سرّع الغزو الروسي لأوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي وضع أوكرانيا على قائمة الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. وجاءت موافقة قادة الدول الأوروبية الـ27، أول من أمس الخميس، على منح أوكرانيا صفة مرشّحة لعضوية الاتحاد، بعد أقل من شهرين فقط على استكمال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي تقديم طلب حصول بلاده على وضع الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد، إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين.
وعلى الرغم من الاحتفالية الأوكرانية بالموافقة الأوروبية، واعتبارها من قبل رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال "لحظة تاريخية"، إلا أن رمزية الحدث تطغى على الواقع، باعتبارها رسالة سياسية، لا سيما إلى روسيا، أكثر مما هو يعني قرب نيل كييف العضوية الكاملة في النادي الأوروبي.
وأصبحت هذه العضوية مثار جدل، لجهة الشروط التي تفرضها بروكسل، فيما تقف أوكرانيا، في الوقت الحالي، بعيدة عن تلبية متطلباتها، رغم جهود تبذلها لذلك منذ وقت. وفيما ترى دول أوروبية أن مجرد مقاومة الأوكرانيين للغزو الروسي يجعلهم حاملين للرسالة الأوروبية التي تسمح لهم بأن يكونوا جزءاً من المنظومة الأوروبية، ترى دول أخرى أن "التساهل" مع كييف مُجحف، وأن مؤشرات على "تراجع" الاتحاد من حيث معايير القيم ومحاربة الفساد وغيرها بدأت تأخذ أشكالاً أكثر جدية.
موافقة على ترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي
ووافق قادة الدول الأوروبية أول من أمس، خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد في بروكسل، على منح أوكرانيا ومولدافيا صفة مرشحتين لعضوية الاتحاد. وتحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن "لحظة تاريخية". كذلك وصف المستشار الألماني أولاف شولتز القرار بـ"التاريخي".
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الموافقة تشكل "إشارة قوية جداً حيال روسيا". وأشاد ماكرون بـ"خطوة سياسية عملاقة" صادرة من "أوروبا قوية وموحدة"، مضيفاً أن "ذلك ندين به للشعب الأوكراني الذي يقاتل دفاعاً عن قيمه وسيادته ووحدة أراضيه، ولمولدافيا انطلاقاً من وضعها السياسي وانعدام الاستقرار الذي تتعرض له والسخاء الذي عرفت أن تثبته". لكنه نبّه إلى أن "العملية التي بدأت لن تكون سهلة".
يتعيّن على أوكرانيا التعامل مع معضلة استشراء الفساد فيها
بدورها، تحدثت فون ديرلاين عن "لحظة أساسية"، معتبرة أن القرار "يعززنا جميعاً، ويعزز أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا في مواجهة العدوان الروسي". وفي كييف، رحّب زيلينسكي بـ"لحظة فريدة وتاريخية في العلاقات بين أوكرانيا والاتحاد"، مؤكداً أن "مستقبل أوكرانيا هو في صلب الاتحاد الأوروبي".
وكانت أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا قد قدمت ترشيحاتها بُعيد بدء الغزو الروسي، لكن زعماء الاتحاد الأوروبي قرّروا الخميس إرجاء قبول طلب جورجيا، مشيرين إلى أنها لا يمكن أن تصبح دولة مرشحة رسمياً إلا بعد معالجة أولويات عالقة، من بينها بحسب المفوضية الأوروبية إنهاء الاستقطاب السياسي وإحراز تقدم لناحية حرية الإعلام وإصلاح القضاء وقانون الانتخاب.
أما الكرملين فاعتبر القرار "شأناً أوروبياً داخلياً"، وقال المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف إنه "من المهم لموسكو ألا تحمل هذه الإجراءات مشكلات لروسيا ولعلاقات هذه الدول مع روسيا". كذلك، أعرب عن أمله في ألا يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقات بين موسكو وبروكسل التي وصلت بالفعل إلى مستوى منخفض جداً "إلى حدّ أنه من الصعب للغاية زيادة تدهورها".
وندّد بنيّة مولدافيا أن "تصبح أوروبية أكثر من الأوروبيين أنفسهم"، مذّكراً بأن تركيا المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ 20 عاماً "لم تتمكن من التقدم إلى ما هو أبعد من ذلك، ولكنها في الوقت ذاته باتت دولة سيّدة ومستقلة".
ويُشكل قرار قبول ترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي بداية عملية طويلة ومعقدة قد تستغرق سنوات. وللتذكير بذلك، قال رئيس الوزراء الألباني إيدي راما ساخراً إن "مقدونيا الشمالية مرشحة منذ 17 عاماً، وألبانيا منذ 8 سنوات. آمل ألا يكون لدى الشعب الأوكراني كثير من الأوهام".
