أوروبا وسجال الاستقلال عن واشنطن

14 ابريل 2023
ترامب وماكرون في بياريتز ـ فرنسا، أغسطس 2019 (ديفيد سبيير/Getty)
+ الخط -

في عام 2019، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلف شمال الأطلسي بأنه في حالة "موت دماغي"، إثر توتر علاقة القارة الأوروبية بواشنطن في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. ومنذ ظهور بوادر الغزو الروسي لأوكرانيا بداية العام الماضي، سجل بعض الأوروبيين امتعاضاً من مواقف باريس وبرلين، التي اعتبروها "مهادنة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

مرة أخرى، وإثر زيارته إلى الصين، وجد ماكرون نفسه مجدداً وسط عاصفة من الانتقادات بسبب تصريحاته حول التبعية للحليف الأطلسي الآخر، واشنطن، مع إبراز الصحافة دعوات الرئيس الصيني شي جين بينغ للأوروبيين بتشكيل قطب ثالث بين بلاده وواشنطن، من دون اتضاح ما سيكون عليه موقع روسيا.

بعض الأوروبيين يفهمون ما يجري أنه محاولة لجعل أوروبا محايدة في قضية تايوان، ومجمل السياسات الأميركية في آسيا، وبالتالي "دق إسفين" في علاقة ضفتي الأطلسي.

على المقلب الآخر، فإن امتعاض قوى أوروبية من تصريحات ماكرون يوضح أن قارتهم غير مستعدة لسياسة "النأي بالنفس"، وأن حاجتها الماسة للحليف الأميركي تزايدت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، على شكل تعاون أمني وعسكري، كما كشفت بعض الوثائق المسربة من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون".

وبمعنى آخر، حتى لو كان بعض الأوروبيين راغبين بالانفصال عن حليفهم الأميركي الاستراتيجي، فإن حرب أوكرانيا، وإلى حد ما التوجس من الاندفاع الصيني العالمي، يجعلهم أكثر حرصاً على تلك العلاقة. ولعل ذلك ينذر بانقسامات أوروبية داخلية. ففي شرق وشمال القارة ثمة قوى ترى أنه لا يمكن الاستغناء عن واشنطن. وهم ينظرون بقلق لتداعيات تصريحات ماكرون إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.

ولو كانت بعض القوى راغبة باستقلالية استراتيجية والتحرر من "التبعية"، فإن المتغيرات وتداعيات الحرب الحاصلة على حدود الاتحاد الأوروبي، ومحاولة الصين اختراقهم والتفرد بهم، تجعلهم غير قادرين على الاستغناء، على الأقل في المدى المنظور، عن الحليف الأميركي في الدفاع عن قارتهم.

ويستند منتقدو ماكرون إلى اعتراف بأن قارتهم فشلت في التعاطي مع روسيا إثر ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية وتدخلها في شرق أوكرانيا في 2014، موجهين السهام نحو "التردد" إلى كل من برلين وباريس. يعترف الأوروبيون بأنهم تعاملوا سابقاً بـ"سذاجة" مع سياسات روسيا الإقليمية، من دون إهمال أن سياسات موسكو بحد ذاتها ساهمت بدفع القارة نحو علاقة استراتيجية أكثر مع واشنطن، أقله حتى تضع الحرب الأوكرانية أوزارها.

المساهمون