يُعد الهجوم على سجن الصناعة (غويران) في مدينة الحسكة، في الشمال الشرقي من سورية، ومن ثم الاعتصام فيه من قبل عناصر تابعة لتنظيم "داعش"، من أبرز التحديات التي واجهت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، منذ سيطرتها على منطقة شرقي نهر الفرات في سورية، في الربع الأول من عام 2019.
وكاد الهجوم المباغت، الذي بدأ ليل الخميس – الجمعة في 20-21 يناير/كانون الثاني الحالي، واستمر أياماً، يطيح بكل المكاسب التي حققتها "قسد" التي تهيمن عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية.
وتدل المعطيات على أن هذه القوات، التي تتلقى دعماً كبيراً من قوات التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة، تمكنت أخيراً من إعادة فرض السيطرة مجدداً على مدينة الحسكة.
ويأتي ذلك على الرغم من أن قوات "قسد" لا تزال تتعامل مع خلايا لـ"داعش"، بات أفرادها أقرب إلى "الذئاب المنفردة" في بعض الأحياء وفي مناطق أخرى في شرقي الفرات، وحيث يبدو أن هؤلاء كانوا نجحوا في الوصول إليها بعد فرارهم من الحسكة يوم الجمعة الماضي.
قد يفتح الهجوم الباب لحلّ إشكالية أسرى التنظيم لدى قوات قسد
وأكدت مصادر محلية أن قوات "قسد" لا تزال تقوم بعمليات تمشيط في بعض أحياء الحسكة، للعثور على فارين من التنظيم. وبيّنت أن هناك توجساً لدى سكان محافظة الحسكة، إذ "ليست هناك معلومات لدى الناس عمّا جرى ولا يزال يجري في مدينتي الحسكة والقامشلي".
من جهتها، أشارت مصادر مطلعة في مدينة الحسكة إلى أن هناك عدداً غير معروف من مقاتلي "داعش" لا يزالون متحصنين في جانب من السجن، مرجحة أن يكونوا قد احتجزوا رهائن.
وقالت المصادر إن هؤلاء المقاتلين يسعون إلى إبرام صفقة، تسمح لهم بالخروج إلى البادية السورية. ويبدو أن "قسد" وضعت هؤلاء أمام خيارين: إما الاستسلام أو الموت.
ارتباك "قسد" أمام هجوم "داعش"
وكان تنظيم "داعش" قد شنّ، ليل الخميس ـ الجمعة في 20 و21 يناير، هجوماً هو الأكبر له، منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرقي نهر الفرات مطلع عام 2019. واستهدف الهجوم بسيارتين مفخختين بوابات سجن غويران (سجن الصناعة)، قبل أن يشن العشرات من عناصره هجوماً لفتح هذه البوابات وإخراج سجناء التنظيم منه.
وكان واضحاً أن الهجوم المباغت أربك "قسد"، خصوصاً أنه جاء في منطقة من المفترض أن تكون شديدة التحصين، كونها تضم السجن الأخطر في العالم، والذي يضم مقاتلين وقياديين من "داعش".
وتضاربت المعلومات مراراً خلال أسبوع كامل من الهجوم والاستعصاء الذي أعقبه، في ظلّ غياب شبه كامل للشفافية في نشر حقيقة ما كان يجري على الأرض، وعدد القتلى من الطرفين والفارين من أسرى التنظيم.
وكادت هذه الأزمة أن تطيح بسمعة هذه القوات التي تأسست أواخر عام 2015 كطرف مهم في معادلة المواجهة الميدانية لتنظيم "داعش" في سورية، إلا أن هذه القوات تداركت الموقف بعد ذلك، حين استقدمت ما يربو عن 10 آلاف مقاتل لتطويق الأزمة.
وكشفت هذه الأزمة أن هذه القوات، التي يشكل مقاتلون أكراد قوامها الرئيسي، تحتجز في السجن أطفالاً يطلق عليهم التنظيم تسمية "أشبال الخلافة"، وهو ما ولّد استياء لدى منظمات دولية. ووفق تقارير إعلامية، كان يقبع في سجن الصناعة حوالي 700 فتى تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، محتجزون منذ سنوات عدة، لكون ذويهم من التنظيم.
