يحضر الملف الأوكراني على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بعد مرور عام كامل على بدء الغزو الروسي، إذ تستعد الجمعية العامة للتصويت، اليوم الخميس مبدئياً، على مشروع قرار صاغته أوكرانيا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول غربية، يحمل عنوان "مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي يقوم عليها السلام الشامل والعادل والدائم في أوكرانيا".
هذا القرار يعيد تأكيد التزام الجمعية العامة "بوحدة الأراضي الأوكرانية واستقلالها"، ويطالب روسيا بسحب قواتها بشكل كامل، ويشدد على ضرورة التوصل "إلى سلام عادل ودائم" في أوكرانيا، إلا أن الحديث عن "جهود السلام" فيه، تبقى خطوطاً عامة وعريضة، من دون تحديد أي خطة واضحة أو شروط أو ظروف لمفاوضات السلام.
ويبقى الهدف هو حشد تصويت أكبر عدد ممكن من الدول لصالح مسودة القرار، أكثر منه بدء نقاش جدي حول إمكانيات التفاوض مع الروس حالياً، لتظهر أن "أغلب الدول متحدة" ضد روسيا وعدوانها على أوكرانيا.
حشد دعم الدول الأفريقية
ويرجح مراقبون أن تكرار الحديث عن "مفاوضات وسلام" في صياغة النص وفي عدد من الفقرات، مقارنة بقرارات سابقة حول أوكرانيا، يأتي في سياق رغبة الدول الغربية في حثّ أكبر عدد من دول جنوب العالم، خصوصاً الدول الأفريقية، التي امتنع عدد منها عن التصويت لصالح مشاريع قرارات مختلفة حول أوكرانيا، في أوقات سابقة.
تسعى الدول الغربية لدفع أكبر عدد من الدول، لا سيما الأفريقية، للتصويت لصالح القرار
وأنهكت تبعات الحرب الأوكرانية الاقتصادية تلك الدول، كما يشعر الكثير منها بامتعاض لسياسة الكيل بمكيالين التي تتّبعها الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في الحالة الأوكرانية، مقارنة بحروب وصراعات أخرى، كفلسطين والدعم غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي، أو الاجتياح الأميركي والبريطاني للعراق والذي يصادف مرور عشرين عاماً عليه هذه السنة وما زال العراق يعاني من تبعاته.
كما يرى الكثير من الدول، كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والصين، أن التسليح المستمر بمليارات الدولارات لأوكرانيا سيزيد من عمر الحرب ومن الخسائر البشرية ومن استمرار التأثيرات السلبية للحرب على الاقتصادات العالمية وأسعار الوقود والاستقطاب الدولي.
ولا تشير مسودة القرار إلى خطة السلام المكونة من عشر نقاط التي قدّمها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقالت مصادر دبلوماسية، لوكالة "فرانس برس"، إن أوكرانيا التي طرحت الخطة في مرحلة أولى، تخلت عنها لمحاولة الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، تعادل على الأقل تلك التي جُمعت في أكتوبر/تشرين الأول، عندما صوّتت 143 دولة لصالح قرار يدين ضم روسيا لعدد من الأراضي الأوكرانية.
وقال دبلوماسي أوروبي لـ"فرانس برس": "توصلنا إلى نص يحاول فعلاً توحيد المجتمع الدولي، يكون متجانساً وإيجابياً قدر الإمكان". وأضاف أنه بعد مرور عام على غزو أوكرانيا، سيكون أيضاً رسالة تبلغ روسيا بأنها "لا تستطيع تحقيق أهدافها بالقوة"، معتبراً أنه إذا شعرت موسكو "بالعزلة فعلاً فسيكون الضغط في مرحلة ما أقوى من أن يقاومه".
تمسك بوحدة الأراضي الأوكرانية
وسيتم التصويت على المسودة في نهاية جلسة رفيعة المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بدأت مساء الأربعاء وتستمر حتى اليوم الخميس، ومن المتوقع أن يتحدث فيها عشرات المندوبين ووزراء خارجية، بمن فيهم وزيرا خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا والولايات المتحدة أنتوني بلينكن.
ويُعقد بالتوازي هذا الأسبوع عدد من الاجتماعات الإضافية على مستوى وزراء الخارجية، أبرزها اجتماع مجلس الأمن يوم الجمعة والذي يصادف مرور عام على بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. وتأمل الدول الغربية أن يحصل مشروع الجمعية العامة على تأييد 143 دولة على الأقل، وهو عدد الدول التي صوتت لصالح آخر قرار في أكتوبر الماضي، دان العدوان الروسي على أوكرانيا.
ينص المشروع على التزام الجمعية العامة بوحدة الأراضي الأوكرانية ويطالب روسيا بسحب قواتها فوراً
ومن أبرز النقاط التي تنص عليها مسودة المشروع هي تأكيد التزام الجمعية العامة "بوحدة الأراضي الأوكرانية واستقلالها"، وتكرار مطالبتها "الاتحاد الروسي بأن يسحب فوراً وبشكل كامل ومن دون أي شرط جميع قواته العسكرية من أراضي أوكرانيا الواقعة داخل حدودها المعترف بها دولياً"، والدعوة إلى "وقف الأعمال العدائية".