ولهذا الكلام مدلولاته السياسية من دون شك. فمنذ الأيام الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا ارتفعت أصوات أوروبية تطالب بانتماء أوكرانيا إلى أوروبا، وتضغط على النادي الأوروبي لفتح ذراعيه ومؤسساته لهذا البلد، رغم أن أوكرانيا، وفق شروط الاتحاد للانضمام إلى فلكه، لا ترقى بعد لتلك المبادئ التي يستند إليها.
على المقلب الآخر، أثار تصويت أغلبية البرلمان الأوروبي بواقع 529 صوتاً، لصالح اعتبار أوكرانيا مرشحة، امتعاضاً من دول أخرى، بالأخص في منطقة البلقان التي ظلّت تعد لفترة طويلة مسرحاً للصراع على النفوذ بين الغرب وروسيا (ألبانيا والبوسنة والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وكوسوفو وصربيا)، والتي تنتظر عند بوابة النادي الأوروبي منذ سنوات طويلة. وصوّت البرلمان البلغاري، أمس الجمعة، لصالح رفع الفيتو عن بدء مفاوضات انضمام مقدونيا الشمالية إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل ضمانات من الاتحاد بأن هذا البلد سيلبي مطالب بلغاريا بشأن النزاعات التاريخية واللغوية طويلة الأمد بينهما.
مسار طويل لتلبية الشروط الأوروبية
بعد احتفالهم باعتبارهم مرشحين للقارة التي يعتبرون بغالبيتهم أنهم ينتمون إليها، سيتعين على الأوكرانيين التعامل بواقعية مع اشتراطات الانتماء إلى النادي الأوروبي. فحتى وقت قريب، ظلّت أوكرانيا تعدّ من وجهة نظر أوروبية بلداً فقيراً ينتشر فيه الفساد وغياب العمل وفق أسس دولة القانون، وهي مسائل من بين قضايا كثيرة ظلّت لسنوات تؤجل في أوروبا حتى مجرد فتح باب النقاش حول ترشح أوكرانيا إلى عضوية الاتحاد.
ولهذا السبب، كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين واضحة الخميس لناحية الطلب من أوكرانيا ومولدافيا ضرورة العمل على تطبيق الإصلاحات المطلوبة. ومن بين ذلك، يتعين على أوكرانيا التعامل مع معضلة استشراء الفساد فيها، وتحرير القضاء، وهي الوصفة التي يخوض الأوروبيون فيها مع كل الدول التي تطلب مبدئياً مناقشة فكرة الانتماء إلى الفضاء الأوروبي، أي قبيل الخوض حتى في شروط العضوية.
ومن الشروط الأساسية لعضوية الاتحاد أن تكون الدولة التي تطلب ذلك راغبة وقادرة على تحمل الالتزامات السياسية والاقتصادية للعضوية، ومستعدة لقبول وتطبيق قوانين الاتحاد، وأن تعتنق مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحريته الأساسية، وسيادة القانون، بحسب معاهدة الاتحاد الأوروبي.
ويأتي ذلك إضافة إلى معايير أخرى محدّدة لقبول العضوية، تبلورت في "معاهدة ماستريخت" (1992) و"إعلان كوبنهاغن" (1993) وإطار المفاوضات مع الدول المرشحة. ومنها: إرساء أسس الديمقراطية النيابية (قدرة المواطنين على المشاركة في الحياة السياسية، إنشاء الأحزاب...)، بناء دولة سيادة القانون، احترام حقوق الإنسان والأقليات، بالإضافة إلى المعايير الاقتصادية (سوق مفتوحة، إصلاحات، محاربة الفساد... ) والتشريعية. إلى جانب ذلك، هناك آلاف القواعد والتوجيهات والتشريعات التي يطبقها الاتحاد، ويتعين أن تتكيف كييف معها، إلى جانب تلبية نحو 35 فصلاً من الاشتراطات لقبول العضوية.
ويصرّ الأوروبيون على تطبيق معايير معسكرهم في شتى مجالات الحياة، من التعليم والثقافة وحقوق الإنسان والحريات، إلى البيئة والطاقة، إلى جانب فحص أوروبا لمدى توافق التشريعات الوطنية مع القارية، وهي عملية لا تحصل في أشهر، بل تكون متواصلة وتمتد لسنوات، لتطبيق الفصول أو خريطة الطريق من خلال الالتزام بقواعد وخطط وهياكل تتطابق مع معايير أوروبا.
وصحيح أن كييف كانت قد دخلت في اتفاقية مكافحة الأوليغارشية، في سياق تعاون أوروبي شرقي، لكنها كدولة كبيرة تضم أكثر من 40 مليون نسمة لم تثر حماسة جميع دول الاتحاد لإلحاقها بمعسكر بروكسل.
