أنظمة برعاية صهيونية

19 نوفمبر 2021
اتهم "محور الممانعة" المنتفضين السوريين بأنهم عملاء لإسرائيل (محمد الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -

اختفت عربياً سيرة كونداليزا رايس واعتبار ثورات الربيع العربي جزءاً من "الفوضى الخلاقة" و"العمالة لإسرائيل". لم يبقَ في مشهد عربي رسمي بائس سوى دونية البعض بالاحتماء بتل أبيب، وكسب رضاها لتثبيت السلطة أو الوصول إليها.

في زمن تدفق المعلومات لم يعد الربط بين تفاصيل ما يجري حكراً على "النُخب"، بل بمتناول شارع عربي يكتشف ذوبان الفوارق بين "مطبّعين" و"ممانعين"، في ضبط البوصلة باتجاه الصهيونية. فما يسمى "محور الممانعة" ذهب سريعاً في 2012 نحو الغرق في أبشع صور بروباغندا الدفاع عن ديكتاتور دمشق، بشار الأسد، باتهام المنتفضين السوريين بأنهم "عملاء لإسرائيل"، ومتحولاً إلى معسكر الثورات المضادة الأوسع عربياً وباتهام الشباب العربي بالتآمر "لإسقاط الدولة". وهو ذات المعسكر الذي أسقط من إعلامه وخطابه معادلة "تبادلية الأمن" في الجولان المحتل (تصريحات رامي مخلوف ربيع 2011)، وتكثف القصف شبه اليومي في سورية، وانفتاح "أنظمة التطبيع والمؤامرة" على حليفهم الأسد.

أهمية الاكتشاف في الشارع العربي أنه يقدّم أجوبة عن 10 سنوات من النفاق والانتهازية، الإقليمية والدولية، اللتين كلفتا دماء وتدميراً هائلين في الجسد العربي. وإذا كان البعض يرى اليوم في تل أبيب حامياً لنظامه، وآخرون يسعون من خلالها نحو الحكم، فإن نظام دمشق ذهب مبكراً إلى "نبع المؤامرة" لحماية نفسه من السقوط، وهي سابقة فتحت أفق تقديم كثيرين غيره أوراق اعتماد غير ملتبسة.

في السياق ذاته، لم يعد محيّراً لكثيرين من العرب مقاصد خطاب أن دولة الاحتلال تبقى "الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة. فكل مقدمات المقايضات التاريخية لديمومة حكم هذا وذاك، والتلطي بـ"القوة الصهيونية"، تنتج المعدلات المذلة للأنظمة والقوى المتشبهة فيها، وتفتح أمام الشارع العربي فهماً مختلفاً لخلاصه مستقبلاً من حالة استبداد تاريخي ومن ضعف وتأخر مجتمعاته، المدفوعة نحو حافة احتراب الطوائف.

في كل الأحوال، يكشف مستوى التغلغل الصهيوني أنه هدف، من بين أشياء أخرى، لتسويق أن "العربي لديه جينات مانعة للحرية والديمقراطية"، بتشجيع الانقلاب على إرادته، ما يفضح عقوداً من ازدواجية معايير وقيم غربية.

في المحصلة، نحن أمام مشهد يتلاقى فيه الأضداد ظاهرياً: باحثون عن حماية صهيونية وآخرون يصل بهم الحال إلى بلع المهانة، وإن كانت بحجم وصول الغاز "الإسرائيلي" إليهم، ممعنين بتمجيد قوة تدمير "أبو علي"، كما أطلقوا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المستمر في الوقت عينه بتغطية القصف شبه اليومي على سورية.