أفغانستان: أزمة مع الهزارة تلوح في وجه "طالبان"

19 يونيو 2022
رجل من الهزارة في باميان، مارس 2021 (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -

تتفاقم أزمة جديدة في وجه حركة "طالبان" في أفغانستان، مصدرها هذه المرة القيادي الوحيد من عرقية الهزارة الشيعية في صفوف الحركة مولوي محمد مهدي مجاهد، بعدما فشلت مساعي الحركة في إرضائه وإقناعه بالذهاب إلى العاصمة كابول، بدلاً من التحصن في مناطقه وجمع أنصاره حوله بهدف الدفاع عنه.

وفي تفاصيل القضية؛ عندما سيطرت "طالبان" على كابول منتصف أغسطس/آب الماضي كان مجاهد مسؤولاً عن مديرية بلخاب بإقليم سربل، شمالي البلاد، لكنه كان يرى نفسه ممثلاً لعرقية الهزارة في أوساط "طالبان"، غير أن الأخيرة لم تهتم به كثيراً ولم تعطه منصباً كان يتطلع إليه، حتى تم تداول القضية بين قيادات الحركة بعدما اهتمت به وسائل إعلام محلية.

بوادر أزمة بين "طالبان" والهزارة

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت حكومة "طالبان" تعيين مجاهد رئيساً لاستخبارات ولاية باميان (مركز الهزارة في أفغانستان)، ولكن بسبب وجود ملاحظات كثيرة عليه، خصوصاً في ظل الصراعات القديمة بين قبائل الهزارة وبين البدو الرحل (من قبائل البشتون) في الولاية، تمت إزاحته من منصبه في 3 يونيو/حزيران الحالي، ما أثار غضبه وأنصاره.

وطلبت منه حكومة "طالبان" العودة إلى كابول لتولي منصب آخر تقرره في وقت لاحق. لكنه رفض ذلك وذهب إلى مديرية بلخاب مسقط رأسه في ولاية سربل، والذي هو كان مسؤول الحركة فيها قبل سيطرة "طالبان" على كابول، وجمع أنصاره من كل المناطق حوله، رافضاً مطلب الحركة المتكرر بالعودة إلى العاصمة.

وأرسلت "طالبان" عدة وفود إلى المنطقة لإقناع الرجل بالعودة إلى كابول للمضي قدماً في القيام بأي مهمة تسلمه الحكومة إياها، ولكنه رفض ذلك، قائلاً إنه يمثل أقلية الهزارة المحرومة من أي منصب في الحكومة الحالية، داعياً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، على حد قوله.

وقال مجاهد، في كلمة له أمام اجتماع لأنصاره في مديرية بلخاب في 15 يونيو الحالي: "لسنا متطرفين ولا نقبل الظلم والقسوة"، مشيراً إلى استقباله وفودا من الحكومة. وتساءل: "لكن ماذا حدث؟ لقد تحدثنا معها عن الصداقة والأخوة، ولكنها ماذا فعلت؟ (لم يوضح الرجل ماذا حدث، ولكن نبرته أظهرت يأسه وأن طالبان لم تعترف له بشيء). والله ما أردنا ولم نرد إلا الأخوة والمساواة والعدالة الاجتماعية".

وأضاف أنه خلال العقود الأربعة الماضية، حاولت مجموعات مختلفة إبعاد بعضها البعض عن الساحة السياسية والعسكرية، لكن مثل هذه الإجراءات لم تسفر عن نتائج في الماضي، ولن تكون مجدية في المستقبل.


تواجه "طالبان" تحديات أمنية في بانشير وتسعى لتفادي جبهة مع الهزارة

وقال أحد مساعدي مجاهد، إنه لا يمكن لأحد أن يسيطر على بلخاب بالقوة، موضحاً أن مجاهد ليس قيادياً سابقاً لحركة "طالبان" كي يقبل بكل ما تقوله الحركة، بل يمثل عشرة ملايين من الهزارة والشيعة. وأضاف: "نريد حقنا، فإما تعطينا حكومة طالبان حقنا وإلا فنحن لا نخاف من الحرب".

بدورها، لم تعلق "طالبان" رسمياً على الحادث، بل اعتبر أحد أعضاء اللجنة الثقافية، نائب المتحدث باسم الحركة بلال كريمي، في بيان، أنه لا توجد أي مشكلة في بلخاب ومع مجاهد.

لكن مصادر قبلية في المنطقة أكدت لـ"العربي الجديد" أن حكومة "طالبان" جمعت مئات من مسلحيها حول مديرية بلخاب، تأهباً لأي عمل عسكري ضد الرجل، إذا رفض أوامر القيادة المركزية.

ويبدو أن الحركة تتعامل مع القضية باحتياط وحذر شديدين، ليس لأن مجاهد قيادي يتمتع بنفوذ كبير أو يملك قوة داخل الحركة، ولكن لأنه رفع راية الدفاع عن الشيعة، و"طالبان" لا تريد أن تكون في صدام معهم.

تقارير دولية
التحديثات الحية

في المقابل، قال أحد رموز الهزارة، رافضاً الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان" لا تأخذ قضية استياء القائد مجاهد على محمل الجد، لأنها تبدو مغترّة بقوتها وبالقبائل التي تقف وراءها (أي القبائل البشتونية).