تشعر دول في البلقان بغضب مكتوم من التمييز بحقها
بعض الأوروبيين الشماليين، وفي شرق القارة ودول البلطيق، الذين اختبروا العهد السوفييتي السابق، بدوا أكثر حماسة لعضوية أوكرانيا في الاتحاد. هؤلاء يرون أن كييف تحاول التأقلم مع القيم الأوروبية، وأن الشعب الأوكراني يكافح دفاعاً عن القيم والحقوق والحرية التي تقوم القارة عليها.
وكانت فون ديرلاين قد أكدت في 17 يونيو/ حزيران الحالي أن أوكرانيا تعهدت بتلبية شروط العضوية، بينها مكافحة الفساد. وعلى الرغم من إشادة فون ديرلاين بتشريعات وقوانين كييف المستجدة، وخصوصاً في ما يتعلق بفصل السلطات وسيادة دول القانون، إلا أن هذه النصوص لا تكفي بنظرها: فبالنسبة لسيادة القانون مثلاً، أنشأت أوكرانيا المؤسسات اللازمة لعمل السلطة القضائية بشكل فعّال ومستقل، لكن لا تزال هناك حاجة لتعيين قضاة في المحكمة الدستورية.
وبشأن الفساد، وعلى الرغم من إنشاء المؤسسات لمكافحته، فمن الواضح أنه لا تزال هناك حاجة برأي الأوروبيين لتعيين مدعٍ عام في قضايا مكافحة الفساد، وكذلك مدير للجهاز الذي سيتولى التحقيق في قضايا الفساد.
على مستوى مكافحة الأوليغارشية، يُسجل الأوروبيون لأوكرانيا أنها أقرّت قانوناً لمكافحة ما يسمّى حكم القلّة الأوليغارشية من الأشخاص الأثرياء والأقوياء الذين تربطهم علاقات وثيقة بالنخبة السياسية. لكنهم يرون أنه يجب أن يترافق ذلك مع ظهور نتائج ملموسة. وعلى مستوى الحقوق الأساسية، لم يرقَ سجلّ كييف بشأن قوانين حماية الأقليات حتى الآن إلى المستوى المطلوب أوروبياً، وهي مسألة مهددة بالتراجع أكثر مع حالة الحرب.
رغم ذلك، قد يبدي الأوروبيون، رداً على "أطماع وعدوانية روسيا"، بعض التسامح في تلبية الكثير من الاشتراطات على أوكرانيا، أقلّه لجهة المنظور الزمني لتطبيق الانتقال إلى "دولة القانون"، ويعبر كثير من القادة الأوروبيين عن رغبتهم في مساعدة أوكرانيا "بعد انتهاء الحرب للبدء في عملية إصلاح شاملة بدعم أوروبي واسع".
في المقابل، تشعر دول أخرى في البلقان، موجودة على قائمة طلب العضوية، بغضب مكتوم من التمييز بحقها. فهذه الدول تخضع لقائمة اشتراطات أوروبية طويلة، تعتبرها بعضها تعجيزية، فيما ترى دول أخرى أن الاتحاد الأوروبي تحول إلى "نادٍ مغلق" أو "للأثرياء"، يكرر قادته وصفهم لألبانيا ودول البلطيق بـ"دول فقيرة".
لكن، وعلى الرغم من سجال الاحتضان الأوروبي لأوكرانيا، فإن الأمر يبدو لبعض الخبراء خطة ضرورية. ولذلك اعتبر خبير أوروبا الشرقية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بيوتر بوراس، أن "الاتحاد الأوروبي ليس أمامه أي خيار آخر، إذ إن عكس ذلك يعتبر إشارة غامضة يمكن لروسيا اعتبارها انتصاراً".
من جهته، قدّر الخبير الأوروبي في مركز أبحاث السياسة الخارجية الألمانية، جوزيف غانيغ، أن "الأوروبيين تعرضوا لضغوط طويلة للامتثال لرغبات زيلينسكي"، مضيفاً أن "الغزو الروسي ساهم في إجبار الاتحاد على اعتبار أوكرانيا منتمية للمعسكر الأوروبي".
ويعتبر خبراء أن التشدد مع ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية بشأن "سيادة دولة القانون" يثير علامات استفهام حول جدية تلك المطالب، مقارنة بما يواجهه ذلك المبدأ من ضغوط وتراجع منذ عام 2004 بعد انضمام بولندا والمجر إلى الاتحاد. كما أن مسألة الفساد باتت في قلب النادي الأوروبي، إذ انضمت أيضاً بلغاريا ورومانيا وكرواتيا إلى قائمة البلدان التي لديها مشكلات كبيرة مع الفساد.
ورأى مدير مكتب بروكسل لمركز الأبحاث الألماني، دوشان ريليجيتش، أنه "مع استمرار السياسات الأوروبية المتناقضة بشأن من هو مرشح ومن هو غير مؤهل للترشح، تضاءلت مصداقية سياسة التوسع في الاتحاد، حيث التذرع هو بأن التوسع مجرد عملية فنية، إلا أنها عملية مسيسة بشدة".