تفاعلت في الوسط السياسي الألماني قضية رفض أوكرانيا استقبال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير ضمن وفد رؤساء دول البلطيق وبولندا الذين قاموا بزيارة تضامنية مشتركة لكييف، وسادت حالة من الارتباك والغضب، بعدما سافر الجميع من دون شتاينماير، لكون الرفض شكل إهانة للرئيس وألمانيا، رغم أن الرئيس الأوكراني، فولودومير زيلينسكي، عاد وصرّح بنفسه بأنه لم يتلقّ من الرئيس شتاينماير أو مكتبه أي إخطار بذلك.
ورغم هذه التبريرات، يبدو واضحاً أن شتاينماير لم يكن مرغوباً فيه بأوكرانيا، وأن البيانات الصادرة عن كييف في هذا الخصوص ليست سوى محاولة للحد من أضرار العلاقة مع برلين، فيما أرجع آخرون موقف زيلينسكي إلى تقليل شتاينماير من تقديرات رغبة بوتين في غزو أوكرانيا.
وفي السياق، أشارت "إيه آر دي" الإخبارية إلى أن التحفظات بشأن سياسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي تجاه أوكرانيا عميقة للغاية في العديد من دول أوروبا الشرقية، وليس سراً أن رفض حضورالرئيس، من وجهة نظر أوكرانيا، يعود لمعاملته الودية المفرطة لروسيا خلال السنوات التي قضاها في منصبه وزيراً للخارجية، ولكونه مهندس اعتماد ألمانيا المفرط على الطاقة الروسية، مع ترويجه الدائم لتشييد خط أنابيب "نورد ستريم 2".
من جهة ثانية، برزت تعليقات تفيد بأن هدف زيلينسكي كان إيقاظ المترددين في الغرب، وفي مقدمتهم ألمانيا التي ما زالت تعارض ما تريده الأغلبية في "الناتو" والاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
وكان المستشار أولاف شولتز قد وصف ما حصل بـ"المزعج إلى حد ما"، فيما انتقد نائب المستشار وزير الاقتصاد المنتمي لحزب الخضر، الشريك في الائتلاف الحاكم، روبرت هابيك، تصرف الرئيس الأوكراني، واعتبر، في حديث مع مجموعة "فونكة" الإعلامية، أن الرئيس الاتحادي هو ألمانيا، ورفض استقباله رفض لألمانيا، والآن يجب علينا جميعاً التأكد من أننا نحل المشكلة ولا نصعّدها. ووصف خبير السياسة الخارجية في "الليبرالي الحر"، ألكسندر غراف لامبسدورف، القرار بأنه "مؤسف للغاية". أما زميله في الحزب، فولفغانغ كوبيكي، فاستبعد سفر المستشار شولتز إلى كييف بعد هذا الموقف.
إلى ذلك، برزت تعليقات منددة بتصرف الرئيس الأوكراني، لافتة إلى أن أوكرانيا تُلحق الضرر بنفسها، وأن عدم استقبال شتاينماير لا يعتبر قراراً حكيماً، ولا سيما أن ألمانيا تعتبر من أهم الداعمين لكييف ماليّاً وعسكريّاً، والإعلان أن رئيس الدولة غير مرغوب فيه يعتبر شكلاً من أشكال عدم الاعتراف بهذه المساعدة. وذهبت بعض التعليقات إلى القول إن حاكم روسيا سيكون مسروراً عندما يشاهد مدى انقسام الغرب.
من جهة ثانية، أشارت "تاغس شبيغل" إلى أنه كان بإمكان زيلينسكي أن يستغل زيارة الرؤساء الخمسة المخطط لها لكييف، لزيادة الضغط على برلين، ولا سيما أنه يطالب الحكومة الألمانية بتسليمه الأسلحة الثقيلة وفرض حظرعلى الطاقة من روسيا، مشيرة إلى أنه بخصوص تسليم الأسلحة بات من الحقائق البديهية أن ألمانيا لا تساعد أوكرانيا فحسب، بل تساعد نفسها أيضاً، فكلما خرج الرئيس فلاديمير بوتين أضعف من الحرب، كان ذلك أفضل، وعلى المستشار وحكومته فهم الرفض على حقيقته: "نداء إيقاظ وطلب مساعدة، والاعتراف بالأخطاء إحدى مزايا النظام الديمقراطي على الأنظمة الأستبدادية".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس شتاينماير مارس أخيراً أقصى درجات النقد الذاتي، واعترف بأخطاء كانت لها "عواقب وخيمة" على أوروبا، وأنه كان يجب التعامل مع تحذيرات الشركاء في أوروبا الشرقية بجدية أكبر، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالفترة التي تلت عام 2014 الذي شهد احتلال روسيا لإقليم القرم، إلا أن ذلك لم يؤثر في بناء خط أنابيب الغاز من روسيا عبر بحر البلطيق.