفضت الانجرار إلى معركتهم الأيديولوجية. في المقابل، روّج الديمقراطيون خلال الجلسة لتجربتها في العمل كمحامية.

وستكون أول قاضية سوداء في المحكمة العليا منذ ثورغود مارشال، الذي كان أول قاضٍ أسود في المحكمة العليا، بين 2 أكتوبر/تشرين الأول 1967 و1 أكتوبر 1991).

وسبق أن كشفت أنه منذ اختيارها من بايدن لمنصبها "تلقيت الكثير من الرسائل والصور من فتيات صغيرات من كل أنحاء البلاد، أعربن فيها عن حماستهن لأنني امرأة، امرأة سوداء، هذا يعني الكثير للناس".

وقدمت تحية لكل الأشخاص الذين ساعدوها في الارتقاء إلى هذا المستوى بدءاً من والديها اللذين "من أجل التعبير عن فخرهما بتراثهما والأمل في المستقبل، منحاها اسمًا أول أفريقياً، كيتانجي أونييكا، وهو يعني (الفاتنة)".

وخلافاً لوالديها اللذين "عانيا الفصل العنصري شخصياً" و"كان عليهما أن يواجها عقبات كثيرة"، كانت "محظوظة" لأنها ولدت بعد النضالات الكبيرة من أجل الحقوق المدنية في الستينات والتي أدت إلى إسقاط العديد من القوانين العنصرية. وتشغل جاكسون حالياً، وهي من مواليد واشنطن العاصمة، عضوية محكمة الاستئناف في العاصمة.

ودرست في جامعة هارفارد وعملت من قبل محررة في مجلة "هارفارد لو ريفيو". كما عملت كمحامية دفاع عامة في واشنطن قبل التحاقها بمكتب خاص ثم تعيينها في القضاء.

واعترض بعض الجمهوريين على الأشخاص الذين كانت جاكسون تمثلهم كمحامية، وبالتحديد المشتبه بهم في قضايا الإرهاب المحتجزين في معتقل غوانتنامو، واتهمها البعض بالتساهل مع الجريمة.

ومع ذلك، أشاد آخرون بتنوع الخبرة التي ستجلبها حياتها المهنية القانونية إلى المحكمة. وتمكنت جاكسون من الالتحاق بمدارس مختلطة في فلوريدا، حيث تميّزت في مسابقات البلاغة، وحصلت على شهادة من جامعة هارفارد المرموقة وتمتعت بمسيرة مهنية ثرية بدأتها كمحامية لتصبح قاضية فدرالية فيما كانت تبني عائلة مع جرّاح مشهور.

وقالت السناتور ليزا موركوفسكي من ولاية ألاسكا، وهي واحدة من ثلاثة جمهوريين صوتوا لصالح القاضية جاكسون، إن هذا القرار يعود جزئياً إلى "رفض التسييس المدمر" الذي ظهر خلال عملية التصديق على التعيين. وأضافت أن القاضية الجديدة "ستجلب إلى المحكمة العليا مجموعة من الخبرات من قاعة المحكمة لا يمكن أن يضاهيها سوى القليل نظراً لخلفيتها في التقاضي".

وتؤدي المحكمة العليا دوراً حاسماً في الحياة العامة الأميركية، وغالباً ما تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في القوانين والنزاعات شديدة الخلاف بين الولايات والحكومة الفيدرالية.

ومن المرجح أن تقدم جاكسون وجهة نظر مختلفة داخل المحكمة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الإجراءات الجنائية التي تظهر بانتظام في جدول الأعمال.

وكواحدة من تسعة قضاة، جاءت لتحل محل واحد من ثلاثة ليبراليين فقط في المحكمة، ولذا قد يكون لوصولها تأثير ضئيل على أحكام المحكمة.

احترام شعبي للمحكمة العليا

مع ذلك، لديها منصب مدى الحياة لتأكيد نفوذها. وتحظى المحكمة العليا باحترام شعبي، وفقاً لاستطلاع أجرته مدرسة "ماركيت" للحقوق في مارس/آذار الماضي أن 54 في المائة من الجمهور يوافقون على أداء وظائف المحكمة، وهو رقم ارتفع من 49 في المائة عن العام الماضي.

لكن التحديات كبيرة أمام المحكمة العليا، ووفقاً لمدير الاقتراع الشامل لـ"ماركيت"، تشارلز فرانكلين، فإن مجموعة القضايا المعروضة على المحكمة ستجعل من الصعب الحفاظ على موافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وأضاف: "فيما يتعلق بالإجهاض، والتعديل الثاني، ومسألة العرق في قبول الطلاب في الجامعات، وحقوق المثليين، والحرية الدينية، وملفات أخرى، فإن الجمهور منقسم بشكل حادّ على أسس حزبية".

ومع إيفائه بوعدٍ انتخابي، أي تعيين امرأة سوداء للمرة الأولى في أعلى محكمة في البلاد، يكون بايدن الديمقراطي قد باشر حملة مضادة من أجل تأمين معركة انتخابية متكافئة مع الجمهوريين في نوفمبر المقبل.

جاكسون: تلقيت الكثير من الرسائل من فتيات متحمسات لأجلي
 

ويعاني الرئيس أساساً من الانعكاس السلبي للغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط الماضي، وتداعياته الاقتصادية في الولايات المتحدة، مع ارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير.

ومع أنه سعى في الأسابيع الأخيرة إلى تنظيم القطاع النفطي، مع إعلان إدارته ضخّ 180 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، لمواجهة الضغط الاقتصادي الناجم عن ارتفاع الأسعار بسبب التضخم والحرب الروسية على أوكرانيا. وهو ما يمكن أن يهدئ الأسواق وغلاء الأسعار المتزايد في الداخل الأميركي.

مع العلم ان نسب التأييد التي حصل عليها بايدن أخيراً، تتراوح بين 41 و42 في المائة، وهو معدل منخفض نسبياً لرئيس لم تتجاوز ولايته العام ونصف العام. وبخطوة تعيين جاكسون، يكون بايدن قد باشر رحلة طويلة لكسب ثقة الناخبين مجدداً، خصوصاً أن تعيين القاضية يُساهم في إعادة الأميركيين من أصل أفريقي إلى صفوفه.

في الواقع، إن بايدن مدين لهم لفوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 نوفمبر 2020، وأيضاً لتأمين أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، بعد العمل الميداني المكثف الذي قام به قادة السود في ولاية جورجيا، الذي ساعد في انتزاع مقعدين من الجمهوريين.

المساهمون