أسباب غياب ردود فعل القوى المصرية تجاه قمة النقب

30 مارس 2022
عُقدت قمة النقب أول من أمس الإثنين (جاكلين مارتان/فرانس برس)
+ الخط -

لاحظ مراقبون غياب ردود فعل سياسية أو حزبية أو نقابية مصرية قوية تجاه قمة النقب التي عُقدت، أول من أمس الإثنين، باستثناء حزب الكرامة الذي أصدر بياناً دان فيه نتائج القمة التي جرت في توقيت "لا تخفى دلالته، يتزامن مع مرور 43 عاماً على توقيع ما سُمي بمعاهدة السلام بين رئيس مصر ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، في واشنطن 26 مارس/ آذار 1979".

ودعا الحزب المحسوب على الاتجاه القومي والناصري إلى تفعيل لجان مكافحة التطبيع، لشجب "الهرولة" نحو التطبيع، مؤكداً أن مسيرة التطبيع التي تقودها الأنظمة العربية حالياً مصيرها إلى زوال كسابقتها.

أحزاب شكلية وتابعة للسلطة

وفي مصر أكثر من مائة حزب سياسي وفق إحصائيات رسمية، يعتبر مراقبون أن معظمها شكلي ومحض لافتات على مقرات، وأكبرها حضوراً في المشهد السياسي مقرب من السلطة خاضع لهيمنتها وتوجيهاتها، في حين يغيب معظمها عن الاشتباك عن القضايا الجماهيرية الوطنية.

وباستثناء تغريدات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لعدد من الشخصيات العامة والسياسية، كان من اللافت انعدام صدور إدانات عن معارضين بارزين تجاه القمة، وتوارت كيانات طالما اعتُبرت "حائط سد منيعاً" ضد التطبيع، مثل نقابتي الصحافيين والمحامين، على الرغم من أن هذه الكيانات كانت تكتفي في السابق، برأي مراقبين، بالحد الأدنى من الرد وهو ثلاثية "الشجب والإدانة والاستنكار".


غياب رد الفعل على قمة النقب بسبب القيود الأمنية على المعارضة

ورأى الناشط في مقاومة التطبيع محمد سيف الدولة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن غياب بيانات رفض وإدانة لمؤتمر النقب، هو أمر "شديد الغرابة والندرة"، إذ لم يحدث من قبل وعلى امتداد أكثر من أربعين عاماً من التطبيع الرسمي بين مصر وإسرائيل، أن صمتت القوى الوطنية المصرية على أي خطوة تطبيعية تتخذها السلطات المصرية مع اسرائيل، بل إن تاريخ الحركة الوطنية هو تاريخ "مناهضة الصهيونية وإسرائيل وكامب ديفيد والتطبيع".

والسبب في هذا الصمت، بحسب سيف الدولة، هي القيود السياسية والأمنية الصارمة غير المسبوقة المفروضة على أي معارضة سياسية، وخصوصاً في ظل التقارب الحالي غير المسبوق بين مصر وإسرائيل.

وبرزت أوجه التقارب في عدد الملفات، على رأسها التنسيق الأمني، والصفقة الكبرى لشراء الغاز الإسرائيلي وتسييله لإعادة تصديره، وتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، والمشاركة معا لأول مرة مع 60 دولة أخرى في مناورات عسكرية قادتها الولايات المتحدة أخيراً، وتقارب الرؤى الاستراتيجية بين الحكومتين حول ما يسمى بالمخاطر والتهديدات المشتركة.

إلى جانب ذلك، جرى تخفيف القيود المفروضة على الأنشطة الإسرائيلية في الداخل المصري مثل التصريح للسفارة الإسرائيلية بالاحتفال علانية عام 2018 بذكرى النكبة الفلسطينية (ذكرى استقلال إسرائيل) بحسب عنوان الاحتفال، على ضفاف النيل في قلب القاهرة، أو إحياء ذكرى الهولوكوست بالتعاون مع السفارة الأميركية لأول مرة في القاهرة، فضلاً عن زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت المتعددة لمصر، وآخرها قبل أيام في قمة جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد في شرم الشيخ.