ولكنه رأى أن هذا الملف يتفاقم في وجهها، لأن الرجل ذو نفوذ بين القبائل الشيعية في الولايات المركزية والشمالية، وفي حال تفاقُم الأوضاع الأمنية في شمال البلاد، خصوصاً جبهة بانشير، حينها سوف يكون ملف مجاهد أخطر من أي جبهة أخرى في وجه "طالبان"، لأن عناصرها يستندون إلى أيديولوجية وفكر، وهما الدفاع عن حقوق الشيعة. كما أن دولاً في المنطقة على أهبة كاملة لمساعدة ذلك التيار، بحال استخدام "طالبان" القوة ضده.

وعن هذه القضية، قال الأكاديمي الأفغاني محمد أنس شهير، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة طالبان لا يبدو أنها سترضخ لمطالب مجاهد أو أي قيادي آخر مثله، لأنه سيشجع الظاهرة، وسيقوم لاحقاً أي قيادي آخر من الطاجيك أو الأزبك أو التركمان للقول إنه يمثل تلك العرقية وبالتالي يريد حقها. وأضاف أن تلك ظاهرة لن تقبلها "طالبان"، ولكن في الوقت نفسه هي لا تريد الصدام المسلح.


"طالبان" تتوخى الحذر في التعامل مع القيادي مجاهد، لكنها لن تلين في وجهه

وأشار شهير إلى ما حصل في ولاية فارياب في شهر يناير/كانون الثاني الماضي عندما اعتقلت استخبارات "طالبان" القيادي الشهير في الحركة مولوي مخدوم عالم من العرقية الأزبكية، وكان الأخير والي "طالبان" على الولاية ورئيس لجنتها العسكرية، ولكن استخبارات "طالبان" اعتقلته لأنه كان متهماً باختطاف الناس.

وعلى الأثر، خرج الآلاف من أبناء الأزبك في تظاهرات حاصرت مقار حكومية، وقُتل وأصيب العديد إثر مواجهات مع قوات الأمن، ولم تتراجع "طالبان" عن موقفها.

وهو مؤشر على أنها لن تبدل سياستها ولكنها تتعامل معها باحتياط وحذر، لأن دولاً في المنطقة قد تستغل القضية من أجل التدخل وإشعال الحرب. واعتبر شهير أن "طالبان" تتوخى الحذر في التعامل مع القيادي مجاهد لكنها لن تلين في وجهه.

قوة الهزارة في كابول

يذكر أن أقلية الهزارة كانت لها قوة لا يستهان بها في الحكومات المتعاقبة خلال عقدين ماضيين. ففي حكومة أشرف غني المنهارة، كان من هذه الطائفة نائب الرئيس سرور دانش، ومستشار الرئيس حاجي محمد محقق، ورئيس لجنة المصالحة كريم خليلي، بالإضافة إلى عدد من الوزراء والسفراء والولاة، وكانت لها كلمة في جميع ما يدور في البلاد.

على سبيل المثال، اعتقلت الاستخبارات الأفغانية القيادي من عرقية الهزارة ويدعى عبد الغني عليبور في نوفمبر 2018 بتهمة القتل والاختطاف، لكن هذا الأمر فجّر احتجاجات في كابول ومناطق أخرى، وكان كل المسؤولين يدافعون عن الرجل، على الرغم من كونه متهماً، ما أجبر الحكومة على الإفراج عنه، بضمان من نائب الرئيس سرور دانش.

غير أن عليبور عاد إلى مديرية بهسود بولاية وردك، وأحرق المباني الحكومية هناك، ثم أسقط في مارس/آذار 2021 مروحية عسكرية ما أدى إلى مقتل تسعة عسكريين. ظلّت الحكومة عاجزة عن فعل شيء ضده، لأن مسؤولين فيها كانوا يدافعون عنه، فضلاً عن خشية السلطات من الصدام مع الهزارة المدعومة من قبل إيران.

وبالنظر إلى سيرة مجاهد، يبدو أنه لم ينضم إلى "طالبان" بحكم الأيديولوجية والعداء مع الأميركيين، بل اعتقلته السلطات الأفغانية في عام 2010 بتهمة الاختطاف والسرقة، وحكم عليه بالسجن 14 عاماً، إلا أن زعيم حزب الوحدة حاجي محمد محقق، تدخل للإفراج عنه في عام 2017.

وحاول مجاهد بعد ذلك الحصول على منصب في الحكومة والتقرب من رموزها، لكنه لم يتمكّن من ذلك، لهذا شكّل مجموعة مسلحة في بلخاب تقاتل مع القوات الأفغانية، قبل انضمامها إلى "طالبان" لاحقاً.

وعلى الرغم من أن "طالبان" لا ترغب في فتح جبهة جديدة في وجهها، خصوصاً أن المعارك جارية في بانشير، مع إعلان جبهة بانشير تكبيد الحركة خسائر كبيرة في الأرواح، علاوة على إعلانها إسقاط مروحية عسكرية في 16 يونيو الحالي في مديرية أرزو داخل الولاية، لكن الحركة لن تتردد في استخدام القوة في وجه أي قيادي يخرج عن طاعة قيادتها، مهما كان الثمن.

المساهمون