وحاولت "قسد" تبرير قيامها باحتجاز الأطفال والفتية، بالقول إنها اضطرت لذلك "كخيار مؤقت لا بد منه حفاظاً على سلامتهم وسلامة المجتمع منهم في الوقت نفسه، وهي إجراءات مؤقتة إلى حين إيجاد الحلول المناسبة للتعامل مع هذه القضية"، وفق بيان.
التحالف يعيد تقييم أحداث الحسكة
وأدى الاختراق الأمني واسع النطاق إلى تذمر واستياء في منطقة شرقي نهر الفرات، وطرح تساؤلات جدية حول قدرة "قسد" على حماية المنطقة من تهديدات كثيرة محتملة.
وفي هذا الإطار، رأى الباحث السياسي السوري فريد سعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما جرى في مدينة الحسكة "أثّر على قوات قسد، خصوصاً أن المنطقة تعيش أزمات اقتصادية وتقع تحت ما يشبه الحصار".
قد تستفيد "قسد" لجهة تأكيد دورها في محاربة التنظيم، ويدفع المجتمع الدولي إلى تقديم دعم أكبر لها
وبيّن سعدون أن الهجوم على سجن الحسكة أكد وجود اختراق أمني، وهو "ما يعطي انطباعاً أن الجهاز الأمني لقوات قسد ضعيف". وبحسب رأيه، فإن التماسك الداخلي لقوات قسد يبدو هشّاً ويمكن اختراقه".
وأشار الباحث السياسي إلى أن أعداد المجموعات المهاجمة "كانت قليلة، ولكنهم استطاعوا الوصول إلى السجن في الحسكة، ما يؤكد أن تكتيكات تنظيم داعش لا تزال ناجحة، وأن هناك استهتاراً من قبل قسد في حماية المنطقة ككل".
ورأى أن "قسد لا تستفيد من هذه الحوادث، بل تؤثر على سمعتها كقوة ضاربة في منطقة شرقي الفرات". وأعرب عن اعتقاده بأن القوات الكردية "خسرت جرّاء هذه الأزمة، ولو أن الأميركيين لن يتخلوا عن قسد، وفي حال فكروا في الخروج من سورية، فسيدفعون باتجاه حل سياسي في شرقي نهر الفرات".
وأكدت أزمة سجن الحسكة، أن تنظيم "داعش" لا يزال يشكل خطراً على السلم والأمن في شمال شرقي سورية، وهو ما تستفيد منه "قسد" في تأكيد دورها في محاربة التنظيم، ويدفع المجتمع الدولي إلى تقديم دعم سياسي وعسكري أكبر لها.
وفي هذا الخصوص، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، أنس الشواخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قسد ستستغل ما جرى في الحسكة لتعزيز مطالبها المستمرة بالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري من المجتمع الدولي". واعتبر أن الهجوم "يعزز من فرص بقاء التحالف الدولي في سورية، وهو ما تريده قسد".
إلى ذلك، أعرب الشواخ عن اعتقاده بأن "قسد" ستستثمر الهجوم لـ"إحكام قبضتها الأمنية أكثر على مناطق غير موالية لها في شرقي الفرات، خصوصاً أن هذه المناطق تعاني وضعاً معيشياً صعباً نتيجة سوء الإدارة".
ورأى أن هذا الهجوم "شكّل تهديداً أمنياً عالي المستوى على التحالف ودول الجوار، ما قد يفتح الباب لحلّ إشكالية أسرى التنظيم لدى قوات قسد التي من الممكن أن تحاكمهم تحت إشراف دولي، وهو ما يعطي هذه القوات اعترافاً قانونياً بها".
لكن ذلك لا يعني أن "قسد" لم تمن بخسائر جرّاء الهجوم. وبحسب الشواخ، فإن "تخبطاً عاشته قسد أثناء هجوم التنظيم، ما جعل بياناتها متضاربة"، معتبراً أن ما جرى "قد يزعزع الثقة بهذه القوات وقدرتها على إدارة ملف مكافحة الإرهاب.
وأشار الباحث في مركز "جسور" للدراسات إلى أن "الخرق الأمني هو محل تقييم من التحالف الدولي، ما يعني قيام هذا التحالف بإعادة تقييم دور قسد في مواجهة التنظيم في حال ثبت فشلها أو تواطؤها". وبحسب رأيه، فإن الجانب الروسي "ربما يضغط لمنحه دوراً في ملف إدارة السجون التي تضم عناصر من داعش، ما يعني إشراك النظام في ذلك".