وحذّر سيف الدولة من أن يدفع هذا الصمت بعض المراقبين إلى توهم أن القضية قد خبت وتراجعت، وأن الأوضاع قد استقرت واستتبت تماماً للعلاقات المصرية الإسرائيلية، وأن القوى الوطنية المصرية المعادية لإسرائيل قد رفعت الراية البيضاء. وأكد أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن "الثوابت والعقائد والمواقف والقناعات والمشاعر لا تزال حية في العقول والصدور".

ولفت إلى أن الصمت الظاهر للعيان مردّه القيود السياسية والقانونية "الصارمة" المفروضة على المعارضة السياسية بكل أطيافها، ويخفي وراءه "رفضاً وغضباً واستياء وتململاً مكتوماً من هذا التقارب الرسمي المصري والعربي مع إسرائيل".

وهو رفض يهمس به الناس يومياً لبعضهم البعض، موقنين بأن هذا الوضع يستحيل دوامه، وأن هذا السلام "بالإكراه" لا يمكن أن يستتب، مع شعب استطاع أن يسقط كل المعاهدات التي انتقصت من سيادته، كمعاهدة 1936 وحق امتياز قناة السويس.

سيطرة النظام المصري على الإعلام

من جهته، قال أحد الخبراء، طلب عدم ذكر اسمه، إن "سيطرة النظام على جميع وسائل الإعلام في مصر منعت ظهور الأصوات المعارضة للتطبيع، لكنها بالتأكيد لم تقتلها، فمعارضو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني موجودون، سواء على مستوى النخبة السياسية أو على المستوى الشعبي، ولكن الفكرة أنهم لا يظهرون بسبب احتكار وسائل الإعلام".

وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "مقاومة التطبيع حية في مصر، لكنها مثل العنقاء ترقد تحت الرماد، وتتحين الفرصة للتعبير عن نفسها، كما حدث بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما حاصر الشباب سفارة الاحتلال الإسرائيلي بالقاهرة واقتحموها وأرغموا الموجودين بها على الهرب بمساعدة قوات الأمن المصرية".


مقاومة التطبيع حية في مصر لكنها تتحين الفرصة للتعبير عن نفسها

وكانت نقابة الصحافيين من بين الغائبين عن تسجيل موقف، وهي التي كانت على الدوام منبراً تعلن مختلف القوى من فوقه مواقفها من ترتيبات التطبيع.

ومنذ سنوات لم تسجل النقابة موقفاً واضحاً بشأن خطوات التطبيع الرسمية المتسارعة، وغابت عنها الفعاليات المتعلقة بهذا الشأن، "ربما بسبب سيطرة مجلس مقرب من السلطة" برأي صحافيين، عبّر عنه الباحث في المرصد المصري لمراقبة الإعلام سيد أمين.

وقال إن حالة الصمت لا تعني الرضى، بل الخوف، المتسبب في عدم صدور أي بيانات من كيانات ونقابات وأحزاب تندد بمثل هذه القمة، فـ"الخوف شمل جميع الكيانات فضلاً عن هذه الكيانات أصبحت مجمدة أو شبه مجمدة".

وتابع أمين في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجميع يعلم أن التوجه نحو إسرائيل هو خيار إجباري للنظم العربية المشاركة، لافتاً إلى أن وجود هذه النظم مقترن تماماً بتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير بقيادة تل أبيب، بما يعني أن مقاومة هذا المشروع يعني مقاومة للنظم المشاركة ذاتها، وهي لن تسمح بذلك.

وخفتت معظم أصوات مشاهير المعارضين باستثناء بعض الأصوات المعروفة مثل نائب رئيس الجمهورية سابقاً محمد البرادعي، الذي غرّد قائلاً: عندما نتحدث اليوم في "القمة" عن "تحديات" المنطقة، لعله كان أولى بنا أن نتذكر أن على رأس تلك التحديات، التي نحاول جاهدين تجاهلها، هي قضية الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال والتمييز العنصري من قبل الدولة "المضيفة".

المساهمون