كما يشدد مشروع القرار على "ضرورة كفالة المساءلة عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة على أراضي أوكرانيا وفق تصنيف القانون الدولي من خلال تحقيقات ومحاكمات تكون مناسبة وعادلة ومستقلة على المستوى الوطني أو الدولي، وكفالة إنصاف جميع الضحايا".
ومن اللافت للانتباه أن هناك عدداً من الفقرات التي تكررت بصيغ مختلفة، كالتشديد على "ضرورة التوصل في أقرب وقت ممكن إلى سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا بما يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة،" والترحيب "بجهود الأمين العام والدول الأعضاء لتعزيز سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا، بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة...". إضافة إلى ذلك تهيب المسودة "بالدول الأعضاء والمنظمات الدولية أن تضاعف الدعم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا، بما يتفق مع الميثاق".
حشد تأييد دولي ضد روسيا
ولا يخفي المسؤولون الغربيون والأميركيون في تصريحاتهم المختلفة أن هدفهم من هذه المسودة حشد أكبر عدد ممكن من التأييد الدولي بوجه روسيا. وهو ما أكدته السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، لـ"العربي الجديد" في نيويورك رداً على عدد من الأسئلة حول مبادرة السلام التي تعتزم الصين تقديمها، و"شروط التفاوض"، ومسودة الجمعية العامة آنفة الذكر، خلال مؤتمر صحافي عقدته هذا الأسبوع مع مراسلي الصحافة الأجنبية المعتمدة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
وفي ردها حول السؤال عن المبادرة التي أعلنت الصين عزمها على تقديمها لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قالت غرينفيلد بشكل مقتضب "في ما يخص الصين، نحن لا نتوقع أن تقدّم الصين أي مشروع قرار مضاد أو أي وثيقة حول الموضوع".
يشار في هذا السياق إلى أن أخباراً رشحت في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك عن احتمال أن تبادر الصين لتقديم مشروع قرار للجمعية العامة ضمن خطتها لإنهاء الحرب، التي لم تعلن رسمياً عن تفاصيلها بعد، لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت بكين تنوي بالفعل القيام بذلك.
غرينفيلد: إذا توقفت أوكرانيا عن القتال فستنتهي، ولكن إذا توقفت روسيا عن القتال ستنتهي الحرب
وعلّقت غرينفيلد رداً على سؤال "العربي الجديد" حول نص المشروع على "وقف الأعمال العدائية" والشروط الممكنة، قائلة "في ما يخص القرار، ما نطالب به هو المفاوضات، وندعو لأن يجلس الطرفان معاً، كما ندعو إلى السلام".
وأضافت "لكن أي وقف للأعمال العدائية يتطلب من الروس، الذين بدأوا هذه الأعمال العدائية، أن يوقفوا هذه الحرب. يمكنهم إنهاء القتال اليوم بوقف القتال، وسحب قواتهم من أوكرانيا وإنهاء الحرب والذهاب إلى طاولة المفاوضات". وتابعت: "إذا توقفت أوكرانيا عن القتال، وقُلت هذا مراراً وتكراراً وقاله كذلك الوزير (أنتوني) بلينكن، إذا توقفت أوكرانيا عن القتال فستنتهي، ولكن إذا توقفت روسيا عن القتال ستنتهي الحرب".
وحول الظروف التي يمكن أن تقبل الولايات المتحدة التفاوض تحتها، قالت السفيرة الأميركية "ليس لنا أن نقرر شروط المفاوضات، الأوكرانيون هم من يقررون الشروط التي سيتفاوضون بموجبها، ولكن ما نريد القيام به هو وضعهم في موقع قوي قدر الإمكان، بحيث عندما يذهبون إلى طاولة المفاوضات يفعلون ذلك من موقع قوة".
وحول أهمية قرار من هذا النوع على الرغم من كونه غير ملزم، كما قرارات مجلس الأمن الدولي، قالت "إنه يبعث رسالة قوية لروسيا بأن أفعالها غير مقبولة، ويعزل روسيا في الجمعية العامة ومجلس الأمن كما حول العالم. وسيبعث تصويت قوي (حصول المسودة على تأييد عدد كبير من الدول) الرسالة لروسيا بأن عليها الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
وأضافت "روسيا دولة منبوذة الآن، وإذا أرادت المضي قدماً في هذا العالم فعليها إنهاء هذه الحرب، عليها التفاوض، والطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلالها القيام بذلك هي إخراج قواتها من أوكرانيا وإنهاء الحرب. وتصويت بتأييد عدد كبير من الدول سيبعث هذه الرسالة وبشكل واضح. سيرون أن العالم سيبقى موحداً ضد أفعالها غير المبررة في أوكرانيا".
يشار إلى أنه ومنذ الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 قُتل أكثر من ثمانية آلاف مدني وجرح أكثر من 13 ألف مدني على الأقل، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. كما نزح داخلياً حوالي ستة ملايين، ولجأ ثمانية ملايين إلى الدول الأوروبية، وهناك قرابة 17 مليون شخص بحاجة لنوع من أنواع المساعدات الإنسانية داخل أوكرانيا.